المخرج المسرحي حافظ خليفة والشاعر جمال الصليعي والكاتب علي دبّ، ثلاثي قادم من الصحراء بسحرها وصمتها اجتمع هذه الايام في عمل فني جديد. جاء هذا العمل الفني في شكل لوحات ابداعية من خلال نصين مختلفين في المضمون، متحدين في الرؤية.
أول هذه النصوص التي سيشتغل عليها المخرج الطموح حافظ خليفة يحمل توقيع الشاعر الكبير جمال الصليعي وعنوانه «من أنباء القرى» الذي يقدمه حافظ خليفة بالقول: يتضمن هذا النص مساءلة للانسان منذ لحظة الولادة الاولى الى غاية الآن وما عاشه من حالات صدام وثورات وانكسارات ويعرّي ويفضح حالة الأمة العربية بعدما وقع من صدام وخيبة أمل في طلب الحرية إثر الثورات التي قامت بها وهذا الربيع الذي أصبح شتاء قاتما جمّد معه كل الأحلام.
ويضيف حافظ خليفة:
سيكون هذا العمل مختلفا في رؤيته الدرامية عن ما كنت قد جسدته سابقا في انتاجاتي، حيث سأعتمد اعتمادا كليا على لغة الجسد مع المحافظة على المدرسة المشهدية والتجريبية التي اتخذتها منذ الأعمال الاولى كمنهج للتجريب وخلق مسرح مختلف عمّا هو سائد وطلبا منّي للعالمية إذ أنني ما أرتبه لهذا العمل من مشاركات عربية وعالمية سيكون أسهل في الفهم للمتلقي للمسرح باعتبار أن لغة الحركة والجسد عالمية بالأساس وهو شرف لي والكلام لحافظ خليفة أن أخوض هذه المغامرة مع شاعر أفحم الناس وشدّ الأنظار وبشهادة محمود درويش وعباقرة الشعر العربي في نفاذ وقوّة هذا الشاعر الملقّب ب «العذري الاخير» لما يكتبه من شكل لغوي جيد وما يطرحه من قضايا انسانية راهنة وعميقة وما عُرف عنه من التزام في المواقف وتشبّث بهويته العربية الأصيلة.
علي دبّ يبحث في «الرقود السبعة»
علي دبّ مثال المؤلف الهادئ العاشق للتاريخ، ولا أدل على ذلك من نجاحه الكبير في صياغة نص درامي لأهل «ماطوس» بالجنوب التونسي من خلال مسلسل درامي مازال حديث المشاهد التونسي الى الآن.
واليوم ومن خلال دعوة واقتراح من جمعية مهرجان عمر خلفة بتطاوين يلتقي الكاتب علي دبّ والمخرج حافظ خليفة لاعداد عمل مسرحي لافتتاح هذا المهرجان أواخر أفريل القادم... وكان اللقاء الاول بين الكاتب والمخرج بمباركة من جمعية مهرجان عمر خلفة ليتم الاتفاق على انجاز عمل مسرحي يعتمد على أسطورة أهل الكهف التي هي جزء من هوية وماضي مدينة تطاوين وخاصة قريتها شنني... ولا غرابة أن يكون علي دبّ المؤلف الذي راهنت عليه هذه الجمعية على اعتبار أنه أصيل المنطقة ليعود بالذاكرة الى «الرقود السبعة»... عمل مسرحي أسعد المخرج حافظ خليفة... وهو المتيّم بكل ما له علاقة بالموروث الفكري الحضاري العربي...
هذا العمل المستوحى من أهل الكهف يطرح على حدّ تعبير المخرج حافظ خليفة مأساة الانسان الراهن وهروبه الى الكهف الذي يمثّل ما نحن فيه الآ من ظلمة وتردّي وإبهام في المصير وكأن الزمن يتكرّر وسيكشف هذا العمل من ناحية أخرى وبطريقة ناقدة وعميقة حالة الانسان التونسي العربي في هروبه من الواقع وبطش الأفكار الظلامية والمصادرة للفكر الحرّ وبصورة عامة فإن علي دبّ من خلال «الرقود السبعة» يقترح علينا والكلام لحافظ خليفة شكلا جديدا لاسطورة أهل الكهف بحالة معاصرة ومساءلة للواقع المعيش.
ويقول حافظ خليفة أيضا:
شرف عظيم أن أتعامل لأول مرّة مع كاتب كان ولازال له الكثير في كتابات المسرح التونسي والرواية والدراما التلفزيونية والاذاعية مع الشكر العميق للجنة الثقافية الجهوية بتطاوين التي سترعى وتدعّم هذا العمل حتى يكون جاهزا بإذن ا& لافتتاح الدورة العشرين لمهرجان عمر خلفة للمسرح أواخر أفريل القادم.
كما ستكون لهذا العمل طبعة مغاربية من خلال المشاركة في الدورة الخامسة لمهرجان النكور المتوسطي للمسرح بمدينة الحسيمة المغربية من 16 الى 12 ماي القادم. وسيعتمد هذا العمل على طاقات شبابية مسرحية هاوية من أبناء الجهة وسيكون فرصة للتكوين والاستفادة في هذه العملية التي نصهر بها الطاقات الابداعية في التمثيل بوسائل محترفة نصا واخراجا.
من جهته أبرز الكاتب علي دبّ أن هذا العمل جاء باقتراح من هيئة مهرجان عمر خلفة للمسرح التي اقترحت علي الموضوع والمخرج معا انطلاقا من أسطورة تسجل حضور أهل الكهف في شنني المعروف ب «الرقود السبعة». وقد سعيت الى تناول هذا الموضوع برؤية جديدة على اعتبار أن أهل الكهف قصة عالمية مجهولة المكان والزمان وما يدور حولها هي مجرّد تخمينات من السجل الديني ولم يثبت تاريخيا هذه القصة.
وأضاف الكاتب علي دبّ: يتمثل عملي في إيجاد مجموعة من المضطهدين المتمسكين باعتقاداتهم الى حد التصحية بالنفس وهو ما يثبت هذا المسار في كل الأزمنة الانسانية ورأيت أن أسجّل هذه الاسطورة قبل حادثة النوم: هؤلاء ما هو أعمارهم؟ ولما ضحّوا وكيفية الخلاص مما هم فيه من أخطار محدقة بهم وبالطبع سوف تختم المسرحية ببداية النوم والآية القرآنية المعروفة في هذا الصدد.
وكشف المؤلف: فضلت أن أختار امرأتين في هذه المجموعة واحتفظت بالكلب ولا أدري كيف سيتصرف معه المخرج الذي شجعني على ذلك. وختم علي دبّ بالقول أملي أن يكون هذا العمل بداية لنهضة مسرحية في الجهة ولاضفاء طابع الخيال والواقع وتسجيل معتقدات الناس والبقية تثبت ما كتبت برؤية خاصة وللمخرج رؤيته الفنية في ذلك فالفنان حافظ خليفة رمز من رموز المسرح التونسي الحداثي وأعماله قد فازت بالكثير من التنويه والجوائز في التظاهرات العربية وحتى غير العربية.