احرق صباح أمس شاب نفسه، أمام مبنى المسرح البلدي وسط شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة، أمام ذهول المارة، الذين تمكن بعضهم من اطفائه وانقاذ حياته. كان عدد من المواطنين، يسابقون الزمن في حدود الثامنة والنصف صباحا، وكانت مقهى «لونيفار» تستقبل كعادتها نفس حرفائها، كان الطقس ربيعيا، وازدحام السيارات بدأ ينقص، حافلة صفراء تقف فوق الرصيف الأوسط بين ضفتي شارع بورقيبة، كان على متنها أعوان أمن بزي أسود.
فجأة يقطع صوت قوي، جاء صارخا دون أن يتمكن رواد المقهى من تمييز ما قاله، وفجأة ظهرت سحابة من اللهيب المحيط به دخان أسود، انتفض الجميع وتوجه الى مكان الحادثة ظنا منهم، أن سيارة احترقت، ومنهم من اعتقد عملا اجراميا استهدف بعض سيارات رواد مقاهي صباح العاصمة، بمجرّد الاقتراب من مكان النار كان اللهيب يتحرّك، فإذا به بشر يحترق، كان صراخ امرأة يملأ المكان، فاعتقد الجميع بأنّ النيران تكسوا جسدا أنثويا، أراد طلب النهاية، لكن بالاقتراب أكثر تبين أن المعني بالاحتراق هو شاب في العقد الثالث من عمره.
تقدم بعض المواطنين من كتلة اللهيب وبدأوا بعمليات اطفاء يدوي، وتمت تغطيته بملابس، وبعد صراع لم يتجاوز الدقيقتين تمكنوا من السيطرة على النيران التي أكلت جزءا من بدن الشاب الذي لم يعد قادرا على الحركة.
عمت رائحة الاحتراق المكان، وكان غثيان المشهد غالبا على كل الصور، بدت رائحة الوجود مفعمة بشواء اللحم البشري، ما أقسى المشهد وما أفظعه. تجمع الناس حول الشاب الذي بدا كأنه متفحّم، وبعد دقائق حلت سيارة رباعية الدفع كانت تسير عكس اتجاه الطريق، ثم نزل منها أعوان امن سيطروا على الوضع وبدأوا بتيسير حركة السير.
بعد ربع ساعة، كانت منبهات سيارة الحماية المدنية الحمراء تشق شارع الحبيب بورقيبة، ثم أُبعِد المتجمعون وتم نقل ما تبقى من جسد الشاب الذي أصبح بلون الجمر المنطفئ إلى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس حيث يرقد في حالة صحية صعبة حسب تأكيدات شقيقه وأفراد عائلته الذين تواجدوا بالمكان. بقي العشرات ممن عاينوا الحادثة في حالة هلع ودهشة، وكان الجميع يلتفت ويسأل، تونس الى أين؟ لماذا يقدم شاب في مقتبل العمر على حرق نفسه، بأسلوب مازوشي؟