لا أحد يمكن له انكار اكتساح «الراب» كشكل وتعبير فني جديد للساحة الفنية والثقافية في البلاد التونسية قبيل الثورة، وفي الوقت الراهن، حتى البعض، اعتبر دوره ناجحا وفعّالا في التعبير عن معاناة الشعب وفي اشعال فتيل الثورة. وبعد الثورة، أصبح الحديث عن اعتراف وزارة الثقافة بهذا اللون الفني، ليكون خاضعا للاجراءات الرسمية التي تخضع لها بقية الفنون وخاصة في اسناد بطاقات الاحتراف الفنية، وكذلك على مستوى دعم الانتاج والعروض المدعّمة، وهذه المعلومات من جهات مطّلعة، وهي في مرحلة الانجاز حسب مصادرنا.
الا أن التساؤل يبقى قائما، في هذا اللون الفني، ونقصد «الراب»، هل يمكن له أن يوفّر لقمة عيش «الرابور» خاصة وأن تصوير الاغاني مكلّف، وبثّها مجاني، عبر المواقع الاجتماعية خاصة؟
وهل أن الحفلات الخاصة والمشاركات المحدودة في المهرجانات الصيفية لبعض «الرابورات» تفي بالحاجة؟؟ أسئلة أجاب عنها مجموعة من محترفي «الراب» في تونس ولو أن أشهر الاسماء في هذا المجال على غرار «بلطي» و«الجنرال» تعذّر الاتصال بهم.
احتراف الراب صعب
الفنان محمد علي بن جمعة، الذي احترف الراب منذ ثلاث سنوات، قرّر أن يضع حدا لهذه التجربة مؤكدا أن «الراب» بمفرده لا يمكن أن يكون مصدر رزق، وشدّد «بن جمعة» على صعوبة احتراف «الراب» كمهنة بمفردها لأن ظروف الانتاج في تونس صعبة، لكن في الواقع والكلام لمحدّثنا، «الراب» فنّ ويجب أن يوفّر لقمة العيش للفنان الذي يمتهنه مشيرا الى أن «الراب» في ظل الفوضى الحالية بدأ يتنظّم كقطاع.
ونصح «بن جمعة» «الرابورات» الشبّان الذين يزاولون تعليمهم بضرورة مواصلة الدراسة، وجعل الراب هواية حتى وإن امتهنوه حتى لا يكون المهنة الوحيدة التي يبنون عليها حياتهم ومستقبلهم.
وغير بعيد عن الفنان محمد علي بن جمعة، اعتبر الرابور «wedl El15» أن «الراب» في تونس لا يمكن أن يكون المصدر الوحيد للرزق لمحترفي هذا اللون الفني، وردّ ذلك لغياب شركات الانتاج.
وأكّد «wedl El15» أن الدعم الذي تحصّل عليه بعض زملائه في الصائفة الفارطة من وزارة الثقافة، يعبّر عن محاولة لتحطيم الرابورات، والحال، على حد تعبيره أن عديد الاسماء في الفن الوتري انتهت فنيا، تحصّلت على دعم مالي كبير.
وأشار في ذات السياق الى أن الراب له جمهور كبير، معتبرا أن إعطاء بعض الرابورات عروضا مدعومة في مهرجانات صغرى هي محاولة لقتل هذا اللون الفني الذي له اقبال جماهيري كبير وقادر على انجاح وإحياء حفلات في أكبر التظاهرات الفنية بالبلاد التونسية.
«فيه وعليه»
ومن جهة أخرى يرى الرابور «Emino» ان نجوم الراب الشهيرة قادرة على أن تعيش من الراب، واستحضر نفسه قبل دخوله السجن وكذلك نجم الراب بلطي، الا انه في حديثه عن نفسه عرّج على كونه كان يوفّر مداخيل كبيرة من الراب وخاصة عندما تعامل مع شركة انتاج محترفة، حيث أبرز انه كان يتمتع مع هذه الشركة براتب شهري علاوة عن الارباح الأخرى المتأتية من الاشهار بأنواعه.
بيد ان «Emino» عاد الى نقطة البداية الفنية الأولى لكن في محطة أخرى على حد تعبيره، بعد خروجه من السجن. وأوضح انه لولا دخوله السجن لتمكّن من الزواج من مداخيل الراب.
الحلول ممكنة
أما نجم الراب عبد المنعم MDMC فله وجهة نظر أخرى، حيث بمجرد توجيه الأسئلة له قدّم حلولا تمكن الرابور من العيش الكريم، اول هذه الحلول دعم وزارة الثقافة للإصدارات الموسيقية بالاضافة الى دعم العروض بالمهرجانات وبالتظاهرات الثقافية عموما. وأما الحل الثاني فيتمثل حسب عبد المنعم في مواصلة إحياء الحفلات الخاصة سواء في العلب الليلية او في الحفلات التي يدعى اليها الرابورات. بل ذهب عبد المنعم أبعد من ذلك حين قال: إن «الرابورات» في هذه الفترة يعملون أكثر من المطربين (في الوتري) على مستوى العروض. كما طالب محدثنا بضرورة دعم الوزارة «للرابورات» في حفلاتهم خارج ارض الوطن وذلك خاصة باقتناء تذاكر السفر.
ويضيف عبد المنعم قائلا: مازال الراب لم يدخل كليا منظومة الاحتراف والأهم حاليا هو دعمه وبناء منظومة خاصة به على مستوى التسويق حتى يقع الاستثمار خاصة أننا نعاني من حالة عدم استقرار فني ومن غياب المستثمرين في هذا القطاع وفي أغلب القطاعات الثقافية.
وبخصوص المداخيل ذهب عبد المنعم MDMC الى أن «بلطي» هو الابرز في ميدان «الراب» لذلك يتوقع انه الأقدر على أن تكون له أكبر نسبة مداخيل من هذا اللون الفني (الراب) الا ان محدثنا شدد على ان مداخيل «بلطي» مقارنة بنجوميته وشهرته تبقى محدودة ويجب ان تكون مداخيل بلطي أكبر بكثير مقارنة بنجوميته.
هكذا تحدّث عبد المنعم عن زميله وعن قطاع فني بأكمله شأنه شأن زملائه لكن يبقى بلطي حالة من الحالات التي برزت لكن بعد جهد كبير على مدى سنوات كما تحدث عنه أغلب زملائه، ويبقى قطاع «الراب» من القطاعات الفنية التي تحتاج الى وقفة تأمل رسمية لتنظيم القطاع على كل المستويات، لأنه من الفنون التي تلقى رواجا كبيرا في تونس وخارجها، والقادرة على التحليق بالوطن والوصول به الى العالمية كما هو حال «الراي» في الجزائر الشقيقة.