مرت يوم 24 جانفي 2013 خمسون سنة على إعدام 10 رموز وطنية كانوا وغيرهم وراء المحاولة الانقلابية لسنة 1962. «الشروق» اختارت ان تفتح بعض صفحات هذه الأحداث مع أحد من عايشوها. إنه المقاوم الشيخ العربي العكرمي الذي تجاوز ال90 من العمر وما زال يحتفظ بتفاصيل مهمة من هذا التاريخ الشروق زارته بمنزله بمدينة القصر بمناسبة عودة رفاة الشهيد عبد العزيز الادب العكرمي احد رموز هذه المحاولة ودفنه بمسقط راسه يوم 6 جانفي 2013 .
الشيخ العربي حدثنا عن الشهيد عبد العزيزالعكرمي مشيرا إلى انه عرفه شابا يافعا بسقي العكارمة بالمظيلة ثم ناشطا في جمعية صوت الطالب الزيتوني التي كانت على خلاف عميق مع الحزب الدستوري الذي يعتبر الزيتونيين غوغائيين ثم يضيف الشيخ ان معرفتهما توطدت بعد الاستقلال. ورغم تأكيده على ولائه لبورقيبة وانحياز الشهيد عبد العزيز إلى بن يوسف فان ذلك لم يفسد للود قضية بين الطرفين ناهيك ان تواصل الشيخ العربي مع بورقيبة ونظامه لم يدم طويلا اذ فجرت المحاولة الانقلابية لسنة 1962 ولاء الشيخ لبورقيبة وكان منطلق ذلك حسب ما افادنا به مؤتمر الحزب بسوسة سنة 1959 الذي حضره الشيخ ممثلا عن المقاومين وهو الذي كان آنذاك شيخا «على عمادة قطيس بقفصة .
مقاطعة المؤتمر
الشيخ العربي اشار الى انه قاطع اشغال المؤتمر خلال القاء بورقيبة لكلمته التي اكد محدثنا انه تهجم فيها على المقاومين ناعتا اياهم ب«الفلاقة» الذين يدعون ان الاستقلال جاء بفضل «مكاحلهم المصددة»و اضاف الشيخ العربي ان بورقيبة قال ان من يدعي ذلك كاذب وسفيه وان الاستقلال كان بفضل «التكتكة والديبلوماسية والمادة الشخمة» وقد كان ذلك بمثابة بداية القطيعة بين بورقيبة والمقاومين خاصة في ولاية قفصة الذين قرروا الثورة ضد بورقيبة ويؤكد الشيخ العربي انه بدا اتصالاته بهم في الغرض ووجد التجاوب وفي نفس الاطار اتصل بالشهيد عبد العزيز العكرمي الذي كان يزاول التدريس آنذاك في احدى المدن الساحلية ولما صارحه بالأمر وافق دون تردد على القيام بثورة يقودها المقاومون وكانت الفكرة في البداية تقتضي الانطلاق من السيطرة على قفصة وقابس والقصرين في ليلة واحدة ثم الاتجاه نحو الشمال وفي الأثناء امتدت شبكة الداعمين للفكرة لتطال الهادي القفصي من سكان منزل بورقيبة (مهندس اصيل القصر) ومن ثمة صالح الحشاني القائد بالثكنة العسكرية بقفصة الذي عبر عن استعداده لتوفير السلاح مؤكدا على وجود عديد الضباط غير الراضين عن بورقيبة والذين هم على استعداد للمشاركة في العملية ولكن التخوف من امكانية رفض بعض المقاومين الذين ناصروا بورقيبة في معركته مع اليوسفية جعل الاتجاه يتعدل نحو القيام بعمل انقلابي يقوم به العسكر وعلى هذا الاساس امتدت شبكة المحاولة الانقلابية لتصل إلى عناصر فاعلة من المسؤولين العسكريين الكبار في العاصمة وتحدث الشيخ العربي العكرمي عن الشهيد المقاوم الازهر الشرايطي ملاحظا انه تم اعلامه بالمحاولة الانقلابية في فترة متأخرة ولم يتردد في الاقدام على الانخراط فيها مشيدا بخصاله اذ يعتبره المقاوم الاول والرمز.
الوشاية سبب فشل الانقلاب وأشار الشيخ العربي انه لما توفرت الارضية الخصبة لإنجاح العملية تمت الوشاية بالمخططين لها ويرجح الشيخ العربي ان يكون الواشي المدعو ع.ب.ي الذي يقول عنه محدثنا انه شخص مناور وطموح ويضيف الشيخ العربي ان المعلومة وصلت إلى هذا الاخير عن طريق الساسي بويحيى الذي كان من المنتصرين للمحاولة الانقلابية وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وقد يكون عامل القرابة بين الطرفين هو الذي اسقط واجب التحفظ فكانت الكارثة بسبب سوء التقدير ويشير الشيخ العربي إلى ان الايقافات المتعلقة بهذه القضية انطلقت يوم 19ديسمبر1962وكانت البداية بالهادي القفصي وعبد العزيز العكرمي ثم بعد يومين تم ايقافه هو والعربي بن الصامت وتتالت بعدها الايقافات في صفوف المدنيين والعسكريين الذين ذاقوا الوانا من العذاب والهوان حسب محدثنا الذي حكم عليه ب20 سنة سجنا مع الاشغال الشاقة فيما تراوحت عموم الاحكام بين سنتين والسجن مدى الحياة اضافة طبعا إلى 10 احكام بالإعدام شملت من العسكريين الصادق بن سعيد وكبير المحرزي وعمر البنبلي وصالح الحشاني ومحمد بركية ومن المدنيين عبد العزيز العكرمي والازهر شريطي والهادي القفصي وحبيب الحنيني واحمد الرحموني وقد نفذ الاعدام رميا بالرصاص يوم 24 جانفي 1963 بعد الحكم به في 17 جانفي 1963 فيما نجا من تنفيذ حكم الاعدام كل من محمد قيزة ومنصف الماطري والد صخر الماطري اللذين نالا عفوا بتدخل خاص لفائدتهما من قبل وسيلة بورقيبة حسب ما يؤكده الشيخ العربي العكرمي ونجا من الاعدام ايضا مصطاري بن بوبكر الذي غاب عن الانظار وكان الحكم عليه غيابيا .