رئيسة الحكومة تؤكد خلال لقائها بعدد من أفراد الجالية في مصر أهمية دورهم في معاضدة المجهود التنموي في تونس    مكاتب مستقلة للخدمات الإدارية    توسعة وحدة انتاجية    السبيخة: نزول كميات من الأمطار مرفوقة بحجر البرد بأحجام متفاوتة    الوضع الاقليمي والتطورات بخصوص القضية الفلسطينية اهم محاور لقاء سعيد بعراقجي    عاجل/ وزارة الداخلية تصدر بيانا رسميا حول الاعتداء الثاني على سفينة أسطول الصمود..وهذا ما كشفته…    وزارة الداخلية.. الاعتداء على سفينة قافلة الصمود كان مدبرا وسنكشف كامل الحقيقة للرأي العام    سيدي بوزيد: تواصل الاعتصام المفتوح لممثلي مختلف الأسلاك التربوية داخل مقر المندوبية الجهوية للتربية    عاجل/ هذا أبرز ما جاء في لقاء وزير الخارجية بنظيره الإيراني    الصيانة، الأمن وجودة الخدمات... محور زيارة وزير النقل لمحطات ومرافق شركة نقل تونس    بنزرت: حجز كميات هامة من المواد الغذائية المدعمة وتحرير محاضر اقتصادية    طقس الليلة: سحب رعدية وأمطار بالشمال والوسط ورياح قوية بالسواحل    عاجل/ موكب زفاف ينقلب الى مأتم إثر حادث مرور بهذه الطريق الوطنية    سيدي بوزيد: تقديم ورشات تكوينية في الاسعافات الأولية لفائدة الفرق الصحية المدرسية    عاجل: 72 تونسيًا يشاركون في أسطول الصمود    فرنسا: اعتقال رجل طعن معلماً وتلميذاً في مدرسة أنتيب...علاش؟    عاجل: الترجي الرياضي يعلن انطلاق تسجيل الأطفال في فرع السباحة للموسم 2025-2026...كيفاش تسجل وشنيا الأوراق اللاّزمة؟    توخّر في فطور الصباح؟ دراسة جديدة تحذّر كبار السن من العواقب الصحية    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على هذه العاصمة العربية    الشبيبة القيروانية: اتفاق مبدئي مع ريان الحمروني لتعزيز صفوف الفريق في شكل اعارة    جلسة عمل في وزارة الصحة حول المخبر الوطني للجينوم البشري    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي في التصنيف العالمي الجديد    صفاقس: إمكانية حصول إضطراب على مواعيد سفرات اللود بين صفاقس وقرقنة    كأس الكاف: تعيينات مواجهتي النجم الساحلي والملعب التونسي في ذهاب الدور التمهيدي الأول    مدينة دوز تحتضن الدورة ال57 للمهرجان الدولي للصحراء من 25 الى 28 ديسمبر المقبل    بورصة تونس تتوج بجائزة افضل بورصة افريقية في نشر الثقافة المالية    بعد الظهر اليوم: أمطار غزيرة قي المناطق هذه ورياح شديدة تتجاوز 80 كلم/س    أزمة بيئية خطيرة: ماذا يحدث في المنطقة الصناعية بغنّوش؟    مبابي يتألق في انتصار فرنسا على أيسلندا بتصفيات كأس العالم    عاجل/ خبير أمني يفجرها ويكشف طريقة استهداف سفينتي أسطول الصمود..    إصدار قرار بالرائد الرسمي يمنع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر المحتوية على حامض الج&65276;يوكسيليك    الديوان التونسي للتجارة يُوفّر كميّات من مادة القهوة الخضراء    الزهروني : محاصرة مجرم خطير محل 33 منشور تفتيش ومحكوم ب60 سنة سجنا    قرار وزاري: منع صنع أو توريد أو خزن أو ترويج منتجات فرد الشعر تحتوي على هذه المادة    "لنغلق كل شيء".. ايقافات واستنفار أمني في فرنسا    هدفنا العودة الى مصاف النخبة رغم قلة التحضيرات ونقص الموارد المالية (الناطق الرسمي لاتحاد تطاوين)    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    إنتقالات: النجم الساحلي يتعاقد مع مدافع دولي كيني    الزهروني: شاب يفقد عينه في معركة بين مجموعة شبان    بداية من اليوم: إعادة استغلال خط المترو رقم 3    عاجل: اليقظة الصفراء في كل الولايات باستثناء ولاية القصرين    مسرحية «رجوم» صيحة فزع طفولية لإنقاذ البيئة    أولا وأخيرا...برك الجمل بما حمل    نحو سيادة صحية رقمية: مشروع المخبر الوطني للجينوم البشري في تونس يدخل حيّز المتابعة    المسرحي التونسي معز العاشوري يتحصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    طقس الليلة: سحب رعدية مع أمطار أحيانا غزيرة بالشمال    رعاة سمّامة في مسرح الحمراء    بداية من الغد: عودة جولان خط المترو رقم 3    تونس في الواجهة: محمود عباس يكرّم كوثر بن هنية عن فيلم "صوت هند رجب"    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    عاجل/ متابعة للوضع الجوي خلال الساعات القادمة..    ال '' Climatiseur'' تحت الاختبار! نصائح لضبطه مع سخانة ورطوبة طقس تونس اليوم    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    خسوف كلي للقمر في معظم الدول العربية بداية من ليلة الأحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخي والديني في ظاهرة السلفية 2-2
نشر في الشروق يوم 06 - 01 - 2013

