نهاية الأسبوع.. البحر هائج والسباحة ممنوعة    وفاة عامر غديرة، كاتب دولة أسبق لدى وزير الداخلية    كم يستهلك التونسي من لتر من المياه المعلبة في السنة الواحدة؟    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    عاجل/ ترامب يفرض رسوما ب30% على الاتحاد الاوروبي    محمد المديمغ يمضي مع نادي كرة اليد بجمال    تشيلسي ولا باريس؟ شكون يرفع الكأس....الموعد والقنوات الناقلة    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    عروض متنوعة وثرية في برمجة مهرجان باجة الدولي    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    عاجل/ تراجع بنسبة 50% في كميات اللحوم الحمراء بالمسلخ البلدي لهذه الولاية    عاجل/ اصطدام سيارة بمحل حلاقة وهذه حصيلة المصابين    عاجل - تونس: أمطار بين 20 و40 ملم متوقعة اليوم في هذه المناطق    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    طيران الإمارات تتصدّر الترتيب العالمي لأقوى العلامات التجارية    مرصد الشفافية يطالب بمحاكمة وسحب جنسية حسن الشلغومي بسبب "تطبيع مخزٍ" مع الاحتلال    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    تحت مظلة الأمم المتحدة... مؤتمر "حل الدولتين" يُعقد أواخر الشهر الجاري    عاجل/ بعد زيارة الرئيس: تدخّلات ميدانية في سواحل قليبية    القصرين: تواصل تنفيذ برنامج "العطلة الآمنة" للتوعية المرورية خلال الصيف    ليفربول يحجب رقم 20 الخاص بجوتا إلى الأبد    التمديد مجدّدا في منحة تسليم الشعير الى حدود هذا الأجل..#خبر_عاجل    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني يواجه اليوم منتخب جمهورية الدومينيكان    فرنسا : ترحيل تونسي محكوم ب132 عاما بتهمة الإرهاب    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    البنتاغون يقرّ بإصابة قاعدة العديد في قطر بصاروخ إيراني    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    بالقفطان والبرنس.. نجل زيدان وزوجته يحييان التراث المغربي    جلسة بوزارة التجهيز لمتابعة تقدم تنفيذ مشاريع الجسور والطرقات لسنة 2025    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    تونس – القلعة الكبرى: العثور على فتاة ميتة في منزلها بحبل ملتف حول رقبتها    الحكومات العربية باتت مهتمة بالاستخدمات السلمية للتكنولوجيات النووية    بالمناسبة .. .مهازل مهرجان قرطاج وفضائحه    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    الاسباني كارولوس ألكاراز يتأهل الى الدور النهائي لبطولة ويمبلدون    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية " تتضمن دراسات وفتاوى لأعلام الزيتونة    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    العجز التجاري لتونس يتفاقم بنسبة 23،5 بالمائة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أزمة ديون جديدة تهدد انطلاقة النادي الإفريقي قبل موسم 2025-2026    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    









بمناسبة يوم المرأة العالمي: المرأة الفلسطينية صانعة البطولات
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

تحتفل المرأة في كافة أنحاء المعمورة بعيدها العالمي الذي يصادف 8 مارس من كل عام، ومازالت المرأة في عديد من الدول تعاني من الاضطهاد والعنف والاستغلال، وتناضل لاثبات انسانيتها ووجودها، ونيل حريتها، وكرامتها، وحقوقها التي أقرتها شرعية حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وتخوض الكفاح المسلح في عدد من الأقطار لتحرير وطنها من الاحتلال مثلما هو حال المرأة الفلسطينية، التي خاضت عبر مسيرة كفاح شعبها نضالا لا تفل أهمية عن نضال الرجل، ومشت على طريق آلام القضية منذ عهود من الزمن دون أن يعتريها الوهن، أو يقل من عزيمتها نوائب الدهر، وجسدت بصمودها أسطورة لم تعهدها امرأة من قبل، وصنعت من أبنائها بطولات فاقت كل تصور، ودفعت بفلذات أكبادها إلى شرف ساحة الاستشهاد دون أن يرف لها جفن أو تنهمر دمعة من دموعها المسجونة في مقلتيها، وحملت السلاح وقاتلت، واستشهدت وجرحت واعتقلت وكتبت بدمائها على حجارة منزلها المهدم، وهي تحتضن ترابه ان الارض التي اغتصبت لا بد أن تعود مهما بنى العدو من جدران وحفر من خنادق... واقترف من مجازر.
