بعد الحرب السورية جاءت حرب مالي لتكشف وجود خلل ما، وثغرة ما في التعاطي مع الشبكات التي تتولى غسل أدمغة أعداد هائلة من أبنائنا وبناتنا وشحنهم للقتال في ساحات بعيدة... ورغم أن اعدادا منهم سوف لن يعودوا أبدا لأنهم قتلوا في المعارك، فإن الحبل بقي على الغارب... وبقي شبابنا يرسل ل «الجهاد» ويا للمفارقة ضد أطراف اسلامية فيما ينعم الصهاينة وهم من يغتصب أرض فلسطين وينكّل بنصف شعبها ويشرد نصفه الآخر بالأمن والسكينة. ويوم أمس فقط أعلن الوزير الاول الجزائري مقتل 11 تونسيا ضمن من قتلوا اثر عملية تحرير الرهائن التي نفّذها الجيش الجزائري والتي انتهت بمقتل كل الخاطفين... وموت هؤلاء يفترض أن يهز الضمائر ويحدث رجّة هامة ويستدعي الجميع وبخاصة الأطراف الممسكة بالسلطة الى طرح الاسئلة الحارقة والى ايجاد الاجوبة الضافية لها بما يمكّن من وقف نزيف الدم التونسي ويوظّف طاقات شبابنا لبناء بلادنا التي تحتاج كل قطرة عرق وكل إرادة خيّرة للخروج من مأزق التخلف والفقر والبؤس والحرمان... وهذه ساحة نضال وتضحية تحتل الاولوية المطلقة على رأس القضايا التي يفترض أن تستنهض همم التونسيين وتستنفر شبابهم للجهاد.
وفي طليعة تلك الاسئلة الحارقة: من ينتدب؟ ومن يعبّئ؟ ومن يشحن؟ ومن ينظم الرحلات؟ ولماذا يتم التغاضي عن مثل هذه الشبكات؟ ولماذا يغيب الحوار العميق والهادف والبنّاء بهدف تعبئة شبابنا في اتجاه معارك داخلية تنفع الناس هي أيضا وتفضي الى مساعدة شرائح هامة من الشعب التونسي على التخلص من براثن الفقر والحرمان والخصاصة... وذلك أسوة بنبيّنا الكريم ے الذي نصح شباب المسلمين بالجهاد في والديهم قبل مجاهدة الكفّار والمشركين... والذي شبه جهاد الكفار بالجهاد الاصغر فيما شبه معارك البناء بالجهاد الأكبر؟
إن مزيد تأجيل الاجابة عن هذه الاسئلة لن تكون له الا نتيجة واحدة وتتمثل في فجيعة المزيد من الأباء والأمهات في فلذات أكبادهم... وفي ارسال المزيد من شبابنا الى محارق يؤجج نيرانها تجار الحروب حين يضخون المال والسلاح ويرسلون البشر ليكونوا وقودا لمعارك هي في الأصل ليست معارك شعوبنا التي ترزح تحت أولويات أخرى يأتي في طليعتها توظيف كل السواعد والادمغة والطاقات والمشاريع والبرامج لبناء الأوطان ولمقارعة الفقر والتخلف.