لم يسبق للتونسيين ان عاشوا مخاوف وهواجس من التعرض للبراكاجات والسرقات والاغتصاب والتحيل والغش والقتل كتلك التي يعيشونها منذ بضعة أشهر على مدار الساعة وفي مختلف المناطق.. ورغم أن المجتمع التونسي يعرف هذه المظاهر منذ سنوات ، إلا أن تفاقمها الآن جعل التونسيين يخشون خطرها أكثر من العادة . مؤشرات عديدة في تونس اليوم تدل على تنامي الجريمة وتزايد الانفلات الأمني أكثر من العادة رغم ما تبذله قوات الامن من مجهودات مضنية وجبارة للتصدي للظاهرة . وتتدعم هذه المؤشرات بلغة الارقام وبصيحات الفزع التي يطلقها الحقوقيون والناشطون في المجتمع المدني في مجال التصدي للجريمة مثلما تتدعم أيضا بمواقف رجال الامن والقضاء الذين يباشرون مثل هذه القضايا . أما عن الاسباب فيؤكد المختصون أنها عديدة منها تراجع أداء المؤسسة الامنية واستشراء المشاكل الاجتماعية من فقر وبطالة وغلاء المعيشة وانتشار آفة المخدرات والحبوب الدوائية المخدرة إلى جانب غياب أسباب الترفيه والتثقيف لدى الشباب . هاجس يومي شهادات عديدة من مواطنين تحدثت إليهم «الشروق» تؤكد كلها أن التونسي أصبح يغادر منزله في الصباح وقد وضع في حساباته كل فرضيات انتشال هاتفه الجوال أوحقيبته اليدوية أوحاسوبه أوما بحوزته من أموال.. واصبح التاجر والموظف والعامل مهووسا بفرضية التعرض لمداهمة في مقر عمله قصد سلبه.. أما النسوة والفتيات فقد أصبح شغلهن الشاغل على مدار اليوم ، وحيثما تواجدن في الشارع وفي المقهى وفي وسائل النقل وفي «الحومة» هوتأمين الحقيبة اليدوية والمصوغ من نشل مُحتمل إلى جانب تامين أنفسهن ضد فرضية تحويل وجهة قد تكون نهايتها اغتصابا مؤلما كالذي تعرضت له مؤخرا الزوجة الحامل امام أنظار زوجها . فيما أصبحت سلامة التلاميذ الصغار امام اوداخل المؤسسات التربوية شغلا شاغلا لأوليائهم طوال النهار. مدن نائمة مخاوف التونسيين من خطر الجريمة تزداد حدة مع حلول الليل، إلى درجة ان التنقل ليلا ، مشيا على الأقدام اوباستعمال السيارة اوالنقل العمومي، إما لقضاء شأن أوللتنزه والترفيه اوللعمل، أصبح هاجسا مخيفا للكثيرين. فكان لذلك أثر ملحوظ على الحركية الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية ليلا، إلى درجة أن أصبحت أغلب مدننا بما فيها العاصمة وبعض المدن السياحية تنام باكرا. وفي هذا السياق يقترح خبراء وملاحظون ان تعمل الدولة كل ما في وسعها من اجل تأمين تنشيط الحركية الليلية في المدن (عروض ترفيهية وثقافية فتح المتاجر الترخيص لخدمات المقاهي والمطاعم ضمان النقل العمومي الليلي تكثيف الحضور الأمني). فذلك كفيل في رأيهم بأن يجعل المنحرفين لا يغادرون «جحورهم» ليلا لأن كثافة الحركية قد تمنعهم من اتمام اعمالهم الاجرامية. فقر وتهميش من بين الأسباب المباشرة لتنامي ظاهرة الاجرام في أي بلد من العالم هي حالة الفقر والتهميش التي تعيشها بعض الفئات. وفي تونس ما بعد الثورة، ارتفعت ظاهرة البطالة وزاد تهميش وفقر عديد الجهات والأحياء