اختتمت يوم الأحد 16 ديسمبر أعمال ملتقى الطاهر الحداد للفكر الاصلاحي التي احتضنها أحد نزل مدينة الحامة. وعنوان الدورة «الفكر الاصلاحي في تونس وامتداداته المعاصرة» وهي تظاهرة اشترك في تنظيمها المركز الثقافي الطاهر الحداد مع جمعية منتدى الثقافة. تضمّن اليوم الأول جلسة علمية ترأسها الأستاذ عمار العربي وانقسمت أعمالها على مداخلات أولها للدكتور عبد الله الزرلي بعنوان ما تبقى من الحداد؟ عدد فيها آثار المفكر التونسي الطاهر الحداد وتناول من خلالها فكره وخاصة كتابَيه العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية وامرأتنا في الشريعة والمجتمع فتتبع مواقف الحداد من التجربة النقابية الرائدة لمحمد علي الحامي وايمانه بالعمل الاجتماعي وجرأته في التعبير عن مواقفه تجاه بعض القضايا مثل السفور و الميراث وتعدد الزوجات واعتبر أن ما تركه الحداد مازال حاضرا في المشهد الفكري والممارسة. ثم قدم رئيس جمعية منتدى الثقافة والحوار الدكتور جمال الدين دراويل مداخلة بعنوان تونس من مسيرة الاصلاح النهضوي الى معركة التحرر الوطني وتتبع فيها تطور الفكر الاصلاحي في القرن التاسع عشر و منابعه السياسية التي نشأ فيها قبل ادارك أهمية المجال الثقافي والتربوي في الاصلاح وما شهدته بدايات القرن العشرين من توغل في مجالات عدة مثل العمل السياسي والاجتماعي من قبل تلاميذ أولئك الرواد من استفادة توظيف.
أما الباحث سالم الحداد فبحث في مداخلته عن العلاقة بين الفكر الاصلاحي والحركة النقابية متتبعا التجارب التونسية في تأسيس نقابات انطلاقا من تجربة محمد علي الحامي وصولا الى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 مع فرحات حشاد ثم مداخلة الدكتور الهادي الغيلوفي وفيها تتبع للعلاقة بين بورقيبة والتيار العروبي كشف فيها عن الانفصال الفكري بينهما وما وقع من صدام ومواجهات محددا أبرز محطات الانفصال. وبعد فترة استراحة قصيرة فتح باب النقاش فكانت التدخلات معبرة عن التجاذب السياسي وعن التباينات الايديولوجية و لكن ضمن آداب الحوار والايمان بحق الاختلاف . واليوم الثاني انعقدت فيه جلسة علمية صباحية ترأسها الدكتور جمال الدين دراويل وتم فيها الاستماع الى مداخلات للأساتذة عمار العربي بعنوان التطرف العلماني الاسلامي الى أين؟ ووقف فيها عند أهم لحظات طرح سؤال الهوية في تونس وعبر عن رفضه الغلو الديني أو التطرف العلماني موجها دعوة للتخلص من الاحتقان عبر بعض المقترحات للتخفيف من حدته. ثم رصد الأستاذ عز الدين الكبسي في مداخلته الثابت والمتحول في الفكر الاصلاحي التونسي ومن أهم ما اعتبره ثابتا بين مفكري الاصلاح مقاصد الشريعة الاسلامية والايمان بالعلم واستتباعاته ومبدأ الاقتباس من الغرب وقضية المرأة أما الاختلافات ففي حتمية التطور بحسب المرحلة ونقد التجارب السابقة، أما السيد الصادق السعفي فقدم مداخلة عن ثنائية الاسلام والعَلمانية بين عصر الحداد واليوم مشيرا الى محدودية الوعي بالنظرية العلمانية عند مفكري الاصلاح ووقف كثيرا عن تحديد المفاهيم بدقة داعيا الى فك الخصومة بين الاسلام والعلمانية. أما السيد عبد العزيز التميمي فقدم ورقة عن الفكر الاصلاحي من النهضة الى الثورة فاهتم بالدعوة الى تجاوز السؤال التقليدي: لماذا تأخرنا؟ الى السؤال: كيف نتقدم؟ محددا علاقتانا بتراثنا وفق ثنائية الاحتفاظ والتجاوز.
