فجأة يصادفك عزوز الجملي في المدينة... يخرج من زقاق ضيق أو من مقهى لا يرتاده عادة الكتّاب أو تلتقيه في ظلال شجرة أو تحت الأمطار... اللقاء مع عزوز الجملي لا يخرج عن الشعر ذلك ان هذا الشاعر المقيم في العزلة يتقاطر الشعر من أصابعه. أعرفه منذ سنوات... «في ليلتي الاولى ببغداد... حلمتُ رأيت القيروان نائمة فنمتُ» هذه القصيدة القصيرة هي التي قادتني الى عزوز الجملي في برنامج تلفزي اعتقد أنه «عيون الكلام» قبل تسعة عشرة عاما بالضبط. بسرعة تسقط سنوات العمر كأنها عدو خيول. ومنذ ذلك اليوم صرت مسكونا بقصائد عزوز الجملي الذي حرمتنا منه ظروف النشر اذ اكتفى باصدار مجموعة واحدة هي «ألعاب المجروح» سنة 1985 لم تشتر منها وزارة الثقافة انذاك نسخة واحدة! ومنذ تلك الحادثة صمت عزوز الجملي عن النشر وهجر الامسيات الشعرية والمهرجانات والملتقيات الادبية واكتفى بعزلته. تلتقي عزوز صدفة فيحدّثك عن الشعر والشعراء الذين يحبّهم... يقرأ لك أحيانا ما تيسّر من شعره ثم يلوذ بعتمة الليل ويصعب ان تراه مرّة اخرى قبل سنة أو أكثر. ذلك هو عزوز الجملي أحد أروع الشعراء ليس التونسيين فقط بل العرب ايضا... شاعر صامت تنفذ قصائده الى القلب بلا مقدمات، كثير الكتابة قليل الكلام. لا يحب الضجيج في برامج الاذاعة والتلفزة والصحف لأنه يدرك ان الكتابة وحدها جديرة بالاهتمام. يكتب شعره في برد العزلة وجنّتها بعيدا عن الحلقات الثقافية الضيّقة فاتحا عينيه ووجدانه امام الافق... أفق الشعر والحياة والكتابة... ذلك هو عزوز الجملي الذي منح للشعر التونسي طابعا خاصا في الكتابة.