علاقة الزوجين أحدهما بالآخر قائمة على المحبة والودِّ والسكن والرحمة . قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ) (1) فهما صنوان يكمل أحدهما الآخر ، فالرجل حريص على إسعاد شريكه في العمل خارج البيت ، والمرأة حريصة على تهيئة ما يسعد زوجها داخله ، وعلى مر الأيام يكوّن الزوجان فريق عمل متكافلاً يبذل كل منهما جهده فيما يعود على الاثنين بالحياة الطيبة . والمرأة أضعف الطرفين ، ونصفهما اللطيف ، ينضوي تحت جناح الرجل القوي ، ويُسْلِم له قياده ، ويلقي إليه زمامه ويذوب فيه حناناً ورقة ولطفاً ، ويؤثره على نفسه راحةً ، ويرى ذاته فيه ، وأمانه بين يديه . . . هذه هي المرأة التي وصّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بها دائماً فقال : (( إني أحرّج عليكم حقَّ الضعيفين : اليتيم والمرأة )) (2) ، وتراه في حجة الوداع بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه ، وذكّر، ووعظ قال : (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هنّ عوانٌ عندكم ، ليس تملكون منهنّ شيئاً غير ذلك )) (3) . وجعل الإحسان إليهنَّ من سمات المسلمين ذوي الإيمان الكامل والخلق العالي والشمائل الحميدة فقال : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً (4) وخياركم خياركم لنسائهم )) (5) ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يمشي فتأتي الفتاة الصغيرة تأخذ بيده وتكلمه ، وتنطلق به حيث شاءت ، وهو لا يخالفها إلى أن تنتهي منه فتتركه (6) . وحدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقَّ المرأة على زوجها فقال حين سأله أحدهم : يا رسول الله ما حقُّ زوجة أحدنا عليه ؟ . أ (( أن تطعمها إذا طعمْتَ ، ب وتكسوَها إذا اكتسَيت ، ج ولا تضرب الوجه ، د ولا تقبّحْ (7) ، ه ولا تهجر إلا في البيت )) (8) . ويقول في حديث آخر : (( ألا إنَّ لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فحقُّكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرُشَكم من تكرهون ، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن ، وطعامهنّ )) (9) . والنساء كالرجال ، فيهنَّ الصالحة والطالحة ، والمطيعة والناشزة ، وقد حثّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخير النساء الصالحات زوجات ، ذوات ِالدين اللواتي يضعن خوف الله تعالى وابتغاء رضوانه نصب أعينهنّ ، هؤلاء فقط هنَّ اللائي يبنين البيوت المسلمة ، ويربين الأجيال المؤمنة . ولا يكن هم الزوج البحث عن الجمال والحسب والمال . . فهذه أمور تتغير على مرّ الزمن وقد تعود على الزوج بالحسرة والندامة حين تدلُّ المرأة على زوجها بإحدى هذه الصفات الثلاث . قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( تُنكح المرأةُ لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) (10) وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول : افتقرت أيها الإنسان إن لم تفعل ما أرشدتك إليه . ويؤيد هذا الحديث ما قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المعنى نفسه : (( لا تزوّجوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهنَّ أن يؤذيهُنّ ، ولا تزوّجوهنَّ لأموالهنّ ، فعسى أموالهنّ أن يطغيهُنّ ، ولكنْ تزوَّجوهنَّ على الدين ، ولامرأة جذماءُ (11) سوداءُ ذات دين أفضل )) (12) ، وأين الراحة والسعادة في بيت صاحبته متكبرة تذل زوجها بكثرة مالها أو جمالها الطاغي تعرضه على الآخرين حيث ضعف الدين ، وقلَّ الحياء ، أو بنسبها الأصيل ومحتدها الشريف . .
