بدأت المعالم الاولى لمشروع الحوار الوطني تتضح في ظل حالة الترقب والانتظار التي تشهدها الساحة السياسية في بلادنا، وتبدو آفاق النجاح واعدة بسبب الحرص المبدئي على تشريك جميع الاطراف فيه. يعتبر عدد من المحللين ان الهدوء النسبي الذي يطبع الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد في الايام الاخيرة تعود اسبابه الى الخطاب المتوازن الذي ساد اثناء مشاورات التشكيلة الحكومية ، اذ غاب التشاحن اللفظي ومنطق الاقصاء وحضر عوضه الحديث عن معاني المشاركة والتوافق والحوار بل ان الامر تجاوز التصريحات الى الفعل المباشر بالخطوة التي قام بها رئيس الحكومة في التشاور مع بعض الوجوه الدستورية مثل كمال مرجان والباجي قايد السبسي وقابلها تصويت اعضاء حزب المبادرة على التشكيلة الوزارية في المجلس الوطني التأسيسي.
حالة الترقب والتهدئة لا يمكن المراهنة عليها او الركون اليها طويلا اذ يمكن ان ينقلب الامر الى النقيض تماما وتعود الاوضاع الى المربع الاول بمجرد حادث بسيط قد يقع على وجه الصدفة ، وتبدو الاطراف المسؤولة واعية بهذه المسألة بشكل جدي لذلك تكثفت الاتصالات خلال الايام الاخيرة لإيجاد شكل حواري يراعي جميع الاطراف ويحفظ وزنها وقيمتها الاعتبارية ويؤسس على ما تم انجازه خلال محطات سابقة مثل مبادرة الحوار التي رعاها الاتحاد العام التونسي للشغل.
جمع لكل المبادرات
الجهات الحكومية المسؤولة توجهت الى ايجاد صيغة توافقية تكون منطلقا لاطلاق حوار وطني يجمع كل الاطراف ولا يستثني احدا ويتم خلالها تحديد اهم المسائل الخلافية المطروحة على الساحة بهدف ايجاد توافقات تبعد اسباب التوتر وتنقي الاجواء من الاحتقان المبالغ فيه وفي نفس الوقت تحفظ لكل كيان سمعته واعتباره لذلك تم التوصل الى ان تنطلق فعاليات الحوار من قصر قرطاج بوصفه مقر السيادة الوطنية وبما يحمله من رمزية لدى جميع الاطراف وبعد ذلك يتم نقل الحوار تحت مظلة الاتحاد العام التونسي للشغل فيكون بذلك اعترافا له بما قدمه من مبادرة وسبق في هذا المجال ثم تتحول الجلسات النهائية للحوار الى داخل المجلس الوطني التأسيسي وينتهي بمباركة الاتفاقات الحاصلة بين جميع الاطراف في كامل المراحل التفاوضية .
هذه الصيغة وافق عليها الرؤساء الثلاثة لكونها تضمن القيمة الاعتبارية لكل الاطراف وتمكنها من لعب دور حقيقي دون اقصاء او انفراد. وقد تم التداول بينهم في ما يمكن ان يتم الحوار حوله واتفقوا على ان اهم القضايا الحارقة هي الرزنامة الانتخابية والنظام السياسي والقانون الانتخابي وتنقية الاجواء التي تمكن من المرور الى الانتخابات في احسن الظروف ، اما القضايا الخلافية فيمكن تأجيلها الى مرحلة لاحقة حتى تتبلور الرؤية اكثر حولها او على الاقل حتى لا تكون حائلا دون المرور الى المحطة الانتخابية القادمة التي يجب ان تتوفر لها كل اسباب النجاح.