ترامب يعتزم إحكام السيطرة على واشنطن    إصابات جراء عطل أصاب طائرة أمريكية خلال رحلة جوية    وزير السياحة يستقبل المكتب التنفيذي الجديد للجامعة التونسية للمطاعم السياحية    القيروان: مجهول يمتطي دراجة نارية يطلق النار على شاب عشريني فقتله    العوينة: خلاف ينتهي بمقتل حفيد وزير أول أسبق    فظيع/ وفاة كهل بعد سقوطه من سطح منزله ..    بالمناسبة .. الملتقى الثقافي الحرّ تحدّ للتفاهة والابتذال    خطبة الجمعة: الغفلة وآثارها    فضائل الصدقة في الإسلام    وزير الخارجيّة يتسلّم رسالة خطيّة موجهة إلى رئيس الجمهورية من أمير دولة الكويت    عاجل: دخول السفينتين'حنبعل 3' و'حنبعل 4' حيّز الاستغلال الرسمي في مجال المراقبة البحرية    دورة الهاشمي رزق الله الدولية لكرة اليد: المنتخب التونسي يفوز على نظيره الغيني 32-27    حالة الطقس هذه الليلة    وزير الشؤون الدينية: الوزارة تسعى إلى عدم الترفيع في تسعيرة الحج    خالد بن يحيي مدربا جديدا للاتحاد الليبي    حماس تعلن..#خبر_عاجل    العاصمة: هذه القاعة السينمائية تُغلق أبوابها نهائيا    سرقة اللوفر.. القبض على 5 أشخاص آخرين والكنز لا يزال مفقودا    الرابطة 1 : الترجي الرياضي يهزم النادي البنزرتي بثنائية ويشدد الملاحقة على الصدارة    طقس الويكاند: شنوّة يستنّانا التوانسة ؟    عاجل من السعودية: تعديل جديد في نظام تأشيرات العمرة    فرنسا تلغي اتفاقية الهجرة مع الجزائر الموقعة منذ 1968...شنوا الحكاية ؟    إضراب بيومين في قطاع البنوك    عاجل: منخفض جوي سريع يلمّس الجزائر وتونس...هذا الموعد    16 ديسمبر: جلسة عامة للمصادقة على قانون انتداب الخريجين ممن طال بطالتهم    موعد انطلاق العمل بجهاز تسجيل الاستهلاك بالمطاعم والمقاهي..#خبر_عاجل    بودربالة يطلع على الوضعية المهنية لعدد من المتعاقدين بمراكز الفنون الدرامية والركحية    عاجل/ ميزانية 2026: ألف مليون دينار للزيادة في الأجور    عاجل/ الكشف عن السعر المبدئي للتر الواحد من زيت الزيتون    عاجل: اكتشاف سمكة ''ذات الراية'' في ليبيا يثير القلق ... هل تصل تونس بعد؟    مؤسسة الأرشيف الوطني ستعمل على حفظ الوثائق السمعية البصرية من الإتلاف وبناء استراتيجية لرقمنة المحامل القديمة (مدير عام الارشيف الوطني)    "جائحة الوحدة": لماذا نشعر بالعزلة في عالمٍ فائق التواصل؟    اليوم الجهوي حول الرضاعة الطبيعية يوم 4 نوفمبر المقبل بالمركز الثقافي والرياضي للشباب ببن عروس    غرفة التجارة والصناعة لتونس تنظم يوم 5 نوفمبر ندوة حول "حماية حقوق الملكية الفكرية..رافد لتطوير الصادرات    الدورة الرابعة للبطولة الوطنية للمطالعة: حين تصبح المطالعة بطولة.. وتتحول المعرفة إلى فوز    10 مشروبات ليلية تساعد على إنقاص الوزن..تعرف عليها..!    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة الترجي الرياضي    الرابطة الأولى: الترجي الرياضي يستضيف النادي البنزرتي    عاجل: القبض على 5 مشتبه بهم جدد في قضية سرقة متحف اللوفر    تنبيه عاجل : علامات تخليك تعرف إذا كان تليفونك مخترق وكيفاش تحمي روحك    عاجل : مصوران يفقدان حياتهما أثناء تصوير إعلان في بورسعيد    قفصة: الدورة 35 للمهرجان الإقليمي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية يوم 31 اكتوبر الجاري    الملتقى الدولي حول 'الانسانية المعززة.. الفنون والتفرد.. تصورجديد لاخلاقيات الغد وجماليته ' من 12 الى 15 نوفمبر 2025 بجامعة قابس    ولاية تونس: جلسة عمل حول الاستعدادات لتنظيم المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الدولية    قبلي: توقف عدد من فلاحي منطقة جمنة عن جني تمورهم بسبب تخفيض اسعار قبول دقلة النور من طرف عدد من المجمعين    عاجل: المرور على جسر لاكانيا يتحوّل جزئيًا.. هاو كيفاش تتجنب ال embouteillage    سيباستيان تونيكتي يفتتح رصيده التهديفي مع سيلتيك في البطولة    داومان جوهرة أرسنال يصبح أصغر لاعب سنا يشارك أساسيا في تاريخ النادي    تمضغ ''الشوينقوم''على معدة فارغة ...حاجة خطيرة تستنى فيك    أكثر أمراض القطط شيوعًا    بايرن ميونيخ يحقق بداية قياسية للموسم بانتصاره على كولن بالكأس    العوينة: مقتل شاب طعناً بسكين والنيابة العمومية تأذن بفتح بحث تحقيقي    عاجل/ سقط من الحافلة: أول تصريح لوالد طفل ال13 سنة بعد وفاته..    علاش نحسوا بالبرد أكثر كي نكبروا في العمر؟    السودان بين صمت العالم ونزيف الحرب.. طارق الكحلاوي يشرح جذور المأساة وتعقيدات الصراع    رفض مطالب الإفراج عن عبد الكريم الهاروني ومحمد فريخة وتأجيل محاكمتهما إلى نوفمبر المقبل    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخي والديني في ظاهرة السلفية 2-2
نشر في الشروق يوم 06 - 01 - 2013