في ثنايا السلفية التونسية

وإذا اعتبر البعض أن السلفية الراهنة أنواع, فإن ما يجمع بين أطيافها المختلفة إنما هو سعيها الى تغيير المجتمع القائم بالقوة أو باللين, ونزوعها إلى العودة به نحو الماضي بإحياء القيم الأخلاقية والسلوكية الاسلامية, وفي تبني طرق المأكل والملبس وأساليب مخصوصة في الكلام والعيش... إنها تستعيد الأمجاد السابقة في انبهار مطلق بالماضي حيث يتجلى الوحي في المدينة الاسلامية السعيدة التي يتحقق فيها العدل. وقد لا نعدم القول أن التيار السلفي في تونس يمتح بعض أدبياته من موروث الوهابية الذي يراه البعض تصورا رجعيا للإسلام في حين أن السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا الفكر الوهابي في أرض نجد كان سياقا متطورا في زمانه, بيد أنه صار مفارقا للحداثة التي يعيشها المسلمون الان. لقد كان اجتهادا في الاسلام يعارض أشكال الوساطة بين الله وبين عباده تلك الوساطة التي نشأت في مقامات الاولياء الصالحين وسعى الى معاودة الاسلام في روحانيته وصلابته.

والسلفية الجهادية في تونس التي يتزعمها الشيخ «أبو عياض» وزمرة من أصحابه مثلا تعتقد بضرورة تغيير نمط المدينة الحديثة بواسطة العنف المسلح وهي بصدد مجاهدة حكام مسلمين مرتدين وخارجين عن الملة, حكام يتعاونون مع البلدان الكافرة المعادية للإسلام ولشرع الله حسب رؤيتهم. وهم يقسمون العالم إلى دار إسلام ودار كفر, وتجزأ الأرض عندهم إلى جزأين : أرض دعوة وأرض جهاد ... وهذه الطائفة يحمل بعضها تجربة جهادية مع تنظيم القاعدة في مواجهة القوات الامريكية في جبال افغانستان, وقد مر بعضهم بمحنة سجون غوانتنامو المرعبة, وهم إنما يمهلون الوقت لبناء تنظيم سياسي وديني يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا في الداخل التونسي ولهم أشباه كثر في البلدان العربية والاسلامية. ولعلنا نرى أن الصدامات المسلحة مع هذه الجماعات ستتكرر في قادم الايام بين جهاز الدولة في قوته العسكرية والامنية وبين أفراد كفروا بالحداثة وأزمعوا أمرهم على الجهاد ضد الطغيان وفي سبيل تطبيق شريعة الله في الارض. وهم يرومون العودة الى الله تحت عنوان الشهادة. فتضحي فكرة الخلاص والنجاة من فساد العالم الانساني مرتبطة بالتضحية بالنفس من أجل تلك الحقيقة الماثلة في الجنة. وهم إلى ذلك يعتقدون أن استعادة الاسلام الاول الطاهر والمقدس لا تتحقق إلا بخطاب القوة والسيف أو البندقية....

أما السلفية التي تتسمى بالعلمية فيمثلها بعض المشائخ الجدد من أمثال الشيخ « البشير بن حسن» مثلا, وهي تتبنى فكرة الجهاد بالكلمة والوعظ وتؤجل المجاهدة بالسيف, هي دعوة إلى الله في المساجد وإحياء لسلوك أخلاقي فردي قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وسعي لنشر الأخلاق الاسلامية من أجل تغيير المجتمع تدريجيا والعودة به إلى الايمان الحقيقي, ذاك الذي يفتح طريق المؤمنين إلى جنة الخلد وملك لا يبلى وينجيهم من عذاب جهنم ومن العقاب في الآخرة.