وبعد فترة نقاش ثرية بالاختلافات وزعت شهائد على المشاركين بحضور المندوب الجهوي للثقافة بقابس السيد محمد دغسني. ومن المشاركين في الملتقى الأستاذ الهادي الغيلوفي كاتب عام جمعية منتدى الثقافة والحوار التقينا به وسألناه عن مشاركة الجمعية في الملتقى فقال: ساهمت جمعيتنا في هذه الندوة بالتنسيق العلمي حيث كانت الفكرة من صميم نشاطها أي ايجاد حوار هادئ بين مختلف التيارات الفكرية التي تنسجم مع روح الثورة في اطار الحرية وهي مكسب للجميع فقد انفتحت أمام المثقف الأبواب للتعبير عن رأيه وليشارك في الشأن العام كما ساهمت الجمعية في الملتقى بمشاركة ثلاثة من أعضائها وهم الدكتور جمال الدين دراويل والدكتور الهادي الغيلوفي والأستاذ عز الدين الكبسي. وسألنا الدكتور جمال الدين دراويل عن الفرق بين الملتقى قبل 14 جانفي وبعده فقال: الاشكاليات التي طرحت في ملتقى الطاهر الحداد للفكر الاصلاحي تغيرت بمقتضى السياقات والرهانات الجديدة على اعتبار أن الفكر لا يستطيع أن ينفك عن السياقات، و أضاف عن علاقة الثورات العربية بالفكر الاصلاحي: الثورة خطوة متقدمة لما بذر مصلحو القرن 19 من بذور فثمة تواصل بين لحظة الاصلاح ولحظة الثورة فكلاهما يبحث عن تحقيق التقدم رغم أن الثورة خطوة متقدمة وانعطاف جذري نحو البحث عن الأفضل. ومن المتابعين للملتقى السيد عز الدين رتيمي، سألناه عن تقييمه للدورة فقال: مداخلات حادة في أغلبها أحيت ذكرى رائد الاصلاح ليحيا عندنا من جديد سؤال: من نحن؟ ولماذا تقدموا و تخلفنا؟ الجديد هو الانفتاح على المشكلات في عمقها ومن زوايا نظر مختلفة بل متناقضة في بعض الأحيان وهذا مهم جدا بقدر ما قدم من أفكار فان الملتقى أصّل من جديد لثقافة الحوار ودعم التواصل و هو ما نحتاجه اليوم ما بعد الثورة. وسألنا السيد بقاسم بوعمران عن رأيه في الدورة فقال: دورة تقليديه لم تختلف عن سابقاتها تنظيما ومحتوى.
الملتقى لم يتطور رغم بلوغه سن الرشد، لابد من التفكير في تطوير الملتقى من حيث الضيوف وموضوع الدورة ومضمون المداخلات مع امكانية تنويع الأنشطة كاضافة فواصل موسيقية وسينما ومسرح والترفيع في عدد الأيام مع التخفيض في عدد المحاضرات، مضمون هذه المحاضرات يتكرر من محاضر لآخر والحضور ضعيف ولكنه نوعي والمساهمة متحققة من الحاضرين الذين يجلسون ثماني ساعات لانتظار فرصة تدخل، لذلك أتمنى تحويل المحاضرات من حلقات دروس وتلقين الى موائد مستديرة وورشات. وبذلك أسدل الستار على هذه الدورة الجديدة في انتظار مواعيد أخرى ينتظرها مثقفو الحامة بشغف للمتابعة والتفاعل مع الأطروحات التي تلامس شواغلهم واهتماماتهم.