تحوّل التحوير الوزاري الذي مثل أولوية الحكومة منذ جويلية الفارط من حلّ لمشاكل المرحلة الحالية الى مشكل حقيقي أثّر على سير المفاوضات بين النقابات والوزارات المعنية. تواصل مسلسل التحوير الوزاري وعدم إيجاد مخرج من المأزق السياسي الراهن لما شهده من اختلافات في وجهات النظر وتجاذبات سياسية تشتدّ يوما بعد آخر انضاف الى شواغل المواطنين وتولّد عنه توتر واحتقان لما يمكن أن ينتج عنه من انعكاسات خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
عدم وضوح الرؤية والضبابية التي اتسم بها أداء الحكومة الحالية جعل من الشراكة النقابية الحكومية أمرا صعبا بل مستحيلا في المرحلة الحالية ما يطرح أكثر من سؤال حول إيفاء الحكومة بتعهداتها تجاه الأطراف النقابية التي عبّرت ل«الشروق» عن مواقفها من المسلسل الماراطوني للتحوير الوزاري ومن احتداد الخلافات والتجاذبات السياسية حوله حيث صرّح حفيظ حفيظ الأمين العام المساعد المسؤول عن الوظيفة العمومية بالاتحاد العام التونسي للشغل أن التواصل بين الوزارات والنقابات العامة بما في ذلك قسم الوظيفة العمومية بالاتحاد أصبح تقريبا منعدما بسبب انشغال الوزراء بهذا التحوير المرتقب الذي طال زيادة عن اللزوم. وأضاف حفيظ حفيظ أن هذا الجدل القائم اليوم حول التحوير الوزاري متعلق بالمقاربة الخاطئة التي وقع اعتمادها بعد 23 أكتوبر والمتمثلة في تكوين حكومة لا تضع الكفاءة هي المقياس بل ان المرجع الأساسي والوحيد هو المحاصصة وبناء تحالفات سياسية وهو ما أدى الى تعيين وزراء بلا خبرة ولا كفاءة ومثلوا في العديد من الأحيان عبئا على الحكومة نفسها بخلق تلك التوترات التي جدّت مع عديد النقابات وحصيلة هذه المقاربة المعتمدة على المحاصصة هي التي جعلت هذا التحوير يعرف كل هذه الصعوبات باعتبار أن هاجس كل طرف من «الترويكا» من هذا التحوير هو أية علاقة له بالمحطات الانتخابية القادمة.
وقال الأمين العام المساعد أن الحكومة وأعضاء المجلس التأسيسي مطالبون اليوم بالتسريع في إجراء التعديلات الضرورية لإنهاء هذا الجدل خدمة للاستحقاقات العاجلة المتمثلة في إنهاء صياغة الدستور وتحديد المحطات السياسية القادمة وما يتطلبه ذلك من آليات ضرورية لعل في مقدمتها الهيئة المستقلة للانتخابات حتى نقدم تطمينات لأبناء الشعب الذين أصبحوا يشعرون وكأننا أمام أزمة سياسية قادمة قد تؤثر على المناخ الاجتماعي وقد تزيد من تدعيم ظاهرة العنف. وأضاف حفيظ حفيظ أنه من غير الصدفة أن تتجدّد مظاهر العنف خلال هذه الأيام التي تجري فيها المشاورات الماراطونية حول هذا التحوير».
مبادرة الاتحاد
من جانبه أوضح محمد البكاي كاتب عام النقابة العامة للتكوين المهني والتشغيل أن مسألة التحوير الوزاري تلقي بظلالها حتى على أداء العمل النقابي لعدم توفر أطر سياسية قادرة على الحوار والتفاوض وحلّ الاشكاليات العالقة مشيرا الى أن الجميع يعيش في ارتباك وعدم وضوح في الرؤية للمستقبل وما على السياسيين سوى الرجوع الى مبادرة اتحاد الشغل لفتح حوار وطني شفاف ونزيه بدون إقصاء للخروج من هذه الأزمة.
وأوضح محمد البكاي أن الحل يكمن في حكومة قليلة العدد ومبنية على الكفاءات المهنية لا المحاصصة الحزبية تقود البلاد الى موعد انتخابي وصياغة دستور مؤكدا أن التأخير في التحوير الوزاري هو سبب من أسباب التشنجات الحاصلة في البلاد والتي تزداد تعقيدا يوما بعد آخر.
«دولة بلا حكومة»
مسلسل التحوير الوزاري أكد الأسعد اليعقوبي الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي أنه يشكل مرحلة دقيقة وخطيرة خاصة وأن هذا الجدل حوله يحتدم في ظل واقع اقتصادي صعب للغاية وفي ظل وضع اجتماعي محتقن للحوار الاجتماعي لإيجاد جلول للمشاكل المطروحة في كثير من القطاعات من بينها قطاع التعليم. ودعا اليعقوبي الجميع الى العودة الى المربع الأول وهو الأهداف الحقيقية للثورة وتجسيدها تجسيدا فعليا بكثير من الجرأة.
طاولة الحوار
الوقف ذاته سجله مستوري قمودي الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الأساسي مشيرا الى أن الحزب الحاكم يريد الاستحواذ عن كل الوزارات مما أدّى الى دوامة من الاخفاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومع ذلك مازال متمسّك بالسلطة رغم هذا الفشل الذريع. وقال إن التمسّك بالوزراء هو في الحقيقة تمسّك بمزيد تعميق الأزمة واستفحالها وهو ما يتطلب ضرورة جلوس الجميع على طاولة المفاوضات قصد الوصول الى حل في أقرب الآجال مراعاة للمواطن الذي ملّ الانتظار والذي تعطلت مصالحه.