مرّ بنا عام 2012 سريعا، توالت أيامه ولم تترك في صدورنا غير اللّهاث ولمن شاخوا منّا السعال! وفي تونس كان عام 2012 ثاني أعوام ثورة تونس التي انتصرت في 14 جانفي، ولكنها لم تنبت فجأة بل هناك غرس ممتدّ لها منذ عهد الاستقلال والرئيس بورقيبة والمعارضة الشديدة لحكمه والتي استكملها من أطاح به ففعل ما فعل واتّسع الفعل المعارض وعلا الصوت المعارض.
عام 2012 لم ينجب أعمالا أدبية كبيرة تونسيا وسأظلّ أقولها، وكانت الغلبة للكتابات السياسية التي راجعت السنوات التي سبقت الثورة، وكشفت أسرارا كثيرة رغم أن البعض منها كان متداولا في الهمس، وذهب القراء الى هذه الأعمال لتنتشر بينهم كتابات عن بورقيبة الإنسان وبورقيبة الحاكم وكتابات عن بن علي وزوجته، ورغم أن هذه الموجة قد بدأت تخفّ وصرنا نرى في واجهة المكتبات أعمالا أدبية منها تلك التي حصلت على جوائز محلية مع ملاحظة أن المعنيين لا ثقة لهم بهذه الجوائز بدليل انها لا تؤثر على أرقام المباع من الكتب الفائزة، لا بل ان هذا يمتد حتى الى بعض الجوائز العربية التي يبدو أنها لن تسلم من المقايضات ونخشى هنا على جائزة البوكر للرواية التي ظنّ البعض أنها ستنحاز الى الأعمال الكبيرة، وقد ذكر لي صديق كان قريبا من هذه الجائزة بأن الأعمال المقدمة لها لا تقرأ، وأن هناك اختيارات مقنّنة للأعمال وأسماء أصحابها وبلدانهم ونأمل أن يأتي ما يفنّد هذا لكسب يقين القارئ وإبعاد جائزة الرواية التي صار القراء العرب يؤكدون عليها أي الرواية ويعنون بها عن كل مقايضات مسبقة وعن «الرشاوى» الصغيرة لتكون جائزة للرواية المتميزة حقا أسوة بالفونكور الفرنسية والبوكر البريطانية.
وتونس في عام 2012 كانت حاضرة ثقافيا رغم كل الظروف ورغم أن بعض أهل الثقافة «يتصيدون» بعضهم، وبدلا من كتابة النصوص المتفوقة يجري تضخيم ما هو يومي وعادي ومتوقع جدا في بلد انفتحت كل أبوابه دفعة واحدة، وإذا كانت وزارة الثقافة قد أنجزت الفعاليات المبرمجة لعام 2012 فإنها أيضا ستصدر مجلة مطلوبة هي «فنون» بداية من عام 2013 وهناك نية لإصدار مجلات أخرى مثل مجلة للشعر ولكن في تقديرنا كمتابعين للشأن الثقافي التونسي نرى أن تونس ليست بحاجة الى مجلة للشعر بل مجلة للأدب الشاب شعرا وقصة ونقدا ونصوصا، وكانت في العراق تجربة مهمة في هذا المجال تتمثل بمجلة «الطليعة الأدبية» للأدباء الشباب التي كانت مختبرا للتجارب الحديثة الشابة وهناك عدد كبير من أدباء العراق الحاضرين في المشهد الأدبي اليوم قد مروا بهذه المجلة ومازلنا نقرأ شهاداتهم المتحمسة لها لكونها كانت الحاضنة لتلك التجارب.
نعم تونس بحاجة الى مجلة أكثر سعة من مجلة للشعر في وقت انحسار الشعر الجاد عربيا وليس تونسيا وأنا موقن أن كل مجلة من المجلات العربية تعاني من عدم توفر النصوص الشعرية التي تضيف فتلجأ الى المكرور والمعتاد لملء صفحاتها ولعل ملاحظتي هذه يؤخذ بها.
في عام 2012 عدت من الخرطوم بعدد من الأعمال المتوجة بجائزة الطيب صالح في القصة القصيرة والرواية وجلها لأسماء جديدة عدا الروائي المصري سعد القرش وقد تعاملت لجان التحكيم بجدية في اختيار هذه الأعمال لكتاب من السودان ومصر واليمن والجزائر والمغرب وربما ستتسع قائمة البلدان التي ستتوج أعمال كتابها. وفي عام 2012 انضافت الى مجلات الثقافية العربية مجلة اماراتية جديدة هي «الامارات الثقافية» وهي مجلة شهرية مميزة في الاخراج والابداع، كما عادت الى الصدور مجلة «الدوحة» الشهرية التي رأس تحريرها عند صدورها الروائي الطيب صالح !
وفي الموصل الحدباء العراقية تنادى عدد من الجامعيين وأهل الثقافة بحماس صديقنا الناقد د. محمد صابر عبيد لإصدار مجلة أدبية هي «شرفات» التي وصلنا عددها الثاني وهو يحمل حيوية الابداع الوطني العراقي الذي يبقى الرهان عليه قويا نكاية بكل المحاصصات السياسية التي لم يرتض بها المبدعون، وقد حملت هذه المجلة في عدديها الأولين البرهان على هذا التوجّه فنشرت نصوصا لأدباء من محافظات الجنوب والوسط والشمال ونصوصا عربية، كما أن هذه المجلة قد مضت أبعد بإصدار كتابها الأول الذي يحمل اسم «كتاب شرفات».
ومجلة «الأقلام» العريقة واصلت صدورها ولكن كل شهرين مرة وبدأت تصدر مع كل عدد كتابا هدية أسوة بما تفعله مجلات عربية أخرى مثل «دبي الثقافية» و«الدوحة» و«الرافد» و«إبداع».
إن الكاتب العربي في بلدان الربيع العربي لم يعد خائفا من أي رقيب، وهو الآن أمام حريته الابداعية الكاملة ولكنه أيضا أمام مسؤوليته التاريخية الكاملة حتى لا يصبح دون أن يدري جزءا من الثورة المضادة التي تريد تقويض الديمقراطيات الجديدة بتصيّد أخطاء لا بدّ أن تحصل في بداية المشوار. سأقول ختاما: إنني متفائل بالآتي رغم كل هذا الهياج العربي الذي تحول الى «رياضة شعبية».