هل دخلت بلادنا مرحلة جديدة هي الأخطر إطلاقا في الأزمة السياسية التي انطلقت منذ شهر جويلية حين أعلن عن بدء التشاور لإجراء تحوير وزاري يخرج البلاد من وضع الانسداد الذي تردت فيه؟ التحوير الموعود لم يتم وفي المقابل تواصلت صعوبات التونسيين الاقتصادية والاجتماعية وتعمّقت منذرة في كل مرة بتفجّر الأوضاع وخروجها عن السيطرة. وجاء اغتيال الشهيد شكري بلعيد ليزيح آخر ستار عن مشهد سياسي بدا منقسما ومتوترا وطافحا بالاحتقان. وتوجهت أصابع الاتهام إلى الحكومة محمّلة إياها أسباب التعطيل السياسي والتردّي الاقتصادي والعنف المتفشّي في جسد المجتمع والذي توجه اغتيال شكري بلعيد.
السيد حمادي الجبالي سارع منذ أن ذاع خبر الجريمة باقتراح تشكيل حكومة من كفاءات غير سياسية تنهي الأزمة وتضع حدا لتراخي السلطة التنفيذية وتحدث «الرجّة الايجابية» اللازمة لتحريك السواكن وعودة الوعي. لكن الابتهاج بهذا الاقتراح لم يدم أكثر من الوقت الذي استغرقته اجتماعات التشكيلات السياسية الكبرى في البلاد لتحديد موقفها. الجواب جاء بالرفض وأول الرافضين كان حزب النهضة حزب السيد حمادي الجبالي. لكن باقي الأحزاب لم تختلف في موقفها عن النهضة واعتبرت أن مبادرة الجبالي هي بمثابة الانقلاب المقنع أو «المرور بقوة» نحو هدف البقاء على رأس الحكومة مع تغيير الديكور.
وفي الأثناء تفجرت أزمة ربما لن تتأخر كثيرا في الالقاء بظلالها على الحياة السياسية في البلاد متمثلة في الانشقاق الذي حدث في حزب النهضة بين الأمانة العامة والرئاسة إثر «المجهود الفردي» الذي قام به السيد حمادي الجبالي للخروج بالبلاد من أزمتها الطويلة دون التنسيق مع عائلته السياسية. لكن حمادي الجبالي أظهر بمبادرته هذه من الشجاعة السياسية والاعتداد بالنفس ما يؤكّد أنه يمتلك أوراقا عديدة للدخول في لعبة «بوكار» سياسي خطير، وأنه كسب من الدربة والخبرة ما يجعله مؤهلا للقيام بالأدوار الأولى مستقبلا. أول من أدرك هذا التحول رئيس الجمهورية المؤقت الذي انقلب من مؤيد لرئيس الحكومة إلى مرشح لخلافته في حالة إقدامه على التخلي عن منصبه.
إنه المأزق. فإما أن يكون الخروج منه بالعودة من جديد إلى مبدإ الوفاق في إطار الدستور الصغير الذي يسوس البلاد وهو ما يعني العودة إلى نقطة الصفر. وإما أن نعتبر أن التجربة الحالية التي تقودها الترويكا قد فشلت نهائيا وأن لا سبيل إلى العودة إلى الاعتماد على الدستور الصغير والاصغاء فقط إلى الشارع الذي سيقول فيه الشعب كلمته.
إنه المأزق الذي يفرض الخروج منه التحلي بالحكمة والإحساس بالمسؤولية لتجنّب سيناريوهات الأسوإ.