رغم الوعود التي أطلقتها وزارة التكوين والتشغيل بتشغيل أصحاب الشهائد العليا المعطّلين عن العمل ممّن يساهمون في إنجاح موسم الجني، فإنّ غياب اليد العاملة الفلاحيّة لا يزال يمثّل هاجسا كبيرا لدى كل أهالي ولاية صفاقس. حيث لم تكن مبادرة وزارة التكوين والتشغيل كافية لتحضير المعطلين لأنّ هناك نقصا يظهر يوما بعد يوم ممّا جعل وتيرة عمليّة الجني لا تزال تخطو ببطء رغم الحوافز الماليّة التي خصّصها الفلاحون كأجرة لليد العاملة المختصة في الجني.
وقد بلغ أجر الفرد الواحد العامل حوالي 20 دينارا ورغم اليقين أنّ هذا المبلغ يرضي الأجير ويعطيه حقّه ويثقل كاهل المؤجّر إلّا أنّ بوادر أزمة نقص اليد العاملة في عموم ولاية صفاقس لا تزال الهاجس الأكبر للفلّاحين.
ولم تكن معتمديّة المحرس بمنأى عن هذا الأمر إذ لاحظنا نقصا واضحا في عمّال الزيتون بعد مرور أكثر من شهر على عمليّة الجني بل هناك ضيعات لا تزال كما هي بانتظار أن يتوفّر من يجنيها لترتاح شجرة الزيتون وتستعد للموسم القادم.
ومع مرور الوقت يزداد قلق الفلّاحين على مصير صابة هذا العام التي تحيط بها المشاكل من كلّ جانب فعلاوة على نقص اليد العاملة هناك تخوّف من انخفاض الأثمان في الأسواق وتخوّف من تجدّد موجات السرقات وتخوّف من ترويج المنتوج وغير ذلك.
من جانب آخر ألقى هاجس نقص اليد العاملة بظلاله أيضا على حضائر البناء التي شهدت تضاعفا بعد الثورة بسب الانفلات العقّاري، ورغم نقص وغلاء مواد البناء إلّا أنّ العديد من الناس في المحرس استغلوا هذا الوقت لتنشيط حضائر البناء. إذ تكاثرت البناءات بشكل لافت في أحواز مدينة المحرس نظرا للطابع السياحي للمدينة ممّا جعل اليد العاملة تكون شبه مفقودة وبالتالي أصبح العثور على عامل بناء عملة نادرة تتطلّب صبرا وانتظارا طويلا.
فأرقام العاطلين في الولاية بالآلاف لكن عمليا يبدوا الأمر عكس ذلك تماما حيث أصبحت البطالة نوعيّة بحسب المختصّين أمّا الأعمال العاديّة اليوميّة في الفلاحة وحضائر البناء فهي تشكو نقصا فادحا رغم تضاعف الأجر في ظرف سنتين تقريبا.
هذا الأمر أعاده البعض أيضا إلى خلل منظومة التعليم الحالية والتي تمثل إرثا ثقيلا للنظام السابق بفعل إلغاء منظومة التعليم المهني التي كانت توفّر يدا عاملة على حسب الاختصاص (فلاحة أو نجارة أو بناء..). كما يمكن أن توفّر أيضا حرفيين في كلّ الاختصاصات صناعية كانت أو فلاحية أو أشغال عامة وهو ما ينقص شباب اليوم الذي يفضّل الهروب إلى ما وراء البحار أو الجلوس في المقهى على العمل الذي يتطلّب مجهودا بدنيّا ويوفّر أجرا محترما ويقضي على مشكل نقص اليد العاملة، وما تعيشه غابات الزيتون وحضائر البناء من نقص رهيب في اليد العاملة يؤشر على وجود مشكل آخر في ترشيد اليد العاملة لابدّ للجهات المعنيّة أن تستنبط حلولا قبل فوات الأوان.