ماذا يحصل لو كان الربيع العربي فعلا ربيعا وفصلا خامسا فوق كل الفصول الأربعة وحل فعلا بربوع الفسفاط نعمة الزرع والضرع. وتفتحت باكورات أولى أكمام أزهارها واستنشقت أنوف أهلنا أصحاب الأنفة في الحوض المنجمي عطرها الشذي وبدد هذا العطر ما برئاتهم من أكداس غبار المناجم الجاف المسموم وسرح ما بها من قنوات التنفس المسدودة. ماذا يحصل لو تحقق كل هذا هل كانت تربة أراضينا تبقى تحت رحمة الدب السيبيري إلى أن يأتينا الأمونيتر من روسيا. ماذا لو أطلقنا سراح المحكوم عليهم بالسجن المؤبد في ظلمة دواميس الفسفاط. وأصدرنا في شأنهم عفوا تشريعيا عاما لاستقبال هذا الربيع ومنحناهم باقة من أزهاره تعويضا عن سنوات الجمر والغبن والقهر. هل كانت أرضنا الخصبة المعطاء تجحد علينا المنّ والعطاء. ماذا لو حل هذا الربيع في بنقردان من بوابة الثورة لا من بوابة رأس جدير وملأ أريجه تلك الربوع الصامدة أمام زحف الفقر والرمال هل يبقى بنقردان (مقرودا) أي مسلوب الإرث من الملك والمتاع الوطني.
ماذا لو حل هذا الربيع بسليانة الشهيرة بتقطير زهور الاكليل والريحان وقطّرت من ورود هذا الربيع ماء الزهور ورشت به الأنفس والهامات والذوات هل كانت محتاجة الى من يرشها ب «الرش» ماذا لو حلّ هذا الربيع فعلا بسيدي بوزيد وتفتحت أزهاره الشتى هناك ونسج منها أهلنا هناك تيجان ورود وغطوا بها رؤوسهم هل كانت تتعرى رؤوسهم.
ماذا يحصل لو حل هذا الربيع فعلا بجندوبة وباجة وما جاورهما ورعى في نوّاره النحل وملأ أجباحه عسلا ربيعيا صافيا، فيه الدواءومنه الشفاء من علل الشلل التنموي العام هل كان أهلنا هناك يودعون بحلاوة هذا العسل مرارة الخبزة المرة. حنظلا.
ماذا لو حصل هذا الربيع فعلا بالكاف واستنشق الأهل وهم على مائدة يوغرطة أريج أزهارها ونسائمه العليلة وأخرجوا ما في صدورهم من نفايات الغبن و«الحقرة» والتناسي والاجحاف هلا ينهض الكاف من على ظله ويكون له هامة وظل بعد أن «طاح الكاف على ظلّو» في ظل الربيع العربي مرة أخرى.