مازال موضوع أبنائنا الذين يزجّ بهم في تجارة الموت ليكونوا وقودا في الحرب التي تشنّها أطراف عربية وإقليمية ودولية على سوريا يسيل الكثير من الحبر.. وقد ارتقى مؤخرا بفضل الضغط الاعلامي التي مارسته وسائل إعلام وطنية مكتوبة ومرئية ومسموعة الى مرتبة متقدمة جدا في جدول اهتمامات الرأي العام التونسي. وقد ظلّ هذا الموضوع على مدى شهور طويلة من المواضيع المسكوت عنها.. ولم تتحرّك: لا الوزارات ولا الأجهزة المعنية لوقف التيار.. بما يساعد على استفحال المسألة: شبكات وجمعيات ودعاة تغسل أدمغة الشباب وتستغل ضيق إمكاناتهم المادية وتعاسة ظروفهم الاجتماعية ومحدودية ثقافتهم التربوية والدينية فتعبئهم للتحول الى الشام بذريعة «الجهاد».. وهناك تتولاهم شبكات أخرى تحوّلهم الى وقود في حرب هي أبعد ما تكون عن الجهاد لأن المسلم يقتل فيها أخاه المسلم ليخسر الطرفان القاتل والمقتول.. ويكسب من يسحب الخيوط ويحرّك الدمى ويموّل ويدرّب ويسلح وهو عادة جالس في أنقرة أو الدوحة أو واشنطن أو تل أبيب أو لندن أو باريس.
والنتيجة مآس في آلاف العائلات التونسية التي فجعت في فلذات أكبادها.. وتنامي هذه الظاهرة التي أخذت أحجاما مرعبة في ظل صمت البعض وتغاضي البعض وتواطؤ البعض الآخر.. فهل يصدّق أحد أن الأجهزة أو على الأقل بعض الأجهزة الأمنية لا يمتلك كل المعلومات عن الأطراف التي تقف وراء تجارة الموت هذه..؟ وهل يصدّق أحد أن تسلّل آلاف الشباب وتدفقهم عبر المطار وعبر منافذ برية باتجاه ليبيا كمحطة أولى نحو رحلة اسطمبول ومنها الى بلد الشام يمرّ هكذا دون لفت الأنظار ودون طرح أسئلة على الجهات الأمنية؟ وهل نصدّق مقولة إن تجارة الموت لا تدخل في اهتمامات الأجهزة الأمنية طالما أن الشباب يسافر بطريقة عادية؟ وهل نصدّق أن الأجهزة قد فاتها أن هناك شبكات لتدليس وافتعال جوازات السفر وللتمويل واصطياد المزيد من مريدي «أموال الجهاد»؟
أسئلة لا يعني طرحها تحميل المسؤولية بكاملها للأجهزة الأمنية بل وأساسا للساهرين على تسيير شؤون البلاد على اعتبار أن المسألة مسألة وطنية وأن ضحاياها شباب وطاقات حيّة كان أولى بنا تعبئتهم لكسب معركة التنمية والجهاد ضد التخلّف والفقر وهو جهاد أكبر كما أكد ذلك الرسول الأكرم ے.
وهي أسئلة تقرع أبواب ضمائر من هرولوا لقطع العلاقات مع سوريا ومن تهافتوا على استضافة ما يسمّى «مؤتمر أصدقاء سوريا».. ومن تغاضوا عن المساجد والجمعيات وهي تتحول الى مصائد لشبابنا.. وهي تدعوهم الى وقفة حازمة لوقف هذا النزيف وتوظيف طاقات شبابنا في ما يبني ولا يهدم.. وفي ما يزرع الأمل والحياة وليس الموت والخراب..