الجدل في الساعات الأخيرة يكاد يكون تحوّل من التحوير الوزاري المنتظر إلى مصير المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون، الذي تأكد وجود تيار قوي يدفع إلى إقالته من مهامه الحكومية، وتحويل المسألة إلى قضية رأي عام يبدو أنها خدمت زيتون أكثر مما أفادت خصومه ومناوئيه داخل النهضة وفي الترويكا وفي الساحة السياسية عموما. من العادي في سياق تحوير وزاري شامل أن يغادر هذا الاسم أو ذاك، ولكن اللافت للانتباه هو هذا التركيز الكبير على مغادرة لطفي زيتون، وإصرار بعض قياديي النهضة على «تسريب» فحوى مداولات مجلس الشورى، المتعلقة بإقالته بالذات، بل وترويج «مواقع» قريبة جدا من النهضة لخبر اعتزاله السياسة واستقراره في لندن، والذي كذّبهُ زيتون في عديد المواقع ليس من بينها موقع نهضوي أو قريب منها. استهداف فسره المتابعون ب 4 احتمالات هي :
1 توجيه رسالة انفتاح قوية للمعارضة بالنظر إلى ما عرف عن زيتون من تشدد في المواقف سواء في المنابر الحوارية أو التصريحات الصحفية أو حتى اتهامه ضمنا أو صراحة بإدارته عديد الصفحات الفايسبوكية «الصدامية» وبوقوفه وراء بعض التحركات مثل «اعتصام الأحرار» وبعض وقفات « حملة اكبس».
2 تقوية موقع رئيس الحكومة حمادي الجبالي، الذي غطى حضور زيتون الإعلامي والسياسي عليه في أحيان كثيرة، إضافة إلى «ضبابية» موقع المستشار السياسي، ونفوذه ومجال صلاحياته، وهو الموضوع الذي فجره للعلن الطبيب الخاص لرئيس الحكومة نجيب القروي، ويكون خروج المستشار بهذه الطريقة «الاستعراضية» إشارة إلى أنّ رئيس الحكومة استعاد مقود القيادة بالكامل في القصبة وتحرّر من «زيتون».
3 تحميل زيتون مسؤولية فشل الحكومة والنهضة في إدارة ملف الإعلام، والربط الواضح والقوي بين مغادرته للقصبة ومغادرة رضا الكزدغلي المستشار الإعلامي أيضا، والذي صرح في أكثر من ملف تلفزي بأنه المسؤول الأوّل عن الإعلام الحكومي.
4 إحراج الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، والمعروف بعلاقته الوثيقة بلطفي زيتون مدير مكتبه في لندن لمدة 14 سنة ، وقطع الطريق عن أي مسعى قد يقوم به «لإنقاذه» خاصة بعد نجاح رفيق بن عبد السلام صهر الغنوشي في « قلب الطاولة» على الجميع في « قضية الشيراتون قيت».
5 شعور بعض مستشاري الجبالي بأنّ الفرصة قد تكون مواتية الآن للإجهاز على خصمهم العنيد ، خاصة بعد فشل محاولة نجيب القروي في الإطاحة به ومسارعة رئيس الحكومة في تكذيب ما ورد على لسان طبيبه الخاص وصديقه الحميم.
الاحتمالات واردة سواء منفردة أو مجتمعة، وهي لا تنفي حقيقة وهي أن لطفي زيتون قد يكون «ضحية» أخطاء ارتكبها ، بسوء تقدير لخطورة البقاء طيلة أشهر في «خط النار» دفاعا عن التوجّهات الّتي أقرّتها الحكومة والنهضة مباشرة إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، مدفوعا على الأرجح بحماسته المعروفة منذ فترة النضال، وإخلاصه الشديد لرئيس الحركة راشد الغنوشي، الذي واجه منذ خروجه من تونس في التسعينات وبعد الثورة انتقادات حادة من داخل تنظيمه، وهو ما لخصه القيادي محمد القلوي الذي ظهر فجأة للعلن، ليُفجر قنبلة، هي أنّ «وزراء السجن» أفضل من «وزراء المهجر».
ولكنّ اعتبار زيتون «ضحية» يبدو أمرا نسبيا حتى لو غادر الحكومة، التي اعتبر كثير من الملاحظين وجوده فيها «عبئا» عليه وليس العكس، لأنّ نشاطه وحيويّته فاقت ما لدى غالبية أعضاء الحكومة، كما أنّ جرأته وصراحته كانت تذهب به رأسا إلى جوهر الأشياء والمسائل دونما التفاف أو مواربة.
زيتون دفع فاتورة باهظة لمواقفه الصدامية في أكثر من منبر إعلامي في الأشهر الأولى والتي بلغت ذروتها في شهر مارس، الذي أعلنه معارضو الحكومة موعدا لإسقاطها، حينها كان المستشار الحديدي، « «الدرع الواقي» للحكومة، ولكن بعد تجاوزها مرحلة الخطر أصبح كما يردد منتقدوه جزءا من مشاكلها.
ويذهب محلّلون إلى أنّ خروج لطفي زيتون من الحكومة بأي صيغة كانت، لن يكون في مصلحة رئيس الحكومة بالذات، لأنّ المرحلة القادمة في أفق الانتخابات ستكون مرحلة التصعيد والمزايدات والمواجهات، التي قد تدفع الجبالي للندم على أبعاده عن القصبة وهي أمنية لكثير من خصوم الحكومة والراغبين في خلافة الجبالي، وهي ليست من طموحات زيتون.
النهضة أيضاً تبدو في مفترق صعب، إبقاء لطفي زيتون دون موافقة الجبالي ستكون له انعكاسات سيئة على صورة الحكومة وأدائها ، وخروجه منها سيكون له انعكاسات قد تكون أفدح ، خاصة وانه لم يتم بعد تقييم جدي ومعمق لملف الإعلام ولأداء الحكومة والنهضة فيه ، إذ من الصعب أن تتخلى حركة النهضة عن مستشارها الحديدي، الذي يحظى بشعبية جارفة في أوساط شبابها، ويحتفظ برمزية خاصة من جهة وجوده «خارج دائرة التصنيفات الجهوية»، وانتمائه جغرافيا لثقل انتخابي كبير هو شباب الأحياء المهمّشة والفقيرة في العاصمة (الملاسين).
ويتأكد هذا الرأي بعد ارتفاع أسهم زيتون لدى بعض القوى الوطنية التي نظرت بانتباه كبير للتطور المسجل في خطابه من الصدام إلى الحوار والوفاق عندما أنتج مقولة «لا إقصاء دون قضاء» والتي تسير في اتجاهها الحياة الوطنيّة اليوم بعد التصريح الأخير للأستاذ راشد الغنوشي. الجدل حول لطفي زيتون يجعله المستفيد الوحيد منه، لأنه جدل اظهر وزنه الحقيقي ، والكرة الآن في ملعب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي كان زيتون من القلة القليلة التي ساندته في منفاه، ومحنته الطويلة .
فهل يشهد الجدل حول الخروج المتأكد للطفي زيتون من قصر الحكومة بالقصبة تطورات جديدة، قد لا تكون في صالح من دفع بأقصى جهده لتضخيم هذا الملف.