فيما يغرق الساسة في النقاشات والتجاذبات مايزال الوضع الاجتماعي يشهد من حين الى آخر انزلاقات خطيرة تهدّد أمن واستقرار البلاد... هذه الثنائية تطرح اشكالية مدى التزام النخب السياسية بقضايا الناس
وبتفاصيل حياتهم اليومية التي تدفعهم الى التمرّد ومحاولة فرض أمر واقع يدفع فاتورته القانون والنظام العام وحتى المنطق السليم أحيانا.
ففي حين يبدع الساسة، كل حسب موقعه سواء في الحكم او في المعارضة، في الترويج لموقفه ولصواب رؤاه وتصوراته وفي كيل الاتهامات للشق الآخر، يتجه المواطن البسيط نحو مزيد من اليأس، والاحباط.. وهو ما يدفعه الى الانطواء في خنادق ثانوية تأخذ أحيانا حجم شريحة مهنية او اجتماعية ويصل بها الأمر حدّ ان تنعش ظواهر خلنا أننا ودّعناها مثل «العرش» او القبيلة... وهذه المفارقة العجيبة يفترض أن تستنهض همم النخب السياسية للانكباب عليها والبحث في أسبابها وفي جذورها بغية ايجاد حلول عاجلة لها تقطع الطريق أمام كل الظواهر المدمّرة للوحدة الوطنية ولأسس العيش المشترك... وهذه مخاطر حقيقية يفترض أن تطرح أسئلة حارقة على كل الناشطين في الساحة السياسية وتدعوهم الى نبذ التجاذبات والمشاحنات المغرقة في تعقيدات السياسة والالتحام بشواغل الناس والوفاء لانتظارات المواطن البسيط الذي يعنيه أولا وقبل كل شيء التخلص من براثن البطالة والفقر والحرمان... والذي يعنيه أيضا رؤية البلاد وهي تسير نحو مزيد من الأمن والاستقرار بما يوفّر مناخا سليما يمكن أن يتجه فيه الجميع نحو الموعد الانتخابي القادم والانتقال بالبلاد الى وضع نهائي يمكن للفائز فيه ان ينفذ برامجه ورؤاه ومشاريعه التي انتخب على أساسها.
تونس في فترة انتقالية وهذا ما لا يجب أن ينساه أحد... وهي فترة تتطلب من كل الأطراف التحلي بروح إيجابية بنّاءة لإنجاحها وتأمين البلاد خلالها من كل الانزلاقات.. ذلك أن ثقب السفينة التي نركبها جميعا سوف يفضي الى غرق الجميع... وهي حقيقة لا يجب أن تغيب عن أحد.