قال سندبادُ السياسة: شدّني الحنين إلى الترحال فدعوتُ ربيع بن ثورة العربيّ وركبنا البحر في الحال ثم هاج البحر وماج وانقلب بنا المركب وحالت بيني وبين رفيقي الأمواج إلخ.. ثمّ وجدتُني في مكان يعجز عن وصفه اللسان وقد أحاط بي «الأنديجان» وكلٌّ يقول لي «أَبْشِرْ أنت في مجلِسِسْتَان»! والأصل في هذه التسمية الغريبة أنّ سكّان هذه البلاد العجيبة لا يقوم لهم جالس ولا يعترفون بغير المجالس! لا يُفارقون الكراسي وكأنّهم الجبال الرواسي! عليها ينامون وبها يمشون حتى كاد الظنّ يذهب إلى أنّهم فيها يتغوّطون! ومعنى التكريس في اللغة «المَجْلِسِسْتَانِيّة» شبيه بمعنى التكريس في العربيّة، مع فارق أنّ الكراسي في نظرهم أصلُ كلّ قضيّة ومصدر كلّ شرعيّة! لذلك ما أن يجلس أحدهم على كرسيّ ضيِّق أو وثير حتى يثبّت نفسه عليه بالمسامير! قال سندباد السياسة: فقلت يا ويلتاه ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله هل أهرب من قطْرِ المجلس التأسيسي لأقع تحت مئزاب المجلس التكريسي؟ ثمّ قصدتُ الميناء طالبًا كشف البلاء.. فإذا أنا بحشد مهول وفي وسطه رجل يهجو ويقول: يا سائِلِي ما المجْلِسُ التأسيسي؟ ... جُحْرُ الأفاعِي المجلِسُ التأسيسي ودَمٌ يُدَارُ على مَدارِ جِراحنَا ... لولا خِيارُ المجْلِسِ التأسيسي ومَتاهةٌ مَشْبُوكَةٌ بمتاهة ... في ذَيْلِ لَيْلِ المجلِسِ التأسيسي صرَعَ الهَوَى رُومْيُو وقيْسًا قَبْلَهُ ... ها نحنُ صَرْعَى المجلسِ التأسيسي هَرَجٌ وتَهْرِيجٌ وهَرْجٌ هارِجٌ ... والكُلُّ بِاسْمِ المجلِسِ التأسيسي لو أنَّ إبْليسًا وسائِرَ نَسْلِه ... حَلُّوا ضُيُوفَ المجلسِ التأسيسي لَمَضَوْا إلى طلبِ التقاعُدِ جُمْلةً ... وقد اكْتَفَوْا بالمجلسِ التأسيسي ولو ابْتَلَى الأُولَمْبُ سيزيفًا بِنَا ... لَانْهَارَ تحتَ المجلِس التأسيسي جُلْمُودُ صَخْر كيفَمَا قلَّبْتَهُ ... وَهِمُوا فقالُوا المجلسُ التأسيسي هذا جزاءُ الناخِبِينَ فقُلْ لَهُمْ ... بِئْسَ الجَزاءُ المجلسُ التأسيسي اِسْمٌ بلا معنًى وجسمٌ بارِك ... عبثًا يُسمَّى المجلسَ التأسيسي ودُمًى مُحرّكةٌ بأكثر من يد ... مِنْ خَلْفِ خُلْفِ المجلسِ التأسيسي يا طالبًا للثأرِ من أحلامِهِ ... اُدْخُلْ رِحابَ المجلس التأسيسي ولْتَرْمِ عقْلَكَ والمبادئ جانبًا ... ها أنتَ عبْدُ المجلسِ التأسيسي سُوقٌ ودَلاّلٌ وحَشْدٌ سائِلٌ ... كم لِي وكم للمجلس التأسيسي؟ أنا شعبُ ثُوّار وطالِبُ ثورة ... لا ثروة في المجلس التأسيسي الصخرُ يدمعُ حين تلمعُ دمعتي ... ويُشيحُ عنّي المجلسُ التأسيسي وترى عيونُ الكوْنِ حُرقة لوعتي ... إلاّ عيُونُ المجلسِ التأسيسي وَسَّدتُنِي جمْرًا وبِتُّ على طَوًى ... وعَلاَ شخِيرُ المجلسِ التأسيسي وكأنّ أهلَ الكهفِ عادُوا نُوَّمًا ... في زيّ أهلِ المجلسِ التأسيسي لا شيء يرفع صوتَهم وسياطَهم ... في قاعِ بئر المجلس التأسيسي إلاّ العِراكُ على تقاسُم كعْكة ... وعلى كراسي المجلس التأسيسي كفَّتْ رِقابُ الزُّورِ عن بُهتانِها ... إلاّ رِقابُ المجلِس التأسيسي لولاَ الشماتةُ بالبلادِ وأهْلِها ... ما كان هذا المجلسُ التأسيسي هل فاتَ مِنْ ذَنْب لنا عن غَفْلة ... فإذا العقابُ المجلسُ التأسيسي؟ أم أنّنا وُرثاءُ دَيْن سابِق ... وسَدادُهُ بالمجلسِ التأسيسي؟ قالُوا نمثّلُكُم هُنا قُلنا بَلَى ... من نحنُ لولا المجلسُ التأسيسي وتُمثِّلُون على الخليقة كُلِّها ... والرُّكْحُ هذا المجلسُ التأسيسي ثُرْنَا لنَزْرَعَ أرْضَنَا حُريّةً ... فأبتْ نُصُوصُ المجلسِ التأسيسي وتوهّجت في الرُّوحِ شمسُ كرامة ... فتثلّجت في المجلس التأسيسي لا نطْلُبُ الدُّستُورَ إلاّ شَقَّنَا ... سَاطُورُ هذا المجلِسِ التأسيسي لو أنّنا في السِّحْرِ رُمْنَا سيِّدًا ... ما سَادَ إلاّ المجلسُ التأسيسي جئناهُ شعبًا واحِدًا فإذا بنا ... شَتَّى بفضل المجلس التأسيسي يا ربّ إنّ الموت حَقٌّ قائِمٌ ... لِمَ طالَ عُمْرُ المجلسِ التأسيسي؟ قال سندباد السياسة: فاقتربتُ منه وقد ساورتني الظنون فإذا هو والله صاحبي الربيع الذي خُيّل إليّ أنّه غرق إلخ.. فحمدتُ الله على سلامته ثمّ قلتُ ويحك هل تهجو المجلس التأسيسي في بلاد المجلس التكريسيّ؟ فوضع يده على كتفي وقال: هل ترى فرقًا بين عُبّادِ الكراسي وصُنّاع المآسي؟ والله لولا شيء من الحياء دفين لأخذت عبارة التكريس في الحين وأحللت الزاي محلّ السين! قلتُ وما العمل يا ربيع الثورات؟ قال صبرًا يا صديقي فإنّ لكلّ مقام مقامات!!