في ثنايا السلفية التونسية

وإذا اعتبر البعض أن السلفية الراهنة أنواع, فإن ما يجمع بين أطيافها المختلفة إنما هو سعيها الى تغيير المجتمع القائم بالقوة أو باللين, ونزوعها إلى العودة به نحو الماضي بإحياء القيم الأخلاقية والسلوكية الاسلامية, وفي تبني طرق المأكل والملبس وأساليب مخصوصة في الكلام والعيش... إنها تستعيد الأمجاد السابقة في انبهار مطلق بالماضي حيث يتجلى الوحي في المدينة الاسلامية السعيدة التي يتحقق فيها العدل. وقد لا نعدم القول أن التيار السلفي في تونس يمتح بعض أدبياته من موروث الوهابية الذي يراه البعض تصورا رجعيا للإسلام في حين أن السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا الفكر الوهابي في أرض نجد كان سياقا متطورا في زمانه, بيد أنه صار مفارقا للحداثة التي يعيشها المسلمون الان. لقد كان اجتهادا في الاسلام يعارض أشكال الوساطة بين الله وبين عباده تلك الوساطة التي نشأت في مقامات الاولياء الصالحين وسعى الى معاودة الاسلام في روحانيته وصلابته.

والسلفية الجهادية في تونس التي يتزعمها الشيخ «أبو عياض» وزمرة من أصحابه مثلا تعتقد بضرورة تغيير نمط المدينة الحديثة بواسطة العنف المسلح وهي بصدد مجاهدة حكام مسلمين مرتدين وخارجين عن الملة, حكام يتعاونون مع البلدان الكافرة المعادية للإسلام ولشرع الله حسب رؤيتهم. وهم يقسمون العالم إلى دار إسلام ودار كفر, وتجزأ الأرض عندهم إلى جزأين : أرض دعوة وأرض جهاد ... وهذه الطائفة يحمل بعضها تجربة جهادية مع تنظيم القاعدة في مواجهة القوات الامريكية في جبال افغانستان, وقد مر بعضهم بمحنة سجون غوانتنامو المرعبة, وهم إنما يمهلون الوقت لبناء تنظيم سياسي وديني يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا في الداخل التونسي ولهم أشباه كثر في البلدان العربية والاسلامية. ولعلنا نرى أن الصدامات المسلحة مع هذه الجماعات ستتكرر في قادم الايام بين جهاز الدولة في قوته العسكرية والامنية وبين أفراد كفروا بالحداثة وأزمعوا أمرهم على الجهاد ضد الطغيان وفي سبيل تطبيق شريعة الله في الارض. وهم يرومون العودة الى الله تحت عنوان الشهادة. فتضحي فكرة الخلاص والنجاة من فساد العالم الانساني مرتبطة بالتضحية بالنفس من أجل تلك الحقيقة الماثلة في الجنة. وهم إلى ذلك يعتقدون أن استعادة الاسلام الاول الطاهر والمقدس لا تتحقق إلا بخطاب القوة والسيف أو البندقية....

أما السلفية التي تتسمى بالعلمية فيمثلها بعض المشائخ الجدد من أمثال الشيخ « البشير بن حسن» مثلا, وهي تتبنى فكرة الجهاد بالكلمة والوعظ وتؤجل المجاهدة بالسيف, هي دعوة إلى الله في المساجد وإحياء لسلوك أخلاقي فردي قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وسعي لنشر الأخلاق الاسلامية من أجل تغيير المجتمع تدريجيا والعودة به إلى الايمان الحقيقي, ذاك الذي يفتح طريق المؤمنين إلى جنة الخلد وملك لا يبلى وينجيهم من عذاب جهنم ومن العقاب في الآخرة.