بيد أن هذا الرؤية في أسلمة المجتمع وفق المنهاج السلفي المسالم لا تختلف عن ذلك التصور الاسلامي القائم في بلدان مثل السعودية أو إمارات الخليج, هو إسلام يهادن السلطان ولا يشتغل بالسياسة, بل يتحول أحيانا إلى مناصر وخير معين لولي الامر, خاصة في استنباطه للفتاوى السلطانية. إنه جاهز كي يتحول إلى إسلام رسمي للدولة ذات المرجعية الاسلامية الاخوانية. ويبحث عن موقع كي يكون سلطة فقهية ودينية في المجتمع. غير أن ما يعاب على هذا التيار السلفي أنه يتمسك بظاهر النص القرآني ويلغي دور العقل في التأويل ويقعد عن البحث في كليات الشريعة ومقاصد الاحكام, ولا يعتد بموروث أصولي ضخم كأعمال «نجم الدين الطوفي والزمخشري وابن حزم وابن رشد والشاطبي»... إنها توصد نهائيا تطوير الاجتهاد الديني وتظل حبيسة اجتهادات بعض الاقدمين من السلف الصالح دون أن تدرك أنني أنا الانسان المسلم المعاصر أرى ما لا يراه السلف وأن قياس الماضي على الحاضر لا يراعي التحولات الحضارية والتاريخية للإنسان المسلم.

قد ننتهي إلى أن الظاهرة السلفية في شقيها المسالم والمتشدد, حرية بان تعترف بها الطبقة السياسة لانها سليلة التاريخ العربي الاسلامي الممتد منذ لحظة الوحي وتشكل النص المقدس, وتحوله من وضعية الخطاب الالهي الشفوي الى وضعية الخطاب الالهي المكتوب, هي فرقة اسلامية تقرأ المصحف وتتأوله من زاوية نظرها رغم أن القرآن ليس حبيس تفسير وحيد, إنه نص جامع وثري وغامض أحيانا وممتلئ بالدلالات والمعاني بدليل تعدد التفاسير واختلافها.

السلفية والحراك السياسي
التونسي

والسلفية في المجتمع التونسي ظاهرة طفولية النشأة, لم يكتمل بناؤها التنظيمي بعد لأن ذلك يحتاج إلى سنوات عدة كي تخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والإدراك. على خلاف السلفية المصرية التي بدأت متشددة فأنتجت تنظيم «الجهاد الاسلامي» ثم تنظيم «جماعة التكفير والهجرة» وانتهى بهم الامر إلى القبول بفكرة الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر. لذلك نرى صعوبة في فهم البنية الداخلية للظاهرة في تونس ومن يتزعمها؟ وما هي مرجعياتها الفكرية والدينية؟ إنه غموض يفسر حالة الفزع والرهاب الاجتماعي والسياسي تجاه هذه الظاهرة, إنها تتوجه إلى عوام الناس وهي قريبة منهم. وقد نرى أن السلفية سوف تكتسح المجالات الدينية في المساجد بنجاح في ظل فراغ روحي وعطش إيماني خلفته سنوات الجمر والقهر الديني في تونس.

ثم إن الاسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة أو حزب التحرير باعتبارهما أحزابا اسلامية بدأ يتراجع تأثيرها في المساجد في مقابل امتداد التيار السلفي. لأنها أحزاب قد انغمست في ممارسة السياسة حتى النخاع وأهملت العمل الدعوي.

والنهضة مثلا معنية من ناحية البراغماتية السياسية بإيجاد أرضية تفاهم حقيقية مع التيار السلفي وأن تروضه وتتخذ منه قاعدتها الشعبية الصلبة باعتبار أنها الاقرب إليه ايديولوجيا... أما الطبقة السياسية المفارقة أيا كانت ايديولوجيتها يسارية أو ليبرالية أو قومية فإنها مدعوة كذلك إلى أن تتخلى عن فكرة الاجتثاث والاقصاء والتحقير.

وأن تتعاطى مع هؤلاء المؤمنين السلفيين انطلاقا من قاعدة المساواة بين المواطنين فهم أبناء هذا الوطن, وأنه من الضروري دفعهم إلى حوار ديني وثقافي وسياسي من أجل إقناعهم بمبدإ التعدد في الاسلام, وحق الاختلاف في الرأي, والقبول بالديمقراطية وفكرة الانتخابات, والتداول السلمي على السلطة, وأن الحقيقة الإلهية عصية عن الإدراك وأن ندفعهم إلى التعمق في تأويل فكرة الجهاد وضوابطه الدينية والأخلاقية حتى نبني وطنا للجميع. إنه المجتمع يعتصر نفسه ويعيد تشكيلها في بنيته العميقة وفق توازنات الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.