الشعبية، وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل ملحوظ وغابت تماما أسباب الترفيه والتثقيف في أكثر من منطقة . وكل هذه العوامل ادت حسب خبراء علمي النفس والاجتماع إلى احداث فراغ رهيب في عقول وأذهان عديد الشبان وأيضا الكهول ما دفعهم إلى محاولة ملء ذلك الفراغ بشتى الطرق . فلم يجدوا من حلول غير الاقبال على المخدرات والخمر للترفيه عن النفس والسرقة لتوفير المال. أسلحة وغاز وصواعق كشفت عديد الجرائم التي اوقف مرتكبوها عن انتشار ملحوظ لدى عديد المنحرفين لعبوات الغاز المشل للحركة وللأسلحة البيضاء (من سيوف وسكاكين وشفرات حادة وهراوات وعصي)، وللصاعقات الكهربائية اليدوية. فيما كشفت جرائم قليلة عن وجود مسدسات صغيرة في حوزة البعض وارتفاع ملحوظ في عدد الدراجات النارية والسيارات والشاحنات «المشبوهة» التي تجوب البلاد بلا لوحات منجمية وبلا وثائق رسمية وتسير بسرعة جنونية ويقودها منحرفون وذوو سوابق وسجناء مفرج عنهم ، والتي يقع استعمالها في تنفيذ عديد الجرائم . تشديد العقاب من بين الحلول المقترحة ايضا، حسب مختصي علم الاجرام ، مزيد تشديد العقوبات الواردة في المجلة الجنائية. فالعقوبات الخاصة باستعمال المخدرات والحبوب المخدرة (التي تفقد الوعي تماما) وبحمل السلاح الأبيض وباستعماله وبجرائم السرقة وبجرائم النشل و«البراكاج» يعتبرها كثيرون «لينة» وغير صارمة وبالتالي غير رادعة وتشجع على العَوْد وهوما يتطلب مراجعتها عساها تساهم في التخفيف من عدد الجرائم. إلى جانب تشديد العقوبات على كل من يهرب مثل هذه المواد إلى بلادنا. ويرى آخرون أنه على القضاء ان يحسن التعامل مع ظروف التخفيف التي يتمتع بها عديد المتهمين . فمن غير المعقول مثلا ان يحكم السكر أوالمخدرات بظروف التخفيف فذلك يشجع على مزيد تعاطيها وبالتالي يشجع على ارتفاع عدد الجرائم خاصة أن عددا هاما من الجرائم ترتكب تحت تأثير الخمر اوالمواد المخدرة. تكثيف الأمن ما من مرة تقع فيها إثارة ظاهرة انتشار الجريمة والانفلات الأمني إلا وتتوجه أغلب صيحات الاستغاثة نحووزارة الداخلية لمطالبتها ب«توفير الأمن». وتقول وزارة الداخلية إنها بصدد بذل مجهودات كبرى للتصدي للجريمة بأنواعها في مختلف مناطق البلاد. وتكشف تقارير الوزارة والتقارير الاعلامية التي ترافق بين الحين والآخر الدوريات الامنية أن رجال الامن ماضون نحو التصدي بقوة للمنحرفين والمجرمين بأنواعهم من خلال عمليات المداهمة والتواجد في بعض الاماكن «الساخنة» للتحرك بسرعة فضلا عن بذل مجهودات «استعلامية» هامة للوصول إلى منفذي الجرائم. لكن ذلك يبقى غير كاف في نظر المواطن الذي يطالب بمزيد تكثيف الحضور الامني وبمزيد تقريبه منه خاصة في المناطق «السوداء» التي تشهد اجراما أكثر من غيرها مثل الأحياء الشعبية والمناطق المقفرة والمظلمة. حماية عون الأمن يتذمر اعوان الامن من عدم توفر أسباب الحماية القانونية والمادية لهم ولعائلتهم بعد القبض على المجرمين. فالاعتداء على عون الامن يجب ان يصنف كجريمة