بيد أن هذا الرؤية في أسلمة المجتمع وفق المنهاج السلفي المسالم لا تختلف عن ذلك التصور الاسلامي القائم في بلدان مثل السعودية أو إمارات الخليج, هو إسلام يهادن السلطان ولا يشتغل بالسياسة, بل يتحول أحيانا إلى مناصر وخير معين لولي الامر, خاصة في استنباطه للفتاوى السلطانية. إنه جاهز كي يتحول إلى إسلام رسمي للدولة ذات المرجعية الاسلامية الاخوانية. ويبحث عن موقع كي يكون سلطة فقهية ودينية في المجتمع. غير أن ما يعاب على هذا التيار السلفي أنه يتمسك بظاهر النص القرآني ويلغي دور العقل في التأويل ويقعد عن البحث في كليات الشريعة ومقاصد الاحكام, ولا يعتد بموروث أصولي ضخم كأعمال «نجم الدين الطوفي والزمخشري وابن حزم وابن رشد والشاطبي»... إنها توصد نهائيا تطوير الاجتهاد الديني وتظل حبيسة اجتهادات بعض الاقدمين من السلف الصالح دون أن تدرك أنني أنا الانسان المسلم المعاصر أرى ما لا يراه السلف وأن قياس الماضي على الحاضر لا يراعي التحولات الحضارية والتاريخية للإنسان المسلم.

قد ننتهي إلى أن الظاهرة السلفية في شقيها المسالم والمتشدد, حرية بان تعترف بها الطبقة السياسة لانها سليلة التاريخ العربي الاسلامي الممتد منذ لحظة الوحي وتشكل النص المقدس, وتحوله من وضعية الخطاب الالهي الشفوي الى وضعية الخطاب الالهي المكتوب, هي فرقة اسلامية تقرأ المصحف وتتأوله من زاوية نظرها رغم أن القرآن ليس حبيس تفسير وحيد, إنه نص جامع وثري وغامض أحيانا وممتلئ بالدلالات والمعاني بدليل تعدد التفاسير واختلافها.

السلفية والحراك السياسي
التونسي

والسلفية في المجتمع التونسي ظاهرة طفولية النشأة, لم يكتمل بناؤها التنظيمي بعد لأن ذلك يحتاج إلى سنوات عدة كي تخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والإدراك. على خلاف السلفية المصرية التي بدأت متشددة فأنتجت تنظيم «الجهاد الاسلامي» ثم تنظيم «جماعة التكفير والهجرة» وانتهى بهم الامر إلى القبول بفكرة الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر. لذلك نرى صعوبة في فهم البنية الداخلية للظاهرة في تونس ومن يتزعمها؟ وما هي مرجعياتها الفكرية والدينية؟ إنه غموض يفسر حالة الفزع والرهاب الاجتماعي والسياسي تجاه هذه الظاهرة, إنها تتوجه إلى عوام الناس وهي قريبة منهم. وقد نرى أن السلفية سوف تكتسح المجالات الدينية في المساجد بنجاح في ظل فراغ روحي وعطش إيماني خلفته سنوات الجمر والقهر الديني في تونس.

ثم إن الاسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة أو حزب التحرير باعتبارهما أحزابا اسلامية بدأ يتراجع تأثيرها في المساجد في مقابل امتداد التيار السلفي. لأنها أحزاب قد انغمست في ممارسة السياسة حتى النخاع وأهملت العمل الدعوي.

والنهضة مثلا معنية من ناحية البراغماتية السياسية بإيجاد أرضية تفاهم حقيقية مع التيار السلفي وأن تروضه وتتخذ منه قاعدتها الشعبية الصلبة باعتبار أنها الاقرب إليه ايديولوجيا... أما الطبقة السياسية المفارقة أيا كانت ايديولوجيتها يسارية أو ليبرالية أو قومية فإنها مدعوة كذلك إلى أن تتخلى عن فكرة الاجتثاث والاقصاء والتحقير.

وأن تتعاطى مع هؤلاء المؤمنين السلفيين انطلاقا من قاعدة المساواة بين المواطنين فهم أبناء هذا الوطن, وأنه من الضروري دفعهم إلى حوار ديني وثقافي وسياسي من أجل إقناعهم بمبدإ التعدد في الاسلام, وحق الاختلاف في الرأي, والقبول بالديمقراطية وفكرة الانتخابات, والتداول السلمي على السلطة, وأن الحقيقة الإلهية عصية عن الإدراك وأن ندفعهم إلى التعمق في تأويل فكرة الجهاد وضوابطه الدينية والأخلاقية حتى نبني وطنا للجميع. إنه المجتمع يعتصر نفسه ويعيد تشكيلها في بنيته العميقة وفق توازنات الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.