قال طارق بالحاج محمد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تونس إنّ حصاد أداء الطبقة السياسية خلال الأشهر المنقضية لم يرتق الى مستوى العمل السياسي الناضج الأمر الذي كانت له انعكاساته الاجتماعية. وذكر ردّا على سؤالنا حول قراءته السوسيولوجية لحصاد الساسة خلال عام 2012 أن الأداء السياسي لجل الفاعلين لم يرتق إلى مستوى وانتظارات التونسيين بعد الثورة ولا إلى مستوى حجم الوعود والمغالطات التي ترافقت مع الانتخابات ولا إلى مستوى زخم أول ثورة اجتماعية مدنية سلمية في الألفية الثالثة. مشيرا الى أن ذلك يظهر جليا من خلال خطابات وسلوكيات وأداء جميع الأطراف السياسية.
التفرقة
وأوضح أنه بقدر ما كانت الثورة حدثا جامعا لجميع التونسيين باعتبارهم شعبا متجانسا سوسيولوجيا زاد الاستبداد في توحيده، بقدر ما طبع الأداء السياسي طابع الاستقطاب والتفرقة والعداوة نظرا لطغيان الجانب الإيديولوجي والفردي والفئوي في قراءة الأحداث والتعامل مع الوقائع إلى درجة أن جل الفاعلين قد فقدوا صلتهم بالواقع ودخلوا في حالة مرضية من الإنكار للوقائع والتحليل بمنطق المؤامرة و هذا أمر مفهوم لأنهم لم يشاركوا في الثورة بالقدر الكافي ولم يتماهوا مع الحراك الاجتماعي.فمن فشل في الانتخابات تمادى في نفس الأسلوب والتبريرات ومن فشل في إدارة الشأن العام ينكر كل ما ينسب إليه من فشل وبالتالي يصبح الاستقطاب والتفرقة طوق نجاة للجميع.
العنف السياسي
ما شهدته تونس منذ الانتخابات إلى اليوم، بحسب طارق بالحاج، من أحداث عنف ذات خلفية سياسية ربما لم تشهده على مر تاريخها بهذه الكثافة والتواتر. عنف تغديه وتقوده وتؤججه وتصمت عنه الطبقة السياسية ليتوزع بين عنف رسمي تمارسه الدولة على كل من يعارضها في الشارع وفي القطاعات الحيوية في المجتمع وعنف جسدي بين الأطراف السياسية وصل حد القتل واستباحة مقرات السيادة والعمل النقابي والفضاءات الثقافية والدينية يواجهه في المقابل عنف لفظي من المعارضين يرتقى إلى مستوى إعلان الحرب، فكل الحروب أولها كلام.
الحراك الحزبي
بالنسبة لطارق بالحاج كان لامتحان الانتخابات والحكم مرحلة تالية عاشتها أحزاب الحكومة والمعارضة على حد سواء كانت مغمّسة في الانقسامات بالنسبة لبعض الاحزاب ومغمّسة في التحالفات من ذلك ما حدث في حزب المؤتمر والتكتل والجمهوري مع بروز كتل جديدة تشكلت في المجلس التأسيسي ثمّ تتالت الانشقاقات والانسلاخات غير المبدئية... وبالمقابل تشكلت تحالفات ضد منطق الطبيعة والحس السليم لا توحد أطرافها رؤية سياسية مشتركة بقدر ما توحدها الرغبة في إعادة التموقع ومواجهة العدو المشترك إذ نرى يسارا راديكاليا يتحالف مع قوميين هم أنفسهم مشتتون (الجبهة الشعبية) وأطراف يسارية تتحالف مع من كانت تعتبرهم بالأمس أعداء وجوديين (الاشتراكي ونداء تونس نموذجا).
دروس للتذكر وأخرى للنسيان
من أهم الدروس المستخلصة من هذا الحصاد أن الخلل الرئيسي هو في الثقافة السياسية السائدة لدى جل الفاعلين على حد قول طارق بالحاج محمد والتي ترتقي إلى مستوى الإعاقة الهيكلية (ما عدا بعض الاستثناءات) وهذا ما أدى إلى عدم بروز قيادات سياسية مؤثرة وإلى ضعف مناخ الثقة بين السياسيين أنفسهم وبين الطبقة السياسية ومجتمعها من جهة أخرى. فليس بهذه السلوكيات الهاوية وهذه الأيادي المرتعشة يدار الشأن العام والخلافات السياسية وهذه مناسبة لتعيد الطبقة السياسية برمتها (حكومة ومعارضة) حساباتها وأداءها لتكون قادرة حقيقة على تأمين مرحلة الانتقال الديمقراطي.
ولى الزمن الذي تحكم فيه تونس بأغلبية حاكمة وأقلية معارضة وعاجزة، وقد تم استنزاف الرصيد النضالي لبعض الأشخاص والأطراف في وقت قياسي وباتوا عاجزين عن تأمين بقائهم في الحكم، وحتى اللغة الشعبوية ما عادت قادرة على تجميع الناس كما كان من قبل. ويبقى الدرس الأخير هو ما قام به اتحاد الشغل منذ الثورة إلى اليوم وفحواه أنه كلما كنت قريبا من نبض الشارع ومن انتظارات الناس الحقيقية إلا وكنت الرقم الأصعب في المعادلة والأجدر بالثقة والقادر على صنع الفارق والمفاجأة في هذه المعادلات السياسية الهشة وبالتالي مخطئ من يريد اقصاء هذا الطرف من المشهد السياسي التونسي في الحاضر والمستقبل ومخطئ من يتصور أن يدافع عنه الاتحاد دون أن يدافع هو عن نفسه كطرف سياسي.