جولات شاقة خاضتها الاطراف المفاوضة في حركة النهضة لتشكيل الحكومة الشرعية الثانية كللت بالنجاح أخيرا، ودون استرداد للأنفاس انطلقت قيادتها مباشرة في الاعداد للمرحلة الموالية. مشاورات تشكيل الحكومة حافظت على عنصر التشويق حتى اخر لحظاتها ولم يستطع احد الجزم بصحة التسريبات التي دأبت على ترويجها عديد الاطراف بقصد او دونه ،بعض المتابعين انتابهم القلق من طول المفاوضات وتشعبها وكثرة الاشتراطات والمراوحة بين القبول والرفض والتردد ووصف جميع المفاوضين من الاحزاب او الكتل النيابية بأوصاف حادة احيانا مثل التعطيل المتعمد بقصد تفويت المدة الزمنية القانونية او الابتزاز المفضوح رغبة في الفوز بمقاعد اضافية لا تتناسب مع الحجم الحقيقي في مقابل التساهل المفرط والتفريط في مواقع قدمها الناخبون لأحزاب بعينها.
ولكن الانطباع العام الحاصل ان الاطراف المفاوضة في حركة النهضة برهنت على سعة صدر كبيرة وقدرة على الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة خلافا لعديد الاطراف الأخرى يحسب للنهضة أنها اختارت الحل الصعب وهو ايجاد ارضية توافق ومشاركة واسعة تعطي للجميع الفرصة للمساهمة في بناء المرحلة القادمة، وقد ترك هذا الخيار انطباعا جيدا في داخل البلاد وخاصة في خارجها من الاطراف الدولية التي اصبحت تنظر الى التجربة التونسية بإعجاب. قياديو الحركة الاسلامية يرون ان روح الوفاق التي برزت خلال المشاورات الاخيرة مثلت رصيدا مضافا لبقية التنازلات التي قامت بها حركة النهضة لانجاح تجربة الحكم مثل التنازل عن ادراج فصل يؤكد على جعل الشريعة مصدرا للتشريع والتنازل عن النظام السياسي البرلماني الذي كانت تتشبث به ثم التنازل عن وزارات السيادة ورغم ان بعض حلفائها انفسهم تمسكوا بعدم تحييد وزارات السيادة مثل حركة وفاء.
انطلق سباق الانتخابات
قيادات النهضة عبرت عن ارتياحها للنتيجة المحققة وقد صرح السيد عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس الحركة عن تفاؤله بنجاح المرحلة القادمة بسبب الروح العالية من الوطنية التي طغت على اجواء المشاورات وأكد على ان المرحلة المقبلة تتطلب كثيرا من العمل والتضحية وتضافر الجهود لمعالجة القضايا الملحة وعلى رأسها مزيد تحسين الوضع الامني وتطبيق القانون ومقاومة غلاء المعيشة والضرب على ايدي المحتكرين والمهربين والحرص على تنقية الاجواء السياسية انطلاقا من تسريع اعمال المجلس الوطني التأسيسي للانتهاء باسرع وقت ممكن من مناقشة الدستور واعداد الانتخابات القادمة.