مثل غياب الحليب والارتفاع المهول لاثمان اللحوم الحمراء هاجسا كبيرا للمواطن في عموم ولاية صفاقس.. ولمزيد تسليط الضوء على هذا الموضوع بحثت «الشروق» عن الأسباب التي تقف وراء ذلك. أولى الملاحظات التي خرجنا بها خلال اتصالنا بعديد مربّي الأبقار والأغنام وبعض الفلاحين الصغار أيضا هي التراجع المهول لعدد القطيع من جهة اذ في ظرف 3 سنوات خلت تقريبا تم تسجيل تراجع بحوالي 50% ومن جهة أخرى أصبح عزوف مربي الماشية كبيرا لاسباب كثيرة.
فالفلاح «الكبير» الذي كان سابقا يحاول ان يضاعف قطيعه من الأبقار والأغنام على حد السواء أصبح الآن يحاول بكل جهده التخلص من اكبر عدد ممكن . والفلاح الصغير الذي كان بحوزته عدد محدود من رؤوس الأبقار والأغنام على حد السواء أصبح الآن يحاول بكل جهده التخلص من اكبر عدد ممكن من رؤوس الأبقار تخلّص منها نهائيا حيث أكد لنا الفلاح محمد بن احمد من جهة بئر علي بن خليفة ان قطيع الماشية أصبح يمثل عبئا ثقيلا جدا يفوق الإنفاق عليه مقدار الإنفاق على عائلتين شهريا .
وعندما سألناه عن السبب أكد أن تضاعف أثمان الأعلاف هو السبب الرئيسي فثمن مادّة الصوجا المستوردة من أمريكا اللاتينية قفز من 400 د للطن الواحد سنة 2010 إلى 1200د هذه الأيام ، وحتى الأعلاف المحلية إن وجدت فهي مرتفعة الثمن اذ يبلغ كيس مادة « السدّاري» ما يعادل ثمن كيس مادّة « السميد» المعد للاستهلاك العائلي .
كما أشار الفلاح عمر بن صالح من منزل شاكر الى الغياب الواضح للهياكل الفلاحية التابعة للدولة في دعم وتوفير الأعلاف مما جعل الفلاح يتخبط وحده في خضم كل هذه المشاكل ويحاول ان يجد مخرجا بمفرده لكل هذه الصعوبات .
وقد اقترح محدثنا ان تتدخل وزارة الفلاحة بشكل فاعل في تشجيع الفلاحين الصغار حتى لاينقرض قطيع الماشية وذلك بمدّهم بالقروض وتوفير الأعلاف والتشجيع على إنتاج الأعلاف مشيرا إلى أن أزمة الحليب ستتفاقم بمرور الأيام نتيجة الأسباب المذكورة سلفا ونتيجة موجة الجفاف التي بدأت بوادرها ظاهرة للعيان.
أما السيد رضا بن طاهر فقد أكد أن قطيع الماشية تقلص بصفة مدهشة نتيجة تهريب الخرفان وحتى الأبقار الولود لم تسلم إذ هناك عمليات منظمة من بعض المستكرشين الذين لا تهمهم مصلحة البلاد يهربون العجول الإناث المعدة للتربية وتعزيز قطيع الأبقار وبالتالي فقدان قطيع الماشية من الأبقار للسلالات الشابة.
ولا يستبعد محدثنا أن تدخل البلاد في دوامة متواصلة من توريد الحليب وقد نلجأ إلى توريد اللحوم في مرحلة قادمة بعد الارتفاع المهول لثمن الحليب وخصوصا اللحوم الحمراء.
السيد خالد من جهته فلاح صغير اتخذ تربية الأبقار رزق عائلته لكنه بمرور الوقت وتفاقم الصعوبات وارتفاع أثمان العلف وغياب المراعي تخلّى نهائيا عن هذه المهنة وحول الحضيرة إلى مستودع لأنه لم يعد قادرا على التوفيق بين مصاريف العائلة ومصاريف المواشي.
وقال محدثنا انه لجأ إلى البحر على الرغم من صعوبة ركوبه إلا انه يبقى أرحم من تربية المواشي.
وعن نقص الحليب أكد لنا إطار في الميدان الفلاحي أن العديد من مجمّعات الحليب المنتشرة في كل معتمديات ولاية صفاقس مهدّدة بالإغلاق وأن بعضها تم غلقه فعلا بسبب غياب الحليب الناتج عن تناقص عدد رؤوس الأبقار .
وقد كانت هذه المجمعات سابقا توفر كميات كبيرة من الحليب يجلبها فلاحو والمناطق الريفية.
كل هذه العوامل جعلت مادة الحليب تفقد وأسعار اللحوم الحمراء تصل سقف العشرين دينارا فتضرّر الفلاح والمستهلك وحتى القصّاب مما جعل ناقوس الخطر يقرع لاتخاذ حلول عاجلة لإنقاذ قطاع تربية الماشية من الإتلاف قبل فوات الأوان .