يكاد ملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر والملاحقين من اجل تهم واهية في كثير من الأحيان ، يكون من أبرز الملفات التي تعثرت الحكومة في معالجتها، رغم انعكاسه المباشر على مردودية الاستثمار الوطني، وتفعيل نوايا الاستثمار، التي بقي اغلبها بعيدا عن التجسيم. هذا الملف تعقد بفعل المزايدات والتجاذبات الحزبية، خاصة مع تعمد بعض الأطراف التلويح الدائم باتهام كل رجل أعمال تحاول الحكومة تسوية وضعيته بالتقرب من حركة النهضة.
وما زاد الطين بلة هو الفشل الذريع الذي مني به المشرفون على الملف خلال الفترة السابقة ، الذين احتكروا كثيرا من تفاصيله منذ استلام حكومة حمادي الجبالي مهامها، سواء ما يتصل، بإدارة الموضوع في مستوى رئاسة الحكومة أو منتدى رجال الأعمال. تعثر الملف وتأرجح وجهات النظر بين ترحيله إلى العدالة الانتقالية، أو تكليف المجمع القضائي الخاص بمعالجته، او المعالجة قطرة قطرة، وتأثر الحكومة باستهداف بعض الأطراف وأسماء معينة مثل، الهادي الجيلاني ومروان المبروك والمنصف المزابي والمرحوم عزيز ميلاد، وحتى رئيسة الأعراف وداد بوشماوي، بشكل يدعوها إلى تجاهل الملف ، عمق هموم رجال الأعمال ومخاوفهم في ظل تواصل معاناة بعضهم، وتلويح بعض الجهات بتوسيع قائمة المشمولين بالمصادرة.
هذه الوضعية تفسر الى حد كبير هجرة العديد منهم الى الخارج، وظهور تجمعات لرجال الأعمال التونسيين في الدارالبيضاء وباريس وأزمير التركية ، وطبعا في الجزائر الشقيقة.
الوعي بوطأة الموضوع، قد يكون وراء الدعوة القوية التي أطلقها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، هذا الأسبوع لرفع المنع عن كل رجال الأعمال وتسوية هذا الملف الذي أشار الغنوشي بوضوح الى ان مسؤوليته الأولى تقع على عاتق الحكومة السابقة.
راشد الغنوشي، قال بوضوح انه متعاطف مع رجال الأعمال الوطنيين، وان رفع المظلمة التي سلطت عليهم من شانها مساعدتهم على المساهمة بفاعلية أكبر في جهد التنمية. تصريح رئيس حركة النهضة لم يخل من رسالة واضحة الى اتحاد الصناعة والتجارة، الذي راجت أخبار قوية عن نية النهضة الهيمنة عليه، وتنصيب مرشح موال لها على رأسه.
الغنوشي نفى جملة وتفصيلا الموضوع وان يكون للنهضة مرشح تدعمه، وهو ما سيفتح الباب لأصحاب الأعمال لإنجاز مؤتمرهم الأول بعد الثورة بعيدا عن الضغوط والتجاذبات. دعوة الغنوشي إيجابية في هذا الظرف الذي تجاوزت فيه البلاد ، أزمة خانقة بين الحكومة واتحاد الشغل، ولا شك في أن تسوية ملفات رجال الأعمال، ستدفع في اتجاه، شراكة حقيقية وفعالة بين الحكومة واتحاد الشغل واتحاد الأعراف ، يحتاجها الاقتصاد الوطني لاستعادة عافيته.
الكرة الآن في ملعب الحكومة، المدعوة إلى استثمار نجاحها في تجاوز الأزمة مع اتحاد الشغل، والتوصل إلى اتفاقية زيادة تاريخية بين العمال والأعراف في الأجور ، لطي صفحة المزايدات ، وشيطنة رجال الأعمال، في ظل مخاوف متزايدة من المخاطر المحدقة بالمؤسسة الاقتصادية، وتعالي صيحات الفزع والتحذير من انهيارها الذي سيخلف لا قدر لها كارثة يصعب إصلاحها.