تغيير جذري: الاتحاد الأوروبي يعتزم ربط مساعداته للدول الإفريقية بجهود الحد من الهجرة    قضيّة مكتب الضبط: التعقيب ترفض طعن عبير موسي .. و تقرّر الإحالة على الدائرة الجنائية    كأس العالم للاندية.. باري سان جرمان ينتصر على الريال برباعية ويمر الى النهائي    أخبار النادي الصفاقسي: غضب ومخاوف بسبب الانتدابات    هام/ هكذا ستكون درجات الحرارة خلال الأيام القادمة..    بعد وفاة شخصين أثناء البحث عن الآثار: ملفّ التنقيب عن الكنوز يعود... وإيقافات بالجملة    نور قمر تعلن انسحابها من حفل افتتاح مهرجان قرطاج    تاريخ الخيانات السياسية .. دسائس في القصر الأموي (2)    المنستير: شركة النقل بالساحل تبرمج خطوطا شاطئية صيفية تربط قصر هلال والمكنين بشواطئ الشرف وتابسوس بالبقالطة    رئيسة الحكومة تُشرف على مجلس وزاري حول مخطط التنمية 2026–2030 وتؤكد أهمية المنهج التصاعدي    ترامب: فرصة كبيرة لوقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل    سليانة.. الاحتفاظ بشخص حاول فَقْءَ عين زوجته    تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين تعلن عن المشاركة في التحضير ل"أسطول الصمودِ المغاربيِّ لكسرِ الحصارِ عن غزَّة"    بنزرت: حجز 8.8 أطنان من البطاطا وضخها في المسالك القانونية    الكاتبة العامة لهيئة الصيادلة: استراتيجية الدولة تجعل سوق الأدوية مراقبة ومسالك توزيعها مغلقة وآمنة    طقس الليلة.. سحب رعدية مع امطار بهذه المناطق    تسجيلات مسربة: ترامب هدد بوتين وتشي بقصف موسكو وبكين    عاجل/ الإعلان عن موعد تنظيم الدورة الاولى من المهرجان الدولي لموسيقى ال"راب"    اختتام السنة الدراسية 2024 -2025 بمدرسة الصحّة العسكرية    طريقة انتقام طريفة: رفضت الزواج به فأطلق النحل على المدعوين يوم زفافها    عاجل/ من بينها ليبيا والجزائر: ترامب يفرض رسوما على هذه الدول ويوجّه لها هذه الرسائل    الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يلغي قرار هبوط نادي أولمبيك ليون إلى بطولة الدرجة الثانية    حكم بحبس أنشيلوتي لمدة عام    وزارة السياحة تمنع مسؤولي النزل ووكالات الأسفار من التدخل في لباس المصطافين    قانون جديد بش ينظم البيع على الإنترنت... وآلاف التوانسة معنيين!    إدارة مهرجان قرطاج الدولي تُلغي عرض الفنانة الفرنسية "هيلين سيغارا"    المظلّة القابسية: أسعارها وأنواعها...تفاصيل تهمّك في هذا الحرّ    ''فاكهة التنين'' تغزو تونس: مشروع ضخم ب30 ألف شجرة في المنستير!    وضعية Fan في المكيّف: هل فعلاً تساهم في تقليل استهلاك الكهرباء؟    مخاطر تجاهل نظافة ''البيسين'': صحتك وصحة عائلتك في خطر    نادي فيتا كلوب الكونغولي يتعاقد مع المدرب التونسي صابر بن جبرية    قيمة صادرات النسيج والملابس تزيد بنسبة 2،61 بالمائة إلى موفى ماي 2025    الحماية المدنية تحذر من السباحة اليوم بسبب هبوب رياح قوية    منوبة: اتخاذ قرارات رادعة لمنع الضجيج والانتصاب الفوضوي وإشغال الطريق العام    دورة الصداقة الافريقية لكرة الطائرة تحت 19 عاما: نتائج مباريات المنتخب التونسي    هام/ يتضمن خطايا مالية تصل إلى 10 آلاف دينار: تفاصيل مقترح قانون حماية المصطافين..    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي يوم غد بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الحماية المدنية : 576 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    جندوبة: رحلة سياحية رابعة تحط بمطار طبرقة عين دراهم الدولي    بعد حذف معلّقة "سان ليفان" من برمجته: مهرجان قرطاج الدولي يكشف ويُوضّح..    مهرجان تستور الدولي... كان صرحا فهوى!    وزارة السياحة تمنع التدخل في لباس المصطافين وتمنع البيع المشروط    لأوّل مرّة: حيوان بحري نادر يظهر بشاطئ سيدي علي المكي.. #خبر_عاجل    ألكاراز يتغلب على نوري ويتأهل لقبل نهائي ويمبلدون    بداية من منتصف النهار: إعلان نتائج هذه المناظرات الوطنية..#خبر_عاجل    بعد اتهامها بعدم سداد 50 ألف يورو.. غادة عبد الرازق تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة ما حدث في باريس!    عاجل/ من بينهم أطفال: استشهاد 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على خان يونس..    اليوم كلاسيكو نار في نصف نهائي مونديال الأندية: التوقيت والقنوات الناقلة    عمي رضوان: ''الكره المجاني والسبّ على الفيسبوك يؤلمني''    اختتام الدورة 49 لمهرجان دقة الدولي بعرض "رقوج – العرض": لوحة فنية متكاملة من الدراما التلفزية إلى الدراما المسرحية    جزيئات بلاستيكية وراء آلاف الوفيات بأمراض القلب في العالم    دواء موجود قدامنا وما كناش نعرفو؟ السر في حليب الجمل    رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية: مصير المتبقي من اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب لا يزال غامضا    العراق.. اشتباكات مسلحة عنيفة بين عشيرة كردية والبيشمركة في أربيل    عادات وتقاليد..عاشوراء في سدادة بوهلال .. موروث حي تنقله الذاكرة الشعبية    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    









