في ذكرى ميلاد القائد العربي الراحل والحاضر دوماً في وجدان الجماهير وعقولها جمال عبد الناصر (15/1/1918)، نستذكر بحنين جارف ذلك الزمن الذهبي الذي كانت مصر الناصرية تقود الحركة القومية العربية ببعديها التحرري والوحدوي. ونظراً لثقل مصر الجيوسياسي والديموغرافي، فقد كان لدورها ذاك الأثر الحاسم في «قومنة» الشارع العربي في مختلف أقطاره وتحقيق إنجازات تحررية وطنية وحدوية عربية مهمّة. ممّا فتح أمام الأمة أملاً حقيقياً في تحقيق أهدافها النهضوية الكبرى. فلما رحل عبد الناصر رحمه الله قام خلفه سيء الذكر أنور السادات بالانقلاب على الناصرية وكبّل مصر باتفاقية «سلام» أخرجتها من الصراع العربي الصهيوني، وأحدثت خللاً فادحاً في موازين القوى مع العدوّ ما زالت الأمّة العربية تعاني منه حتى الآن. ثم جاء حسني مبارك فعمّق النهج الاستسلامي البائس الذي اختطه سلفه. وبعد سقوط مبارك تنفسّت الأمة الصعداء، فقد كان الأمل كل الأمل معقوداً على عودة مصر إلى دورها القومي الرائد الذي بناه عبد الناصر بالجهد والعرق والتضحية عبر سنوات حافلة بالنضال الوطني والقومي الدؤوب،
وإنهاء الخلل الاستراتيجي الذي لحق بموازين الصراع العربي الصهيوني جرّاء خروج مصر من معادلته، لكن مواقف اخوان مصر الذين وصلوا إلى السلطة في غفلة من الزمن سرعان ما خيّبت الآمال، بل وألقت ظلالاً قويّة من الشك على التغيير السياسي الذي حدث في مصر، فقد سار الرئيس الجديد محمد مرسي على خطى سلفيه المتأمركين، وحرص باندفاع منقطع النظير على إبقاء مصر وسيطا بين الصهاينة والفلسطينيين، وساطة هي في تطبيقها الفعلي، وكما ظهر أيام العدوان الصهيوني الأخير على غزّة،
تواطؤ مع العدو، وعملُ على إنقاذه من صواريخ المقاومة، وامتصاص غضب الجماهير الشعبية، وحرمان الشعب الفلسطيني المقاوم من أي دعم عسكري لمواجهة العدوان، والخروج من عطالة النهج التفاوضي الانهزامي الذي أودى بحقوقه التاريخية في فلسطين إلى نهج المقاومة وتحرير فلسطين بالقوّة كما كان عبد الناصر يقول: «ما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلا بالقوّة».
ولأن مصر تحت حكم الاخوان ما زالت في غير موقعها القومي الطبيعي، فإن ذكرى ميلاد ابنها البار عبد الناصر مناسبة جديدة للتأكيد على ضرورة إعادتها إلى هذا الموقع. فهذا هو الفعل التاريخي الوحيد الذي سيُعطي لثورة يناير قيمتها ومصداقيتها وتأثيرها في الإقليم والعالم، ويجعلها طريقاً سالكاً للنهوض القومي العربي المنشود.