لست من أتباع الرئيس بورقيبة وما كنت ولن أكون ولكن الاختلاف مع الآخر لا يلغي قول حق فيه. يعلمنا التاريخ ألاّ تقدم للأمم إلاّ بإعطاء حق الاحترام للصديق وللمختلف إذ تبنى الشعوب بذاك التراكم والنقد المستنير للسابقين ضمانا لسلمية الاجتماع وقانونيته و تواصل مدنيته في وجود دولة ديمقراطية مقدسة لحق الاختلاف .رحل «بن علي» بغير رجعة رحل الرجل الذي أساء لرموز الوطن أمواتا وأحياء حتى أنّ بارونات اعلامه أفسدت على الشعب التونسي نكهة توديع رجل امن الملايين به وبتاريخ نضاله وبتمشيات دولته .ونذكر بمرارة ما فعلته تلفزتنا قناة 7 في ظهيرة يوم وداعه اذ كانت تبث علينا بوقاحة عجيبة صور الاسماك ومشاهد حبلى بالطبيعة في أبهى فصولها حيث البحر وثرواته والشواطئ والأشجار والشمس ضمن مصاحبة موسيقية لها في القلب أوجاعها . مات «الحبيب بورقيبة» 1903- 2000 أول رئيس للجمهورية التونسية 1957-1987 في بلده وما خدشه أحد في عرض و ما كان له من مال غير قليله ولا زلت أذكر ما حدّثني به أحد كبار وزرائه الراحل «محمد مزالي» في اواخر 2008 عن صفع الرئيس لابنه الوحيد الحبيب في ستينات القرن الماضي عندما علم باقتنائه بماله الخاص لأرض في تقسيمات «نوتردام» بتونس وإجباره على التراجع عن ذاك . مات بورقيبة وكانت ذكراه صورة تواصل تأويلي مع هذا الحدث وفرصة جديدة للبحث عن استشراف
مستقبل هذا الشعب بعد ثورة الكرامة . لقد أصدر عدد من الباحثين في التاريخ السياسي الحديث لتونس و بعض السياسيين من المقربين من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مجموعة من الكتب التي جاء بعضها في شكل دراسات وبعضها الاخر على شاكلة مذكرات أو اعترافات أو رؤى مختلفة لواقع سياسي كان «المجاهد الاكبر» محورها. وفي تقديرنا تظل هذه الاحكام والتقييمات شهادات تتجاوز ذوات أصحابها الى تاريخ جديد لشعب بدأ يتلمّس حياة المدنية مع سياسي متميز المواقف والرؤى اختار له محبوه أن يكون كبير العائلة.