التاريخي والديني في ظاهرة السلفية 2-2
نشر في الشروق يوم 06 - 01 - 2013

في ثنايا السلفية التونسية

وإذا اعتبر البعض أن السلفية الراهنة أنواع, فإن ما يجمع بين أطيافها المختلفة إنما هو سعيها الى تغيير المجتمع القائم بالقوة أو باللين, ونزوعها إلى العودة به نحو الماضي بإحياء القيم الأخلاقية والسلوكية الاسلامية, وفي تبني طرق المأكل والملبس وأساليب مخصوصة في الكلام والعيش... إنها تستعيد الأمجاد السابقة في انبهار مطلق بالماضي حيث يتجلى الوحي في المدينة الاسلامية السعيدة التي يتحقق فيها العدل. وقد لا نعدم القول أن التيار السلفي في تونس يمتح بعض أدبياته من موروث الوهابية الذي يراه البعض تصورا رجعيا للإسلام في حين أن السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا الفكر الوهابي في أرض نجد كان سياقا متطورا في زمانه, بيد أنه صار مفارقا للحداثة التي يعيشها المسلمون الان. لقد كان اجتهادا في الاسلام يعارض أشكال الوساطة بين الله وبين عباده تلك الوساطة التي نشأت في مقامات الاولياء الصالحين وسعى الى معاودة الاسلام في روحانيته وصلابته.

والسلفية الجهادية في تونس التي يتزعمها الشيخ «أبو عياض» وزمرة من أصحابه مثلا تعتقد بضرورة تغيير نمط المدينة الحديثة بواسطة العنف المسلح وهي بصدد مجاهدة حكام مسلمين مرتدين وخارجين عن الملة, حكام يتعاونون مع البلدان الكافرة المعادية للإسلام ولشرع الله حسب رؤيتهم. وهم يقسمون العالم إلى دار إسلام ودار كفر, وتجزأ الأرض عندهم إلى جزأين : أرض دعوة وأرض جهاد ... وهذه الطائفة يحمل بعضها تجربة جهادية مع تنظيم القاعدة في مواجهة القوات الامريكية في جبال افغانستان, وقد مر بعضهم بمحنة سجون غوانتنامو المرعبة, وهم إنما يمهلون الوقت لبناء تنظيم سياسي وديني يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا في الداخل التونسي ولهم أشباه كثر في البلدان العربية والاسلامية. ولعلنا نرى أن الصدامات المسلحة مع هذه الجماعات ستتكرر في قادم الايام بين جهاز الدولة في قوته العسكرية والامنية وبين أفراد كفروا بالحداثة وأزمعوا أمرهم على الجهاد ضد الطغيان وفي سبيل تطبيق شريعة الله في الارض. وهم يرومون العودة الى الله تحت عنوان الشهادة. فتضحي فكرة الخلاص والنجاة من فساد العالم الانساني مرتبطة بالتضحية بالنفس من أجل تلك الحقيقة الماثلة في الجنة. وهم إلى ذلك يعتقدون أن استعادة الاسلام الاول الطاهر والمقدس لا تتحقق إلا بخطاب القوة والسيف أو البندقية....

أما السلفية التي تتسمى بالعلمية فيمثلها بعض المشائخ الجدد من أمثال الشيخ « البشير بن حسن» مثلا, وهي تتبنى فكرة الجهاد بالكلمة والوعظ وتؤجل المجاهدة بالسيف, هي دعوة إلى الله في المساجد وإحياء لسلوك أخلاقي فردي قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وسعي لنشر الأخلاق الاسلامية من أجل تغيير المجتمع تدريجيا والعودة به إلى الايمان الحقيقي, ذاك الذي يفتح طريق المؤمنين إلى جنة الخلد وملك لا يبلى وينجيهم من عذاب جهنم ومن العقاب في الآخرة.

