هي أرفع مكانة مما هي عليه المرأة في بعض دول الغرب.. النساء شقائق الرجال.. ولهن مثل الذي عليهن.. تتعالى أصوات الداعين الى حرية المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وهي صرخات لا تجد لها صدى بل لعلها تصنف في خانة" خالف تعرف". ويحاول بعض لمتوجسين خيفة من صحوة الاسلام في تونس واستعادته لموقعه الطبيعي في الحياة العامة أن يثيروا اللبس في أذهان الناس بتركيزهم المتكرر حول حظ المرأة من الميراث، وشهادة المرأة. ولو افترضنا جدلا أنه تساؤل مشروع فلا يمكن بأي حال أن يطرح على عواهنه على نحو يفصله عن النص القرآني، حيث يصبح السؤال من باب " المشاكسة السياسية" للتدليل على أن الاسلام قد هضم حقا من حقوق المرأة وهو عين الخطأ، وهو كمن قال:" هذا ردنا قبل أن نقرأ الكتاب". وقد رأينا أن نفيد القارئ، ونحسم الأمر، ونكف ألسنة المتطاولين عن جهل، لأن ما يطرحه هؤلاء جدال أشبه بالخروج عن النص. يقول الله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم 21 ). المتأمل في هذه الآية الكريمة تتضح له أصالة الموقف الاسلامي من المرأة، اذ خلقت من ذات طبيعة الرجل وليست أقل منه درجة أو مكانة بل مساوية له في التكليف الالاهي. وهذه أسس فطرية بنى عليها الاسلام علاقة الرجل بالمرأة، وأرسى بموجبها أسس التعاون في الحياة الزوجية. قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" ( البقرة228 ) فالرجل والمرأة كطرفي دائرة يكمل أحدهما الآخر، وبهما معا تقوم الأسرة في الرعاية والقوامة، وليس لأحد أن يبغي على خصائص الطرف الآخر. فالدرجة في الآية لا تعني الاستبداد والتسلط" والذين أوتوا العلم درجات" بل هي درجة مسؤولية، ومقع الرجل من الأسرة كموقع الرأس من سائر الجسد، وهي مكانة فطرية طبيعية ووظيفية اجتماعية. فقد كان الرجل ومازال في سائر الأديان والفلسفات والثقافات"رب العائلة" و" أب الأولاد" بل اننا نرى المرأة – حتى في الغرب- تنسب لزوجها بعد الزواج وتهجر نسبتها الأولى لأسرتها التي نشأت فيها. والرجل وفق هذه المكانة يبقى المنفق على الأسرة، والأولى بالبحث عن القوت حتى أن بعض الأوساط تعير الرجل العاطل أكثر مما يلحق ذلك بالمرأة وان كانت قادرة على الكسب. ولذلك كان الرجل أولى بهذه المكانة المعنوية وفق القاعدة المنطقية" الغنم بالغرم". والرجل هو الذي يعد المسكن، ويجهزه ويتحمل عبء الانفاق عليه، وله كذلك سلطة حماية كيان الأسرة وحياض البيت، ونحن نلمس في الواقع أن هذه المكانة التي يتبوأها الرجل لا تحط من مكانة المرأة، ولا تنتقص من دورها. قال تعالى: ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله ان الله بكل شيء عليما" ( النساء 22 ) مساواة في المكانة الانسانية يسعى بعض المتحاملين على الاسلام الزعم بأنه فاضل بين الرجل والمرأة، وخص الرجل بمكانة أرقى من مكانة المرأة، وينظرون الى نصيبها في الميراث والشهادة من هذه الزاوية الضيقة، ليثيروا قضايا حسمت من أوجه عدة، فقد اعتبر الاسلام المرأة كائنا كامل الانسانية مثلها مثل الرجل. يقول الله تعالى :" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا" ( النساء 1 ) ومن الأحاديث النبوية ما يعزز هذه المساواة ويعلي شأن المرأة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" ساووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء". والاسلام يتحدث عن كرامة الانسان كونه انسانا بقطع النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو عرقه ويذر القرآن أن الناس خلقوا من نفس واحدة مما يجعلهم متساوون في الأخوة الانسانية، والله خلق الناس بعضهم من بعض شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وجاء الاسلام ليقطع مع كل الممارسات الجاهلية، وليجعل معيار المفاضلة بين المؤمنين خشية الله والعمل الصالح. والحديث عن المساواة يختلف عن مبدأ التساوي حيث" لا يمكن أن