عند كل احتفال باليوم العالمي للمرأة، ظلّت نساء تونس تفاخرن بما أنجزن، وتخططن لمكاسب جديدة، ولكن الوضع خصوصا هذه السنة أصبح مختلفا، فالمرأة في تونس يسكنها شعور أنها مهدّدة، ويلفّها اعتقاد أن مكاسبها قد تضيع. وذلك على الرغم من تطمينات تحاول الطبقة السياسية الحاكمة الجديدة ارسالها اليها، ومن محاولات تسعى الى طمأنتها. والمرأة في تونس تعتقد إن عن وعي أو بالوراثة أن الطرح الاسلامي الذي يخصّها هو في أعماقه لا يرضى عن الكثير من حقوقها، ولا يقبل بالكثير من القوانين الوضعية التي شرّعت لأجلها. وهذا الهاجس الكامن فيها غذّته عدّة أشياء ألهبت شكوكها، وحيّرت ظنونها، من ذلك الحديث عن اعتماد الشريعة في الدستور، والنقاش حول اعتبار المرأة كمكمّل للرجل لا كمساو له. هذا بالاضافة الى طرح اشكاليات اجتماعية مثل ظاهرة العنوسة وربطها بتعدد الزوجات، والى الزّعم بأن نساء كثيرات لا تجدن حرجا في التعدد بل وتعتبرنه حقّا إلاهيا، وحاجة رجالية. ولعلّ ما زاد في إثارة مخاوف النساء التونسيات هو أن مثل ذلك الحديث، ومثل تلك الاشكاليات، قد صدرا عن وجوه تنتمي الى ما يسمى بالاسلام المعتدل، وعن شخصيات تنتمي الى حركة النهضة التي أصرّ أعضاء فيها بما قالوه من كلام، وما أتوه من سلوك، وما جاؤوا به من مواقف، على إعادة ترويج ذلك الحكم القاطع تجاهها، وهي انها حركة لم تحسم أمرها في الكثير من المواضيع المصيرية، وأنها تعتمد خطابا مزدوجا، وأنها مسكونة بأدبيات الاخوان المسلمين، وهي أدبيات لا تخرج البتة عن اعتماد الشريعة وتحقيق أهدافها، والحكم بقوانينها، مع انتظار الفرصة المواتية لذلك، والتدرّج في تحقيق الهدف النهائي والغاية الكبرى.
ولا يكفي أن تصدر أصوات عن النهضة تعارض ما قالته أصوات أخرى، أو تشرحها بعكس ما فيها، أو تقلل من أهميتها داخل الغالبية الساحقة في هذا التنظيم واظهارها كأصوات لأقلية لا تأثير لها. ان ذلك لا يكفي فقط بل لعلّه أيضا أكّد عكس ما يسعى إليه، فأثار ريبة جديدة، وأيقظ هواجس أخرى، وكيف لا يفعل ذلك، والناس يسمعون الى صوت نسائي يطالب من تحت قبة المجلس التأسيسي بالفصل في وسائل النقل بين النساء والرجال، وبمنع الاختلاط، والى صوت رجالي ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف ويروّج الى الزوجة الثانية؟
إن هذا الأمر الذي انطلق منذ البدء في مناقشة بنود الدستور هو الذي حوّل طمأنينة المرأة الى هواجس وانشغال وشكوك تجاه نوايا مدفونة تتربص بها، وخطط غامضة قد تسلب منها ما تعتز به من مكاسب.