عاشت مدينة المنستير يومي الجمعة والسبت الماضيين على وقع فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية الذي شاركت فيه إلى جانب فرقة الشباب للموسيقى العربية بالمنستير كل من جمعية هواة الموسيقى الأندلسية من المغرب وجمعية دار الغرناطية من الجزائر وجمعية الفردوس من اسبانيا. المهرجان ولد كبيرا ولا نبالغ إن قلنا إنه نجح نجاحا باهرا باعتبار التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظي بها وكذلك الأجواء المميزة التي طبعت كل مراحله بدءا بالافتتاح وصولا إلى الاختتام.
ولئن اختلفت اللهجات والمدارس خلال العروض الموسيقية التي تمت برمجتها على امتداد يومين فان العزف كان واحدا وممتعا وعاد بالحاضرين إلى حقبات تاريخية بعيدة اختزلتها الذاكرة في المخطوطات وأحيتها الوصلات الموسيقية التي روت لوحدها قصة حضارات عربية وغربية تلاقحت فبدت قريبة من بعضها وتجسمت في الأداء الرائع لأعضاء الفرقة الاسبانية الذين أتقنوا التخاطب باللغة العربية تماما كإتقانهم العزف على الآلات الموسيقية.
وكان الدكتور مهدي المبروك وزير الثقافة دشن في يوم الافتتاح معرضا وثائقيا يؤرخ لمسيرة الفرقة طوال 42 سنة ولمؤسسها الأستاذ البشير حرز الله وحضر بعدها عرضا موسيقيا مشتركا أثثته فرقة الشباب من تونس وفرقة دار الغرناطية من الجزائر وفرقة جمعية الهواة من المغرب وكان العرض بمثابة الفسيفساء التي أكدت تلاقي حضارات المغرب العربي واشتغال فنانيها على الموروث الثقافي الغزير.
وفي اليوم الثاني انتظمت ندوة فكرية قدم خلالها الدكتور محمود قطاط لمحة عن تاريخ الموسيقى الأندلسية وكيفية المحافظة عليها والدور الريادي الذي لعبه العرب في إرساء قواعد وأسس هذا النوع من الموسيقى وتطرق خلالها أيضا إلى غزارة الموروث الثقافي بالبلدان العربية الذي بلغ في الجملة ما يفوق 3000 مقطوعة.
وفي المساء كان الموعد مع عرضين الأول قدمته الفرقة الاسبانية والثاني قدمته الفرقة الجزائرية وكان الاختتام بإشراف الحبيب ستهم والي المنستير بحضور سمير الزقية المندوب الجهوي للثقافة وعلي المزالي رئيس البلدية وتم خلاله تكريم الضيوف الذين أعربوا عن سعادتهم بتواجدهم في تونس.
قصة ميلاد المهرجان
وفي حديث ل «الشروق» قال الفنان محمود فريح مدير فرقة الشباب للموسيقى العربية ومدير المهرجان في دورته الأولى إن قرار تأسيس هذا المهرجان كان تتويجا لفكرة اقترحها في حياته الفنان القدير ومؤسس فرقة الشباب المرحوم البشير حرز الله وحرص أعضاء الفرقة على تنفيذها بعد وفاته.
وقد ساعدهم في ذلك حسن علاقاتهم مع مختلف الفرق الأجنبية التي زاروها وشاركوا في مهرجاناتها وفي هذا الخصوص أضاف محدثنا « لطالما تحولنا إلى البلدان الصديقة والشقيقة للمشاركة في مهرجاناتها ولم نضع يوما في اعتباراتنا المقابل المادي بل بالعكس كان تركيزنا دائما على حسن تمثيل بلادنا في هذه المحافل الدولية باعتبار أن السمعة أبقى وأفضل من المادة وقد ساعدنا هذا على كسب صداقات سهلت اتصالاتنا بمختلف الأطراف التي رحبت بالفكرة ليكون تأسيس المهرجان الأول من نوعه في تونس و الذي سنعمل بإذن الله وبعد التشجيعات التي وجدناها من قبل وزارة الثقافة ممثلة في وزيرها الدكتور مهدي المبروك على تطويره في الدورة المقبلة من خلال تشريك دولتي البرتغال وليبيا ودول أخرى.»
وعن تمويلات المهرجان قال محدثنا إنها متأتية من الفرقة ومن بلدية المنستير ومندوبية الثقافة بالإضافة إلى منحة الوزارة وهي تمويلات لا تكفي لتغطية جملة المصاريف ولكنها تبقى ذات أهمية وفي حاجة إلى مزيد من الدعم لا أكثر.