تعددّت التصريحات الحكومية منذ شهر جوان الماضي حول إجراء تحوير وزاري صلب حكومة "الترويكا"، وقد مثل هذا الموضوع محور لقاء الهيئة العليا لتنسيقية الترويكا الأسبوع الماضي حيث تطرقت إلى وجوب إنشاء تحوير وزاري شريطة أن لا يمس هذا التحوير وزارات السيادة وتحديدا وزارات العدل والداخلية والخارجية. كما صرح المستشار السياسي لطفي زيتون على موجات الإذاعة الوطنية الأسبوع الماضي بأنه مع إنشاء حكومة وحدة وطنية تكون المعارضة طرفا فيها. فهل أنّ وزارات السيادة تقف وراء عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية باعتبار أن المعارضة متشبثة باستقلالية هذه الوزارات وحركة النهضة متشبثة بتحزبها؟ ثم لماذا لم يقع إلى اليوم إجراء هذا التحوير الوزاري في وقت أثبتت فيه عدة وزارات فشلها بشهادة عدد من متتبعي الشأن الوطني بما في ذلك أطراف حكومية، فالحديث عن إجراء تحوير وزاري يعكس اعترافا ضمنيا بفشل هذه الوزارات؟ عن مسألة التحوير الوزاري، قال نائب المجلس التأسيسي وعضو التحالف الديمقراطي مهدي بن غربية: "إنّ التحوير الوزاري شكلي ولا يهمّ إلا الترويكا الحاكمة، وإن أرادت هذه الحكومة أن توصلنا إلى المرحلة القادمة بأقل الأضرار فعليها اتخاذ قرار شجاع عن طريق إجراء تغيير جذري يبدأ بوزارات السيادة أولا". واعتبر بن غربية أن الحديث عن تحوير وزاري دون المساس من وزارات السيادة يتنزل في إطار النقاش الهامشي والمغلوط، قائلا: "إنّ هدفنا كمعارضة ليس الانضمام إلى الحكومة وإنما نحن نطمح إلى إنشاء حكومة قادرة على قيادة المرحلة بمسؤولية وهو ما لا يمكن تحقيقه إن تمت المحافظة على تحزب وزارات السيادة". وأكدّ محدّثنا أنّ التحوير الوزاري مسألة جزئية لن تكون الحاسم الوحيد في حكومة الوحدة الوطنية مشيرا في هذا الصدد إلى وجوب الحسم في هيئة الانتخابات وهيئتي الإعلام والقضاء. "لا داعي لذر الرماد على العيون" أمام تأكيده على أن المرحلة التي تمر بها البلاد تقتضي إجراء تحوير وزاري، قال عصام الشابي عضو الحزب الجمهوري:"لا يمكننا الحديث عن تحوير وزاري ما لم يقع الحسم في تاريخ الانتخابات وإنشاء هيئات الإعلام والقضاء والانتخابات، ولا داعي لذرّ الرماد على العيون". وشدد الشابي على أن مصلحة تونس تقتضي تغيير أسلوب إدارة البلاد خاصة في ظل تعدد الإخفاقات في عدد من الوزارات إضافة إلى حالة الاحتقان التي تشهدها عدة مناطق، قائلا: "إن الوضع يقتضي التغيير من حكومة محاصصة إلى حكومة إنقاذ، لقد سبق وقدمّ الجمهوري هذا المقترح واتهمّتنا الحكومة بالعرقلة، لكننا نجد اليوم أطرافا من الحكومة تتحدث عن ضرورة تغيير، وهو أمر يجب الحسم فيه عاجلا لأننا مطالبون ببعث رسائل طمأنة للخارج، وليس من المنطقي أن تكون الحكومة عاجزة عن تعويض وزير المالية والوزير المكلف بالإصلاح بسبب المحاصصة الحزبية". واعتبر الشابي أن حديث المستشار السياسي وأطراف حكومية أخرى عن إنشاء حكومة وحدة وطنية ودعوتهم المعارضة للانضمام إليها يتنزل في إطار إغراء المعارضة بالحقائب الوزارية، قائلا: "نتمنى أن لا تكون هذه الدعوة بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة ومن جهتنا لن نتنازل عن استقلالية وزارات السيادة". "لسنا مهتمين بالمشاركة في حكومة التحوير" من جهته، قال سمير بالطيب عضو المسار الاجتماعي ل"الصباح الأسبوعي": "إن التعديل الوزاري لا يعنينا ولا يهمّنا، ولكن ما يهمّنا في مرحلة أولى هو وجوب تحييد وزارات السيادة ونحن كمعارضة لسنا مهتمين بالمشاركة في حكومة التحوير الوزاري". واعتبر بالطيب أنّ دعوة الحكومة إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية دليل واعتراف بفشلها، قائلا:" حكومة الوحدة الوطنية تستوجب أن يكون رئيس الحكومة مستقلا، وفراغ حقيبتين وزارتين يعكس غياب منهجية العمل عند الحكومة، فهل يعقل أن يبقى منصب الوزير المكلف بالإصلاح الإداري شاغرا رغم جملة المشاكل التي طرحها محمد عبو قبل استقالته". بعث لجنة تقيّم الأداء الحكومي وتحسم في التحوير وباتصالنا بعضو التنسيقية العليا للترويكا ونائب التكتل في التأسيسي جلال بوزيدي، قال:"كان من الأجدر الجلوس على طاولة حوار دون وضع شروط مسبقة من شأنها التأثير على خلق وفاق سياسي، فما دامت الحكومة توصلت إلى عدم المس من وزارات السيادة في عملية التحوير عادي أن ترفض المعارضة الحوار وستتشبث بموقفها أكثر". وذكر بوزيد أنّ تنسيقيّة الترويكا اتفقّت خلال اجتماعها الخميس الماضي على إنشاء لجنة تتولى تقييم أداء الحكومة وفقا لمقاييس ومعايير موضوعية، قائلا: "ستتولى اللجنة عملها نهاية الأسبوع الجاري وإذا رأت فشل وزارة معينة في أداء مهامها فمن المؤكد أننا سنبادر بإجراء التحوير الوزاري على رأس تلك الوزارة". وعن هذه المبادرة التي أتت متأخرة خاصة أنّ أطرافا حكومية صرحت منذ جوان الماضي بإجراء تحوير وزاري، قال جلال بوزيد:"لو كنا في وضع عادي لكان هذا البطء خطرا علينا ولكننا نمر بمرحلة انتقالية لذلك نعتبر هذا البطء في إجراء التحوير عادي رغم وعينا بوجود بعض الأخطاء والتراكمات، وتحسين الوضع يتطلب تقييم الأداء الحكومي لذلك نحن مصرون على تسريع عمل اللجنة التقييمية التي ستبتعد عن شخصنة الأمور". وعن هذا القرار، رأى بعض متتبعي الشأن الوطني أنّ رئاسة الحكومة واعية بوجود بعض الوزارات التي أثبتت فشلها، لكنّ المحاصصة الحزبية هي التي حالت دون إجراء ذلك التحوير ولذلك عمدت الترويكا الحاكمة إلى بعث لجنة تقيم أداء الوزارات وتحسم في عملية التحوير، وهو إجراء يتطلب وقتا ربما يزيد فيه أداء بعض الوزارات تدهورا.