يتساوى الناس في كل شيء، لكن من العدل أن يتساووا في الحقوق والواجبات، فاذا كانت انسانية الانسان وحدها تفرض بعض الحقوق بمقتضى ذلك الانتماء، الا أن صفاته الأخرى مثل التعليم والموهبة والوظيفة قد تمنحه حقوقا أخرى تختلف من شخص لآخر". على ضوء هذه الخلفية يمكن أن نتوقف عند موقف الاسلام من وجهين لما يثار حولهما من جدل وهما الميراث والشهادة. وما يمكن التأكيد عليه هو أن الشرع لم ينظر الى " جنس" الوارث رجلا كان أو امرأة، ولكنه راعى بالدرجة الأولى معيار العدل في اطار المنظومة التي قدرها ومعمار المجتمع الذي ارتآه. والآية الكريمة:" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" (النساء 11 ) لا ينظر اليها من خارج النص، فهو نص قطعي الدلالة، والمس به يعد مسا بالعقائد،وليس بيد البعض تطويع النص باتباع الهوى، فالمجتهد المنصف هو الذي يميز بين الثابت والتحرك، وبين ما يجوز فيه التأويل وما لا يجوز. يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير" في تفسير هذه الآية:" وقوله للذكر مثل حظ الأنثيين، جعل حظ الاثنين هو المقدار الذي يقدر به حظ الذكر، ولم يكن قد تقدم تعيين حظ الأنثيين حتى يقدر به، فعلم أن المراد تضعيف حظ الذكر من الأولاد على حظ الأنثيين منهم، وقد كان هذا المراد صالحا بأن يؤدى بنحو: للأنثى حظ ذكر، أو الأنثيين مثل حظ ذكر، اذ ليس المقصود الا بيان المضاعفة، ولكن قد أورث هذا التعبير لنكتتة لطيفة وهي الايماء الى حظ الأنثى صار في اعتبار الشرع أهم من حظ الذكر، اذ كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية، فصار الاسلام ينادي بحظها في أول ما يقرع الأسماع، وقد علم أن قسمة المال تكون باعتبار عدد البنين والبنات". حكم معايير التوريث التفاوت في أنصبة الوارثين والوارثات محكوم بمعايير ثلاثة: 1 – درجة القرابة بين الوارث ذكرا كان أو أنثى وبين المورث المتوفي، فكلما اقتربت صلة الرحم زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت قل النصيب دون اعتبار جنس الوارثين. 2 – موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال فالجيل المقبل على الحياة( أوج الشباب) ويستعد لتحمل المسؤولية، يكون حظه من الميراث أوفر من الجيل المدبر( الأكبر سنا)، فبنت المتوفي ترث أكثر من أمه، وكلتاهما أنثى، وترث البنت أكثر من الأب حتى وان كانت رضيعة ولم تدرك أباها. وحتى ان كان الأب هو مصدر الثروة للابن والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور. 3 – اذا مات الابن وكان له ولد وبنت، فالابن يرث الضعف لسبب أساسي هو أنه اذا ما تزوج تحمل نفقة زواجه ,اسرته بينما أخته اذا ما تزوجت لن ينقص من نصيبها شيء لأن زوجها هو الذي سيتكفل بنفقتها، ونصيب البنت ليس معرضا للتناقص. أما اذا كانت هناك ظروف خاصة للبنت ( مطلقة أو أرملة أو معوقة) واحتاجت مصدرا اضافيا من المال جاز لوليها أن يقدم لها هبة أو وصية في حدود ثلث التركة تزيد من حظها وتحقق العدل المنشود. ونجد حالات عدة يتساوى فيها نصيب الرجل والمرأة، فاذا توفي شخص عن أب وأم فان كلاهما يأخذ نصيبا مساويا للمرأة، وعدد العلماء 14 حالة تتساوى فيها أنصبة الرجال مع النساء في الميراث. وتختلف أحكام الميراث باختلاف الحالات، ويكون النقص حين تستوي درجة الأنثى والذكر، وتختلف تكاليف كل منهما المالية والاجتماعية، وهناك قاعدة قانونية في جميع النظم تقول: " لا مساواة حين تختلف المراكز القانونية للأفراد" والاسلام لم يخرج عن هذه القاعدة في أي جزئية. شهادة المرأة ولو تطرقنا الى شهادة المرأة مثار الجدل من قبل المنادين بالمساواة، وهم أبعد عن تطبيق هذه المساواة نلاحظ من منطلق مثال واقعي: عندما أقر قانون الاشتراك في الملكية بين الزوجين، وأصبح عدول الاشهاد يضمنون ذلك ضمن وثيقة الزواج تبين أن النسبة الغالبة من الرجال يرفضون مبدأ الاشتراك في الملكية، وأدت الخلافات