يقول تبارك وتعالى في مجال التقارب بين الناس برابطة الزواج: {ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكون} (1) أي جعل بين الرجال والنساء محبة وألفة وذلك بالزواج، لغير سابق معرفة ولا لصلة رحم. ويقول سبحانه وتعالى في نفس السياق: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام إن اللّه كان عليكم رقيبا} (2) أي واتقوا الأرحام التي يسأل بعضهم بعضا بها أن تقطعوها كقولهم ناشدتك اللّه والرحم. ويقول تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا} (3) أي جعل للإنسان ذكورا ينتسب إليهم وإناثا يصاهر بهنّ. كما لا يخفى على حضراتكم أن المجتمع الصالح لا يتم له بناء ولا يعظم له شأن إلا بتأسيس أسر قوية سليمة من العيوب والآفات وذلك لا يتأتى إلا عن طريق الزواج المشروع الذي تتحقّق به علاقة الودّ والرحمة بين الزوجين ويتم به إلحاق الأبناء بالآباء والأمهات، ويحتم لهم الرعاية والعناية من طرفهم كثمار مباركة لزواج ميمون ويمدّ الأسر المتصاهرة بروابط جديدة ويحفظ المجتمع الانساني من أخطار التشرد والانحلال. ولكي يحقق الزواج أغراضه المرجوة على الشاب أن يختار ذات الدين والخلق الكريم، التي تسمو عن الصغائر وتوفي بواجباتها الدينية والأسرية وتسعى لتحقيق السعادة المنتظرة لأفراد أسرتها الكبيرة والصغيرة بكلّ حزم وعزم وجدية تمشيا مع ارشادات الرسول الكريم ص القائل في مجال الاختيار: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» (4). فيا لسعادة من كان اختياره لذات الدين والخلق النبيل لما تبديه من قناعة بالميسور ومن رضا بالنّزر القليل، شكورة لربها فخورة بزوجها حريصة على شرفه وماله في حضوره وغيبته، يصدق فيها قول رسول اللّه ص: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وان نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرّته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله» (5). والشاب المسلم الكفء برصيده الأخلاقي والمعرفي وليس برصيده المالي وإن بلغ في المصارف والبنوك آلاف الملايين، لا تردّ عليه خطبة ولا يرفض له طلب لأنه المقدم في هذا المقام والمبجل في ذاك المضمار بما توفرت فيه من شروط ومؤهلات، تساعده على إدارة أسرته الناشئة بحذق ومهارة وبجدية ومسؤولية فيكون في مملكته الصغيرة خير راع لخير رعية. يشهد بذلك الاقتدار الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بتوجيهه النبوي الشريف حيث يقول: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ألاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (6). وخلاصة القول متى كان داعي الزواج الاستعفاف وسنده الاستلطاف بين اثنين، رجل وامرأة متكافئين بدنا وروحا ومشاعر وميولا فهو السنّة والجنّة وهو المتعة والمنّة وهو خير المستقرّ والمقرّ. وإن كان داعيه الطّمع البغيض والتزلّف المقيت بين متشاكسين طباعا وأحاسيس ومتنافرين عواطف وميولا فهو البدعة والجحيم وهو الخسران والإفلاس وهو دار البوار وسوء القرار. لذلك اعتبره الاسلام ميثاقا مقدّسا وشدّد النكير على من يتهاون به أو يخلّ بشرط من شروطه قال تعالى: «وأخذن منكم ميثاقا غليظا» (7) في إشارة إلى ما أمر اللّه به من امساكهن بالمعروف أو تسريحهن بإحساس. فلنخش اللّه في مواثيقنا ولنرعاها حقّ الرعاية وعلى اللّه قصد السّبيل. واقرأوا إن شئتم قول اللّه تعالى في مجال بناء العلاقات البشرية بناء متكافئا مثمرا: «إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكرون» (8). الأستاذ سالم زيتون (ملّولش المهدية) 1) الرّوم (21) 2) النساء (1) 3) الفرقان (54) 4) البخاري ج 7 (ص 9) 5) ابن ماجه 6) ابن ماجه 7) النساء (21)