بيد أن هذا الرؤية في أسلمة المجتمع وفق المنهاج السلفي المسالم لا تختلف عن ذلك التصور الاسلامي القائم في بلدان مثل السعودية أو إمارات الخليج, هو إسلام يهادن السلطان ولا يشتغل بالسياسة, بل يتحول أحيانا إلى مناصر وخير معين لولي الامر, خاصة في استنباطه للفتاوى السلطانية. إنه جاهز كي يتحول إلى إسلام رسمي للدولة ذات المرجعية الاسلامية الاخوانية. ويبحث عن موقع كي يكون سلطة فقهية ودينية في المجتمع. غير أن ما يعاب على هذا التيار السلفي أنه يتمسك بظاهر النص القرآني ويلغي دور العقل في التأويل ويقعد عن البحث في كليات الشريعة ومقاصد الاحكام, ولا يعتد بموروث أصولي ضخم كأعمال «نجم الدين الطوفي والزمخشري وابن حزم وابن رشد والشاطبي»... إنها توصد نهائيا تطوير الاجتهاد الديني وتظل حبيسة اجتهادات بعض الاقدمين من السلف الصالح دون أن تدرك أنني أنا الانسان المسلم المعاصر أرى ما لا يراه السلف وأن قياس الماضي على الحاضر لا يراعي التحولات الحضارية والتاريخية للإنسان المسلم.

قد ننتهي إلى أن الظاهرة السلفية في شقيها المسالم والمتشدد, حرية بان تعترف بها الطبقة السياسة لانها سليلة التاريخ العربي الاسلامي الممتد منذ لحظة الوحي وتشكل النص المقدس, وتحوله من وضعية الخطاب الالهي الشفوي الى وضعية الخطاب الالهي المكتوب, هي فرقة اسلامية تقرأ المصحف وتتأوله من زاوية نظرها رغم أن القرآن ليس حبيس تفسير وحيد, إنه نص جامع وثري وغامض أحيانا وممتلئ بالدلالات والمعاني بدليل تعدد التفاسير واختلافها.

السلفية والحراك السياسي
التونسي

والسلفية في المجتمع التونسي ظاهرة طفولية النشأة, لم يكتمل بناؤها التنظيمي بعد لأن ذلك يحتاج إلى سنوات عدة كي تخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والإدراك. على خلاف السلفية المصرية التي بدأت متشددة فأنتجت تنظيم «الجهاد الاسلامي» ثم تنظيم «جماعة التكفير والهجرة» وانتهى بهم الامر إلى القبول بفكرة الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر. لذلك نرى صعوبة في فهم البنية الداخلية للظاهرة في تونس ومن يتزعمها؟ وما هي مرجعياتها الفكرية والدينية؟ إنه غموض يفسر حالة الفزع والرهاب الاجتماعي والسياسي تجاه هذه الظاهرة, إنها تتوجه إلى عوام الناس وهي قريبة منهم. وقد نرى أن السلفية سوف تكتسح المجالات الدينية في المساجد بنجاح في ظل فراغ روحي وعطش إيماني خلفته سنوات الجمر والقهر الديني في تونس.

ثم إن الاسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة أو حزب التحرير باعتبارهما أحزابا اسلامية بدأ يتراجع تأثيرها في المساجد في مقابل امتداد التيار السلفي. لأنها أحزاب قد انغمست في ممارسة السياسة حتى النخاع وأهملت العمل الدعوي.

والنهضة مثلا معنية من ناحية البراغماتية السياسية بإيجاد أرضية تفاهم حقيقية مع التيار السلفي وأن تروضه وتتخذ منه قاعدتها الشعبية الصلبة باعتبار أنها الاقرب إليه ايديولوجيا... أما الطبقة السياسية المفارقة أيا كانت ايديولوجيتها يسارية أو ليبرالية أو قومية فإنها مدعوة كذلك إلى أن تتخلى عن فكرة الاجتثاث والاقصاء والتحقير.

وأن تتعاطى مع هؤلاء المؤمنين السلفيين انطلاقا من قاعدة المساواة بين المواطنين فهم أبناء هذا الوطن, وأنه من الضروري دفعهم إلى حوار ديني وثقافي وسياسي من أجل إقناعهم بمبدإ التعدد في الاسلام, وحق الاختلاف في الرأي, والقبول بالديمقراطية وفكرة الانتخابات, والتداول السلمي على السلطة, وأن الحقيقة الإلهية عصية عن الإدراك وأن ندفعهم إلى التعمق في تأويل فكرة الجهاد وضوابطه الدينية والأخلاقية حتى نبني وطنا للجميع. إنه المجتمع يعتصر نفسه ويعيد تشكيلها في بنيته العميقة وفق توازنات الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.