الى ابطال عقود عديدة، وبينت اسطلاعات للرأي أن الشباب يدعون الى ازالته نهائيا. وما يساعدنا على فهم شهادة المرأة أمام القضاء في الدعوة الى كتابة الدين وواجب التحري فيه لقوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فان لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى" ( البقرة 282 ) وحتى نفهم المقصد من هذه الآية ننبه الى عدة أمور: أ – تعامل فقهاء المسلمين مع النص القرآني باعتباره منصبا على الشهادة في المعاملات المالية والجنايات، لكنهم قالوا ان شهادة امرأة واحدة تقبل في ما هي أعلم به من الأمور مثل الشؤون النسائية المتصلة بالجنس وغيرها. ب – أن العدد لا علاقة له بأهلية الشخص( الشاهد) أو الانتقاص من قدره، ولكن المقصود منه توفير ضمانات الاثبات والبينة، فشهادة رجلين لا تقبل في اثبات جريمة الزنا، وانما يشترك تأكيد الفعل من أربعة أشخاص، كذلك فشهادة المرأة الواحدة لا تكفي في المعاملات والجنايات، لكن يتعين شهادة امرأتين. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة احدى زوجاته ( أم سلمة) في ملكية دار، ثم ان عدالة القضاء والحكم القضائي لا يتعلق بشهادة رجل أو امرأتين أو امرأة واحدة، حيث ينبني أساسا على اثبات الحجة واقرار العدل والانصاف بين الخصوم، وهي ضمانات ضرورية للعدالة في ذاتها والعدد هنا ليس عنصرا حاسما في اصدار الحكم. حالات ترث فيها المرأة واذا ما استقرأنا حالات الميراث كما جاءت في علم الفرائض( المواريث) سيغنينا ذلك عن الحجة والاقناع: هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل، أي في حالة وجود أولاد للمتوفي، ذكورا واناثا في حالة التوارث بين الزوجين، حيث يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه منه. يأخذ أبو المتوفي ضعف زوجته اذا كان لابنها المتوفي ابنة وحيدة فلها النصف، وتأخذ الأم السدس، وللأب الثلث. وتوجد حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل وهي معلومة في كل تفاصيلها في كتب الفقه ومجلة الأحوال الشخصية، بينما هناك أكثر من 15 حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ومنها هذا المثال: اذا مات رجل وترك أما وابنتين وأخا فلو ترك ما قيمته 24 ألف دينار لكان نصيب الأم 3 الأف دينار، ونصيب البنتين 16 ألف دينار( لكل منهما 8 آلاف دينار) ونصيب الأخ 5 آلاف دينار. وتوجد حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الذكور: اذا ماتت امرأة وتركت زوجا وأختا شقيقة وأخا للأب وأختا للأم فنصيب الزوج النصف، وللأخت الشقيقة النصف، ولا شيء للأخت للأب وللأخ للأم. وخلاصة القول أن بورقيبة كان اول من سعى الى فرض المساواة في الميراث، فرغم حماسه وتمسكه بالحداثة والاصلاح الديني فقد تراجع في هذه المسألة، والمرجح أنه لم يجد التأويل المناسب للآية الصريحة مثلما فعل في تعدد الزوجات حيث اشترطت الآية الكريمة العدل وأقرت استحالة ذلك بين النساء. وتذكر الأخبار أنه عندما كان الشيخ محمد الفاضل بن عاشور عميد كلية الشريعة وأصول الدين دعاه بورقيبة وكان يومها مع بعض الشيوخ في مكتبه فاحتاروا عن الأمر الذي دعاه اليه، وكان يومها بورقيبة منهمكا في مراجعة مجلة الأحوال الشخصية، فلما عاد الشيخ بن عاشور بدا عليه الارتباك وأخبرهم أن الرئيس حاوره في قضايا الارث ونصيب الأنثى.. ودار الحوار بينهما أكثر من ساعة ولم يتوان الشيخ في بسط مواقف الشرع ورأي أيمة مذاهب الاسلام الموجب بالكتاب والسنة والاجماع. ورغم ذلك لم يظهر بورقيبة اقتناعه بما سمعه لكنه تراجع عن مشروعه. توفيق الشريف المراجع القرآن الكريم التحرير والتنوير( الشيخ محمد الطاهر بن عاشور) الفتاوى للامام محمد عبدة " الاسلام والمساواة" فهمي هويدي مجلة المجلة 25 أكتوبر 1997 بورقيبة والعقيدة الاسلامية مجلة حقائق 19 أوت 2010 الاسلام أنصف المرأة في مجال الميراث عبد الرزاق الشعباني الصباح 2006