من الواجب في البداية تهنئة دولة الكويت الشقيقة بفوز مرشحها عبد الله حمد المحارب بمنصب مدير عام الالكسو، بعد حملة ناجحة جداً ومساندة قوية من دول مجلس التعاون الخليجي. المحارب لن يجد اي صعوبة في مواصلة تطوير عمل المنظمة، وإقامته بين أشقائه في تونس، لن تتأثر بأي وجه من الوجوه بخسارة المرشح التونسي ووزير التربية عبد اللطيف بن عبيد، الذي قاده التعنت وتغليب المصلحة الشخصية الى حرمان تونس باعتبارها دولة المقر من المنصب الذي احتفظت به لمدة 12 سنة. لماذا خسرت تونس هذا المنصب؟ ولماذا أصر عبد اللطيف بن عبيد على الذهاب لانتخابات غير محسوبة رغم انه كان بالإمكان طلب التمديد للمدير العام الحالي محمد العزيز ابن عاشور، كما فعلت حكومة الباجي قايد السبسي، مع صلاح الدين معاوية للاحتفاظ برئاسة اتحاد الإذاعات للدول العربية؟ ولماذا تم تغيير رئيس الوفد التونسي للمؤتمر في آخر لحظة؟ وهل تؤشر معركة الالكسو على وجود رغبة من التكتل والمؤتمر في التفرد بالملف الدبلوماسي ولو على حساب مصالح تونس ؟ وما هو مستقبل بن عبيد الذي فشل بالإجماع في وزارة التربية، وفي الفوز بمنصب المدير العام للمنظمة ؟ هناك من سيبحث عن ذرائع واهية، لتغطية هذا الفشل الذريع، بل إنّ أروقة المؤتمر وجلساته الرسمية، سجلت مشاهد كاريكاتورية، لمسؤولين يحاولون البحث عن كبش فداء لتحميله مسؤولية ما يمكن اعتباره تبديدا متعمدا لحظوظ تونس في الاحتفاظ بهذا المنصب المرموق، يتحمل مسؤوليته المباشرة عبد اللطيف بن عبيد بصفته وزيرا للتربية المشرفة على ملف الالكسو، وبصفته مرشحا استغرب الجميع ان يبادر الى تقديم ملف ترشحه للمنظمة 4 أشهر فقط بعد تقلده منصب الوزارة. بن عبيد الذي تعاون كخبير مدة عقود مع «الالكسو»، فعل المستحيل ليفرض ترشحه، بما في ذلك خرق العرف البروتوكولي والتنقل الى المطار لاستقبال رئيس المجلس التنفيذي ورتبته وكيل وزارة. الواضح ان الشكوك حول هذه في النجاح أخرت الإعلان الرسمي عن ترشحه الذي لم يعلن عنه بصورة رسمية وفي بلاغ صادر عن وزارة التربية يسرد ويعدد ميزات الوزير / المرشح إلا عشية المؤتمر.
وعبد اللطيف بن عبيد استفاد حسب عديد الملاحظين من :
1 انشغال وزير الخارجية رفيق عبد السلام بالجدل الذي أثارته التسريبات حول إقامته في نزل الشيراتون، ومن الضغط الذي سلطه حزب التكتل، لإحباط اي مسعى للتمديد لمحمد العزيز ابن عاشور، والذي كان خيارا مطروحا بقوة وبصورة شبه رسمية الى آخر لحظة. 2 الضغط الذي قام به حزب التكتل دفاعا عن مرشحه وقد يكون دفع وزارة الخارجية إلى تغيير رئاسة الوفد التونسي للمؤتمر وتعويض كاتب الدولة المكلف بالشؤون العربية والإفريقية عبد الله التريكي، بكاتب الدولة من حزب التكتل التهامي العبدولي، المشرف على الملفات الأوروبية، والذي برز في الأسابيع الأخيرة بتصريحاته الحادة تجاه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. 3 رجوح كفة حليفي النهضة في التعيينات الديبلوماسية وهو ما ظهر جليا في رفض ترشيح رضوان المصمودي المحسوب على النهضة .لسفارة تونس في واشنطن الشاغرة منذ 8 اشهر في سابقة ديبلوماسية خطيرة .
الجميع كان يعلم ان حظوظ الوزير التونسي ضعيفة جداً مع مرشحين من العيار الثقيل، ومع ذلك تم فرض الامر الواقع، وإحباط مسعى التمديد للمدير العام الحالي الذي كان مطروحا بقوة . بقاء محمد العزيز ابن عاشور على رأس المنظمة قد يكون فيه نوع من الحرج، باعتبار الوظائف السامية التي تقلدها قبل الثورة، ولكن سيرة الرجل العلمية والمهنية، وإجماع العرب على إدارته الناجحة للمنظمة، معطيات كان من الضروري أخذها في الاعتبار، خاصة وان الدول العربية سبق لها وان طلبت بكل قوة تغيير مدير عام تونسي سابق. هل أصبحت المصالح الحزبية مقدمة على المصلحة الوطنية ؟ حالة ابن عاشور بالذات تفتح ملف التجاذبات داخل الترويكا حول عديد المواضيع ومنها تسييس الوظائف، والاختيار بين الكفاءة والانتماء.
حركة النهضة الطرف الأقوى في الحكومة ورغم الانتقادات الحادة والاتهامات بأنها « تريد خيانة الثورة» بالانفتاح على الكفاءات، تعاملت مع الموضوع بعقلانية كبيرة، وحرص على تجنب إفراغ الإدارة والبلاد من الخبرات بدعوى أنها تعاملت مع النظام السابق. ولكنها اضطرت احيانا للرضوخ لبعض الشروط التي فرضها حليفاها في هذا المجال. وهو ما اضعف الأداء الحكومي كثيرا، والغريب ان من كان وراء إقصاء الكفاءات من الحكومة هو من يريد إحراج النهضة اليوم بالدعوة لحكومة تكنوقراط. والمشكلة ان خسارة منصب المدير العام للالكسو لا تسبب فقط حرجا للحكومة ولكن لتونس التي تدفع اليوم فاتورة مغامرة ديبلوماسية خلفيتها الاكيدة تجاذبات سياسية وطموح شخصي مبالغ فيه.، ما حدث في «الالكسو» مؤشر على خطورة التجاذبات السياسية ومنطق المحاصصة الحزبية خاصة وان البعض يفسر وجود التهامي العبدولي التكتلي في رئاسة الوفد التونسي بأنه قد يكون المرشح القادم لخلافة بن عبيد في وزارة التربية، والواضح انه أصبح شريكه في الفشل الذي لا نتمناه له سواء بقي في هضبة الهيلتون ام رحل الى باب بنات، التي سيكون بقاء عبد اللطيف بن عبيد فيها بعد ترشحه الفاشل لإدارة «الالكسو» أمرا غير متوقع بكل تأكيد، إلا إذا غلبت المحاصصة بمنطقها الذي لا يحتكم لأي منطق.