دين الفتاة سياجها من حمأة الزّمن***الرديء ، وفي الفسادِ المُزبد فاظفر بذات الدين ، قد نادى بها***طه ، رسول الله دون تردُّدِ لا تطلبنْ فيها الجمال ، ولا الجِدا***أو لا تقل أرنو لحُسنِ المحتِدِ إن الجمال بغير دينٍ محنةٌ***والمال يطغيها ، فلا تستبعدِ والبحثُ عن حسبٍ لمحوٍ خسيسةٍ***يرديك في ذلٍّ ، وعيشٍ أنكدِ (14) . والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نبّه الرجال إلى أن المرأة خلقت من ضِلعٍ معوج ، فلا يُنكر اعوجاجُها ولن يستطيع الزوج أن يقيمها على الجادة المستقيمة تماماً ، فهذا وضعها وشأنها ، والتشديد عليها في ذلك قد يؤدي إلى الشقاق والفراق . فإما أن يصبر الزوج على ضعفها فتستمر العشرة ، وإلا يصبر كان الطلاق ، وهو - عليه الصلاة والسلام - يدعونا إلى الترفق بالنساء ، ومراعاة ضعفهن لنبني بيتاً مسلماً قائماً على التفاهم والتراضي فقال : (( إنّ المرأة خُلقت من ضِلَع ، لن تستقيم لك على طريقة ، فإن استمتعت بها استمتعتَ بها وفيها عِوَج ، وإن ذهبتَ تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها )) (15) فأيُّ الأمرين يختار اللبيبُ العاقل ؟ وعلى هذا فالمرأة المؤمنة الصالحة كنزٌ يحافظ الزوج عليه ، وصاحبة ٌ يحرصُ على إكرامها والإحسان إليها ، وقد يبدو منها ما يسيء فهي من بنات آدم وحواء ، مركّبة كالرجال من النقصان ، وكل ابن آدم خطّاء ، وخير الخطائين التوّابون ، فإن بدا منها ما لا يسر أحياناً فقد بدا منها أشياء كثيرة تسرُّ ، وترفع مقامها في عيني الزوج وأهله ، فلا يحسنُ أن يكرهها الرجل ويسيء معاملتها ، وأيُّ الناس معصوم عن الخطأ ؟ . ومَن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها***كفى المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه (16) قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرَكْ مؤمنٌ مؤمنة ً ، إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخرَ )) أو قال : (( غيرَه )) (17) . وحين نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضرب النساء (( لا تضربوا إماء الله )) جاء عمر رضي الله عنه إليه صلى الله عليه وسلم يقول : (( ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن (18) فرخّص في ضربهنّ )) (19) فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد طاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهنَّ ، ليس أولئك بخياركم )) (20) . فرخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربهنَّ ضرباً تأديبياً لا يترك أثراً ولا يصيب الوجه ، ويظهر الغضب فقط دون أن يؤذي الجسد والنفس معاً ، إذ كيف يضرب الرجل زوجته أو يجلدها جلداً مبرّحاً دون رأفة ولا رحمة وكأنها عبد من عبيده أو ملك يمينه ، ثمَّ لا يجد حرجاً في آخر الليل أو آخر يومه أن ينام معها ؟!! قال صلى الله عليه وسلم : (( يعمِد أحدكم فيجلد امرأته جلدَ العبد ، فلعلّه يضاجعها من آخر يومه )) (21) وفي رواية للبخاري : (( يجامعها )) (22) وكثيراً ما يقع الرجال في هذا الإثم نسأل الله السداد والرشاد . بل إنه صلى الله عليه وسلم جعل الهجران قبل الضرب فإن لم ينفع سمح بالضرْب الذي لا يؤذي ولا يفسد ودّاً ، فإن أقرّت المرأة بالخطأ فلْيكُفَّ الزوج عن هجرانها وليمتنع عن ضربها . قال صلى الله عليه وسلم : (( فإن فعلن فاهجروهنَّ في المضاجع ، واضربوهنَّ ضرباً غير مبرّح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً . . . )) (23) . والرسول عليه الصلاة والسلام لم يتجاوز في تأديب النساء ما قرره القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حيث قال سبحانه : (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) . أ (فَعِظُوهُنَّ ) . ب (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ) . ج (وَاضْرِبُوهُنَّ ) . د (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) (24) .