خطيرة لها اجراءاتها الخاصة ومحاكمها الخاصة وعقوباتها الاكثر تشديدا حتى يرتدع بصفة مسبقة كل من يفكر في الاعتداء على عون أمن. سلاح وتجهيزات كما يتذمر الامنيون أيضا من نقص في تجهيزات العمل ومن تجريد بعضهم من السلاح الناري الذي يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وعن المواطن في حالة الخطر. والدليل على ذلك هوتعرض اعوان الامن انفسهم في اكثر من مرة إلى الاعتداءات المختلفة دون أن يقدروا على الدفاع عن انفسهم كما أن عديد الجرائم تتم على مرأى منهم دون أن يقدروا على فعل شيء. ولسائل أن يسأل لماذا تصر وزارة الداخلية على عدم العناية بهذه الجوانب التي باتت شغلا شاغلا للأعوان إلى درجة أنها تمنعهم احيانا من القيام بواجبهم على أحسن وجه. بلغة الأرقام تقول بعض المصادر أن معدّل نموالجريمة في تونس يعد مرتفعا حيث يتجاوز ال5% . تقول جمعيات نسوية وناشطات حقوقيات إن عمليات اغتصاب النساء والفتيات والقاصرات ارتفع بنسبة 200 في المائة بعد الثورة نتيجة الانفلات الأمني. تقول الارقام إن حالات اغتصاب الإناث تفوق 1050 حالة سنوية موزعة على كامل أنحاء البلاد وتشمل النساء والفتيات وكذلك القاصرات. وقد يكون العدد أكثر من ذلك باعتبار أن عددا هاما من المغتصبات يفضلن الصمت وعدم الكشف عما تعرضن له مخافة الفضيحة. تمّ خلال السنة الماضية إيقاف ما يزيد على 100 ألف شخص من قبل وحدات الأمن العمومي (دون اعتبار من اوقفهم أعوان الحرس الوطني) وهوما يعني ارتفاعا بنسبة 100% تقريبا مقارنة بسنة 2011 التي تمّ خلالها إيقاف ما يقارب 50 ألف شخص. نسبة العود للجريمة في تونس في ارتفاع مستمرّ وهوما يدلّ على أنّ السجن في تونس أصبح بعد الثورة غير رادع للبعض. أغلب الجرائم في تونس تقريبا هي جنح وليست جنايات. حسب بعض الاحصائيات تأتي في المرتبة الاولى جرائم السرقات وفي المرتبة الثانية جرائم المخدرات.
العفوعلى المساجين رغم أنه من حق السجين التمتع بالسراح قبل نهاية مدة العقوبة إذا توفرت فيه الشروط القانونية المطلوبة ، إلا أن عديد الملاحظين يرون أن الحكومة ورئاسة الجمهورية أطنبتا خلال 2012 وبداية 2013 في تمتيع المساجين بالعفووقال كثيرون إن بعض المتمتعين بالعفوعادوا لارتكاب الجرائم بعد خروجهم من السجن وهو ما يعني ضرورة التدقيق في مقاييس العفوولم لا مراجعتها في المستقبل. كما أن المؤسسة السجنية في رأي الخبراء والمختصين مطالبة أيضا بمزيد تطوير عملها في اتجاه تحسين الإحاطة بالمساجين حتى لا يعودوا لارتكاب الجرائم عند خروجهم من السجن.
تهريب الصاعقات الكهربائية والغاز المشل والمخدرات يتهم كثيرون ظاهرة التهريب، فالصاعقات الكهربائية والغاز المشل للحركة والمسدسات الصغيرة وبعض الانواع من الاسلحة البيضاء إضافة إلى المخدرات ، لا تُصنّع في بلادنا ، وهوما يعني انها تتسرب إلينا عبر الحدود وبالتالي آن الاوان لتكثيف المجهودات الامنية والديوانية للتصدي لها قبل أن يستفحل الأمر اكثر إلى جانب تشديد العقاب في هذا المجال.