هل سيكون للسيد عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع المستقيل دور سياسي في المرحلة القادمة؟ كان الحضور الإعلامي لوزير الدفاع المستقيل الدكتور عبدالكريم الزبيدي لافتا للنظر وتجاوز الحدود المتعارف عليها في المؤسسة العسكرية وقياداتها التي عادة ما كانت تكون بعيدة عن أضواء الاعلام وتجاذبات السياسة والأحزاب.
واكثر من ذلك الحضور الإعلامي فان الرجل كسب تعاطف قطاعات واسعة من النخب والسياسيين والرأي العام نظرا الى عمق القراءة التي قدمها والتي تتقاطع مع ما دأب عليه الكثير من الفاعلين السياسيين وخاصة من المعارضة في نقد الأوضاع التي تعرفها البلاد والمطالبة بوضوح الرؤية السياسية ووجود خارطة طريق واضحة للمواعيد السياسية والانتخابية المنتظرة.
الدكتور الزبيدي باختصاصه العلمي والطبي اظهر قدرة على تشخيص أمراض السياسة في تونس ووجه اصابع اتهام ونقد لا غبار عليها الى التجاذب بين الاحزاب الذي اضر بواقع البلاد وضاعف من التحديات والرهانات ودقق مليا في أدوار ووظائف المؤسسة التي كان يشرف عليها ورصد جيدا الحالة التي عليها الجيش التونسي من إرهاق وتعب وانخراط غير محسوب العواقب في أوضاع التأجيج والتجاذب التي يصر عليها الفاعلون السياسيون.
حيادية وإصرار
كما أصر الرجل على التأكيد على حيادية المؤسسة العسكرية وابتعادها عن المهاترات السياسية والحزبية وهو عنصر إيجابي عبرت كل الاحزاب عن الارتياح حياله، فالجيش التونسي وبخلاف محطات قليلة جداً (مؤامرة 1962) كان على الدوام طرفا محايدا ورفض الانخراط في لعبة الصراع على كراسي السلطة والحكم بل انه ساهم في أدوار وطنية غير تقليدية منها بالخصوص الدور التنموي حيث جسد مشروع احياء الصحراء برجيم معتوق على وجه التحديد الدور المحوري الهام الذي يمكن ان يلعبه الجيش في تنمية المناطق الداخلية والمحرومة ووقف مخاطر زحف الصحراء في عمق الجنوب الغربي التونسي.
كما ان الجيش رفض تولي السلطة بعد هروب الرئيس السابق على الرغم من الفرصة السانحة حينها بل انه تمسك بمدينة الدولة وكرس حياديته بل وضع كل طاقاته وقدراته في سبيل رعاية الثورة وحماية مسار الانتقال الديمقراطي.
ومن المؤكد ان الدكتور الزبيدي كان مجبرا على الحديث بتلك الطريقة التي لم ينازعها فيها الا القليلون (حزب المؤتمر ورئاسة الجمهورية) على اعتبار الوضع السياسي والأمني والاجتماعي الدقيق الذي كانت تمر به البلاد.
ولكن حديثه طرح أكثر من سؤال عن رغبته الشخصية في لعب دور سياسي بعد خروجه من الوزارة كما فعل مصطفى كمال النابلي وحسين الديماسي وياسين إبراهيم وسعيد العايدي.. وربما عن دور المؤسسة العسكرية بعد سنتين من التواجد الميداني، ومباشرة الملفات المعقدة، إضافة الى المهام الأمنية وخاصة المرتبطة بتأمين الحدود والتصدي للإرهاب.
طموح الزبيدي السياسي مطروح ومشروع ومحتمل وان كان محرجا للمؤسسة العسكرية، وخاصة بعد استقالته المدوية والتي ربطها بانزعاج المؤسسة العسكرية من تواصل المشهد الضبابي.
تسريبات ومحاولة جر
هذه المؤسسة التي حاولت أطراف عديدة جرها الى معترك السياسة، وخاصة عبر التسريبات الإعلامية او التصريحات مثل تصريح الزبيدي الذي كاد ان يتحول الى « قنبلة إعلامية سياسية».
الواضح ان المؤسسة العسكرية المعنية بأمن البلاد لن تقبل بأي دور سياسي، يورطها في فخ التجاذبات الحزبية، ويؤثر على حياديتها وانضباطها، وكل المميزات التي جلبت لها الاحترام قبل الثورة وبعدها. ولكن يبقى خروج وزير الدفاع السابق بهذه الطريقة الاستعراضية « لغزا» ستحل الفترة القادمة شفراته خاصة في ظل السجال الواسع مع وجوه سياسية من امثال عدنان منصر الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية والهادي بن عباس القيادي في المؤتمر والمرشح لتولي منصب مستشار لدى رئيس الدولة :فهل يخير الزبيدي الاعتكاف ويبتعد عن الأضواء، ام ينخرط في السياسة من احدى البوابات؟ وهي كثيرة ومفتوحة على اكثر من سيناريو واكثر من احتمال ومنها اساسا التكنوقراط المعني بالسياسة.