هو ممثل «حرباء» يتلون ويبتبدل بتبدل الشخصية التي يتقمصها... تكاد لاتتعرّف عليه في شخصية ماحتى يطالعك بثانية تكون أكثر جدلية وتعقيدا من سابقتها. تركيبته الفنية مزيج من «جنون» الجعايبي ومخلفات «نوبة» الجزيري و«الفوضى الخلاقة» لموسيقى الراب... احترف التمثيل منذ سنوات... وخاض تجارب عديدة جلبت اعجاب النقاد وسياطهم في الآن ذاته... بدأ مشواره «مشخصا » ثم رقص على أنغام «الراب»... وعرض الأزياء... وراوح بين السينما والمسرح والتلفزة... حتى تمكّن من شقّ طريقه بثبات...وسار على خطى نجوم خلدتهم الذاكرة الوطنية... وكرّمتهم المهرجانات الدولية...ولما بلغ سن النضج الفني راودته احلام الصبا... وطفت على سطح مخيلته صورة الأطفال وهم يخربشون بقطعة فحم على جدران الجيران... ويرقصون على ايقاع دلو مقلوب... وينشدون اغنيات شارعية ليس فيها مقص او رقيب... فأبى الا ان ينحني الى بداياته...ويعود الى فنّ الراب: «أنا بصدد التأسيس لمدرسة الراب المسرحي وليسخر الساخرون، ولينقد الناقدون، فالأيام بيننا» هكذا كان رده على كل من شكك في نجاحه..... وتنبأ ب «تعويجة فنية من الطراز الرفيع!! «الراب المسرحي» هل هو سنّ النضج الفني وبداية البحث عن مغامرة تختزن مسيرة فنية متنوعة أم هو اليأس الفني والسقوط في فخ التقليد؟؟ انا بصدد إغلاق حلقة مهمة من عمري... وقد راودني الحنين للبدايات...ولثقافة الهيب هوب التي عشتها في اطار الهواية وجرّبت شتى اختصاصاتها (رقص، رسم على الحائط، المجموعات...) الا أنني وجدتني منجذبا للغناء الذي لم أجد الفرصة لأجرّبه ايام الصبا فظل هاجسا يطاردني حيثما حللت ويستفزني للتجرؤ عليه لقد كنت كمن تلقى شتى فنون القتال ولكنه غفل عن تعلّم الكونغ فو... لذلك حرصت على اتمام ماينقصني، واقصد الغناء، ليس للبحث عن البطولات بل لكي أتكلّم وأعبّر عن هواجسي وهواجس مجتمعي ووطني بكل مافيه من محاسن ونقائص. ألم تجد طريقة أخرى للتعبير غير «التعنت» على فنّ له أناسه وأبناؤه الشرعيون؟ مثلما يعلم الجميع أنا ممثل متنوع التجارب... تنقلت بين شعاب المسرح والسينما والتلفزة... وتعاملت مع كبار المخرجين والممثلين... الا أن ذلك لم يشف غليلي... اذ وجدتني رهين قلم السيناريست ورؤية المخرج... فلكأنني «موظف» أقوم بما يطلب مني أو ما يفترض بي أن اقوم به وكفى... لذلك أصابني الضجر وقررت ان أقوم بما اشتهيه انا لا مايشتهيه غيري... وأن أقول ما أكتبه أنا حتى وان كان ذلك بالاشتراك مع غيري... لأن الإحساس والاقتناع هما جوهر الابداع... وهما الريشة التي تحرّك الطاقة الكامنة في جسدي. وفي هذا السياق أود أن أشير الى أن دخولي عالم الراب زعزع وحيّر وأقلق عديد الناس فاقتحموا ميدان الراب أو عادوا اليه بعد اقتناع... ألست بذلك ألعب دور المنشط الثقافي ألا يعني ذلك أن ما تسميه أنت تعنتا ومغامرة محمودة العواقب. كأنك تريد أن تشعرنا بأن عودتك للراب سوف تكون بمثابة «ثورة« ستغير وجه الفن في بلادنا؟؟؟ (باندفاع شديد..) ثورة لم لا... وما المانع في حدوث ذلك... فمحمد علي بن جمعة يملك كل المؤهلات الفنية التي تتيح له تغيير ابجديات الراب!! تخيل أن تمزج احدى حفلات هذا الفن الشارعي بين الغناء والرقص والتصوير على الحائط والتمثيل والموسيقى بشتى انواعها والفعل المسرحي الخ... تخيل لو أن كل هذه المؤهلات والمواهب تجتمع في مشهدية واحدة... ألن يتحقق الابداع برأيك... ألن تكون هنالك ثورة فعلية؟؟ نفهم من كلامك أنك حامل لمشروع فني وليس مجرد مراهقة فنية يحركها الاضطراب والبحث عن الذات «أنا نعمل في الراب ومانيش نعمل في (فازا) لشد الانتباه... ثم انني بصدد التأسيس لمدرسة فنية جديدة هي الهيب هوب المسرحي التي تقوم أساسا على الفرجة وتمازج الفنون وأنا أسعى أساسا لوضع كل خبرتي والنزول بكل ثقلي بهدف محاولة «انتاج» شباب قادر على حمل المشعل وتطوير هذا النمط من الفنون... ولكي لايقال عني بأنني مغرور وغالط في روحي فها أني أعلنها صراحة بأنني لست الا مجرد «مرحلة من مراحل تشكل الراب في بلادنا وعلى من سيأتي بعدي اكمال المهمة» رافقت دخولك لميدان الراب موجة من النقد والتشكيك حتى ان بعض الرابورات تساءلوا عن الجدوى من تحول ممثل الى رابور! ماهو تعليقك؟ أنا أحاول توظيف كل طاقتي لانتاج فعل ابداعي... ويكفيني شرف المحاولة لأنني أرفض الجمود والخضوع لمشيئة المحافظين الجدد الذين اصبحوا يضعون اياديهم على كل اياديهم ما من شأنه ان يقود الى التغيير وبالتالي الابداع، (يصمت قليلا ثم يواصل) لقد قال عني عبد الحليم المسعودي ذات يوم بأنني «ساموراي» مندفع للقتال ومتسلح بكل الآليات والأسلحة التي يملكها. من جانبي، انا أؤمن بأن الفنان الحقيقي يجب أن يجمع في شخصيته بين شتى انواع الفنون. وقدوتي في ذلك الهادي السملالي الذي لحسن حظه، كان قد خلق في عصر كان يشهد انفتاحا كبيرا على عكس أيامنا هذه التي اصبح فيها قطاعنا يعاني تطرفا فنيا رهيبا. ولقد اخترت عن طواعية ان اقتحم عالم الراب بمفردي وأن أغني بمفردي لكي لايقال بأنني ركبت على شهرة فلان او فلتان لكي أجد لي موطئ قدم في الدومان. صحيح أنك عولت على نفسك في الاداء ولكنك ركبت على صهوة بعض الأغاني العالمية الناجحة... أفلا يسمى ذلك سطوا على مجهود الغير واعتداء على حقوق التأليف؟ (يقاطعني باستغراب) عن اي سطو تتحدث لقد وظفت بعض مقاطع الأغاني الناجحة التي يعشقها التونسيون وغيرت في بعض كلماتها وهذه سنة من سنن الراب وعملية مألوفة ومتداولة في الميدان... ثم انني التجأت لشعراء (رابورات) على غرار مهدي R2M ومحمد النحالي وبلاك آي، لمساعدتي في كتابة الأغاني وسلمتهم مقابلا ماديا ووضعت اسماءهم في الألبومات والكليبات وهذا أحسن دليل على أنني احترم حقوق التأليف والملكية الفكرية. هل تأنس في نفسك الكفاءة لافتكاك جمهور بلطي؟ انا وبلطي لسنا في موضع منافسة أو مزاحمة فكل له توجهه حتى أن بلطي عبر ذات لقاء تلفزي عن اعجابه بتجربتي وقال بأنني سوف أحقق اضافة واشار الى فرضية تنفيذ أغنية مشتركة وهذا يشرّفني. وعموما انا مستمتع بما أقوم به ومستمتع باعجاب البعض ونقد البعض الآخر لي... ولا أسعى لكي أعجب الجميع. كم يبلغ عدد الحفلات والعروض التي جنيتها الى حد الآن وهل هنالك مؤشر قبول لدى الجماهير؟ لدي نحو 10 عروض من أهمها مهرجان قفصة يوم 15 جويلية وأنا سعيد به كثيرا لأنه سيمكنني من مصافحة جمهور الجنوب التونسي المتعطش للابداع. وفي السياق ذاته لدي عروض في صفاقس وبنزرت فضلا عن عروض أخرى سوف نقدمها في أماكن وساحات عمومية دون مقابل يبدو أنك تسعى لتسويق البومك ولو بالمجان؟ ان اصعب شيء على الفنان ان يواجه جمهورا بلاش فلوس... لأنه (أي الجمهور) مثلما وجد الدخول الى فناء العرض سهلا... فإن خروجه كذلك سيكون سهلا وفوريا في حال لم يجد عرضا يستحق الفرجة لأنه في كل الحالات «ماهوش خاسر حتى شيء» مراهنة شركة «خاصة» على ممثل انقلب الى رابور وانتاجه لباكورة اعماله ألا تعتبر مغامرة على المستوى المادي على الأقل؟ كلانا اشتركنا في الانتاج... وكلانا راهنا على النجاح... وامنا بالمغامرة... وسطرنا برنامج عمل سنجني ثماره على المدى المتوسط وليس القريب... بمعنى أننا لانطمح الآن لجني المال بل للتعريف بمنتوجنا الفني وايصاله الى الناس أولا. ألا تخشى أن تفسد نجاح سنوات في التمثيل بألبوم قد لاينال اعجاب الجمهور؟ أنا أرى بأن الممثل سوف يتغذى من الرابور... وسوف تصبح لدي طاقة متفجرة... ونوعية القاء أخرى على الركح... باختصار، تجربة الراب ان لم تنجح فإنها لن تزيد تجربة التمثيل الا ثباتا ونجاحا وهذا في حد ذاته مكسب لي. بمن تأثرت من فناني الراب سواء من تونس وخارجها؟ من تونس استلهم من بلطي ومهدي R2M وبلاك أي ومن الخارج استلهم تجربتي من «بابو» و«أيام» و»ديامز» التي سيجمعني بها ديو في القريب العاجل مع العلم أنها (وهذا سكوب اخصكم به) سوف تعتلي ركح قرطاج بعرض ضخم بعد شهر رمضان مباشرة وسوف تكون لنا فرصة للنقاش حول المشروع الغنائي الذي سيجمعنا. بعيدا عن الراب والهيب هوب ماهي مشاريعك الفنية الجديدة؟ لقد نلت مؤخرا تكريما في مهرجان روتردام ومازلت الى حد الآن اعيش على وقع الحدث من جهة أخرى سوف تكون لي مشاركة مشرفة في المسلسل الحدث نجوم الليل2 اضافة الى دور البطولة في فيلم بعنوان «عام سعيد» للمخرجة خديجة المكشر وحضور شرفي في فيلم «حدث ذات فجر» لمحمد علي النهدي، ومشاركات أخرى في الدراما العربية في سوريا، فضلا عن مشروع لتقديم حصة تلفزية في قناة حنبعل. وأود ان اشير في الختام الى أنه انطلاقا من نوفمبر القادم سوف تعود مسرحية جنون الى قاعات العرض في باريس وسوف يتم تكريمي هناك واجراء حلقة نقاش حول الفيلم ومسيرتي الفنية.