عجب عُجاب بعض ما يجري فوق هذه الأرض...الحديث عن الدستور ممجوج وقد نقلوه الى الشارع بعنوان «الاستشارة» لكسب المزيد من التأخير وصمُّوا آذانهم عن عورات فيه كشفها كبار أساتذة القانون الدستوري في بلادنا..ومن يدري ربما يعود مجلدات من المطالب إلى إدراج المتناحرين في المجلس التأسيسي لمزيد الجدل والتفلسف ...والدساتير في العالم كله عناوين الا عندنا فإنه يبدو أننا نريد تضمينه كل شيء إلا أوقات الصلاة..لا نتحدث عن الميزانية القادمة وقد صرخ الاقتصاديون يقولون انها تقوم على القروض والصدقات فيما «الثوريون» الذين «تطوعوا» لخدمة الشعب حرصوا على زيادات مخصصاتهم فيها بنسب مثيرة للتساؤل ...لا نتحدث عن ممارسات زعموا القطع معها فإذا بهم يقطعون أشواطا إضافية لتكريسها: إعلام مُدجّن، عدالة عرجاء، مماطلة وتستر على الحقائق وتكذيب لصور ووثائق... إحصائيات اعترف المكلف بها وهم الذين عينوه بانهم هم الذين يختارون منها ما ينشرون ويخفون مالا يريدون الخ .... الأخطر من كل هذا هذه «الشرعية» التي فرّخت «شرعيات»...باسم النضال النقابي شرعية لا نكران لها في الواقع لكنها انتقلت إلى التعالي الأجوف...باسم «النضال» (سابقا) شرعية لكنها للبعض دون آخرين فمن ماتوا من اجل حق في الحياة لا تعويض لهم مثل الذين ماتوا من اجل حزب ولا ذكر لمن ماتوا من اجل الوطن ..بعنوان المرتبة الأولى في الأصوات شرعية انتخابية مستبدة كان يمكن لها الا تكون لولا عكازات تسندها ...وشرعية ثورية او بالأصح شرعيات ثورية ..باسم الثورة تنتهك حقوق ويدمر اقتصاد وتخنق حريات ...باسم الشرعية الثورية الزائفة تخرج كراديس تحرق وتدمر..باسمها تقطع طرقات ..باسمها تجري المطالبة بإلغاء الوجود لشرائح من الشعب سياسية او اقتصادية او ثقافية ..باسم الشرعية الثورية تتشكل ميليشيات تدعي حماية الثورة تختار نفسها بنفسها وتخرق كل القوانين ولا ضوابط لها الا على الورق في الممارسات ...ومن دون الدفاع عن احد فإن ما حصل في جربة ومن قبلها في سيدي بوزيد وفي قفصة وصفاقس وفي العبدلية وفي كل مكان تقريبا من مهاجمة (حرس الثورة) لاجتماعات وتظاهرات هو تجاوز للحد بل استنقاص من دور الشعب في إسقاط النظام السابق فهل الشعب غبي لدرجة قبولها من جديد مهما كان لبوسها وهل هو عاجر عن حماية ثورته حتى ينيب عنه غيره؟
الواضح أن القضية كلها تنحصر في رغبة مجنونة في الاحتفاظ بكراسي أو السعي لامتلاكها ...لجان الثورة تريد ان تبقى التركيبة الحالية في كرسي القرار وبالقوة والترهيب حتى لا يفكر احد في إزاحتها ولو بالشرعية الديمقراطية ...والواضح أن الجالسين على الكراسي الآن همهم الأول والعاشر ألا يفقدوها ومن منطلقها تتخذ معظم القرارات وترتب المواعيد وتؤخذ الصور ويدلى بالتصريحات ...ومهما كانت النوايا طيبة (إن وجدت) ومهما كانت الجهود مبذولة من اجل بناء دولة ما بعد الثورة فإن الحرص على الكراسي سيظل سبب المآسي جنبنا الله إيّاها.