أصيب كلّ من نهل العلم في المعهد الثانوي علي بورقيبة بالقلعة الكبرى بالذّهول وانقبض قلبه حسرة وألما لِما آل إليه صرح علم أنجب أجيالا يضيء نورها أرجاء الوطن. صرح سيصبح أطلالا إن ران على الضّمائر سكون العجز واللاّمبالاة والانتهازيّة.. من يلقي بصره إلى المعهد يستوقفه سياج حديديّ مرتّق طاله الاسمنت فأصبح شاهدا على سوء الحال وإن قذف به الفضول إلى الدّاخل لن يعترض سبيله حرّاس ولا من كُلّف بالذود عن حرمة المكان لأنّ الحسّ المهنيّ أصابه مسّ من الاستهتار بل تشدّه الأوساخ المتراكمة ويُفقده المشرب كلّ آليّات الفهم والتّحليل لتستعر نار الاستفهام..
ما الأهداف التّربويّة والمبادئ الأخلاقيّة الّتي استندت عليها الإدارة لترخّص لهذا المشرب الّذي أصبح فضاء للتّدخين والكلام البذيء وتبديد ساعات التّعلّم ودافعا لولوج الأقسام بأكواب القهوة والسّجائر أحيانا لتكسر الإدارة شوكتها وتقوّي شوكة تلميذ هشّ الشّخصيّة يميل إلى التّمرّد على كلّ القيم.
ليس هذا وحسب بل لقد انتهك عرض المؤسّسة عندما دخل شابّان غريبان مخموران لملاحقة تلميذ قصْد النّيل منه فعربدا وكثر الهرج ووصل بهما الأمر إلى اقتحام مجلس القسم أثناء اجتماع الأساتذة.. تقصير مردّه عجز الإدارة عن المسك بزمام الأمور وفرض الحزم على القيّمين والعملة الّذين تجاوز أغلبهم سلطة المدير وضعف عددهم الّذي لا يتجاوز الثمانية بينما حاجة المعهد تقتضى حسب تقدير المدير 13 عاملا.
انفلات وتسيّب شمل بعض الأساتذة الّذين ضربوا بالانضباط عرض الحائط، غيابات غير مراقبة، جداول أوقات تسند محاباة وتأخّر عن مباشرة الدّروس.. أمّا البنية الأساسيّة فحدّث ولا حرج لأنّ أسباب الحرج تنتفي عندما ترى الجدران متصدّعة والأرضيّة غير صالحة للسّير وزجاج الأبواب والنّوافذ مكسورا والحنفيّات معطّبة والمراحيض أغلبها بلا أبواب تفتقر لأبسط مقوّمات النّظافة وستر الحرمات.. تآكلت الأبواب والنّوافذ وكُسّرت وقدمت وذبل لونها فأوحت بالكآبة وأنذرت بالخراب فلم تعد قابلة للاستعمال. أمّا النّقص فقد شمل تجهيزات المخبر وأساتذة الاختصاص (الاقتصاد).. أقسام مكتظّة وظروف عمل تستدعي تحمّل المسؤوليّة حتّى لا ينفرط عقد الأزمة.
وبتوجيه السّؤال إلى السّيّد المدير حول سبب غياب إرادة الصّيانة والتّحسين نفى علمه بتفاصيل النّفقات وأحالنا على المقتصد الّذي أكّد أنّ الميزانيّة الّتي تقدّر ب 80 ألف دينار تذهب في الماء والكهرباء (20 ألف دينار تقريبا) فالعدّاد مشترك بين المعهد والإعداديّة التّقنيّة و10 آلاف دينار ميزانيّة البناءات وما يفوق 10 آلاف دينار ميزانية الأوراق والطّباعة إلى جانب مصاريف متفرّقة.
أمّا التّسرّب المائيّ فإنّه يستنزف الميزانيّة سنويّا ولا يبقي منها شيئا (حسب المقتصد) والسّبب في رأيه تقادم الأنابيب والقنوات وبالرّجوع إلى بعض العملة أكّدوا أنّ التّسرّب المائيّ يحصل ولكن تكاليف الإصلاح ليست بالباهظة لتستنزف الميزانيّة.
وضع المعهد بات حرجا للغاية والآمال صارت معلقة على وزارة التربية لإنقاذ صرح تعرّض لأبشع وسائل الإهمال والتّخاذل باتخاذ الاجراءات الضّروريّة للمحاسبة وردّ الاعتبار وحفظ هذا المعلم للأجيال القادمة.