لقد شكلت المرأة الفلسطينية منذ عهود طويلة قاعدة صلبة لمقاومة الأطماع الاستعمارية والانتداب البريطاني، والاحتلال الصهيوني، وتحولت إلى مدرسة لتنشئة جيل مقاوم بعد جيل، وخاضت كل تفاصيل الحياة بكل مقوماتها الحياتية، والعلمية والسياسية، والاجتماعية والأدبية، والنضالية، ومدت الثوار في الجبال وفي الجبهات قبل عام 1947 بالرجال والمال والطعام والماء والذخيرة والمعلومات، وشاركت في المظاهرات والاعتصامات والمعارك ضد القوات البريطانية المنتدبة، والهجرة الصهيونية إلى فلسطين، والمشروع الاستيطاني، وانخرطت في التنظيمات النسوية، وانتهجت كل الطرق للدفاع عن أرضها ووطنها، وقدمت الشهيدات ومنهن شهيدة فلسطين الأولى من النساء فاطمة غزال، التي استشهدت في معركة عسكرية ضد القوات البريطانية في وادي عزون في الثلاثينات، والشهيدة خورشيد مهيبة، والشهيدة عربية اللواتي، قدن فصيلا باسم «زهرة الأقحوان» لمقاتلة العدو، واستشهدن عام 1947، بينما واصل الفصيل النسائي القيام بعملياته العسكرية حتى الخمسينات والستينات.
وقد عاشت المرأة الفلسطينية بعد نكبة عام 48 شظف عيش مخيمات التشريد وحرمت من أي نشاط لقضيتها. ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، بدأت تأخذ دورها النضالي، مما عرضها للملاحقة حيث أقدم العدو الصهيوني عام 1967 على اعتقال المناضلة فاطمة البرناوي أثناء قيامها بمحاولة تنفيذ عملية عسكرية وهي أول أسيرة فلسطينية في الثورة المعاصرة، وقد أفرج عنها عام 1971، أثناء تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني. وعندما اتسعت عمليات الثورة انخرطت المرأة الفلسطينية في صفوفها مقاتلة ومسعفة وطبيبة وداعمة بما تستطيع تقديمه للمقاتلين في قواعدهم من «كنزة المقاتل» التي حاكتها أياديها، وغير ذلك من المواد المتواضعة، كما التحقت بمعسكرات التدريب واكتسبت خبرة ومهارة القتال، وانتظمت في أطر تنظيمية عبر فصائل المقاومة الفلسطينية، وأخذت تصقل مهاراتها ومداركها ومواهبها وأفكارها لتوسيع معرفتها عن تجارب الثورات في العالم وأسلوب حرب العصابات من خلال الدروس التعبوية، وقدمت خيرة أبنائها لمقاتلة العدو، وللدفاع عن مواقع الثورة ومكاسبها، وحملت السلاح دفاعا عن المخيمات في لبنان أثناء الحصار الدامي، وقد سقط العديد من نساء فلسطين، في أتون تلك المعارك ما بين شهيدة وجريحة، وسجلت المناضلة الشهيدة البطلة دلال المغربي نموذجا رائعا للمرأة الفلسطينية في نضالها، عندما أقدمت على تنفيذ عملية بطولية عام 1972، بامتطائها على رأس مجموعة فدائية قاربا بحريا انطلق من ساحل لبنان إلى ساحل فلسطين حيث رسا على الشاطئ وقامت حينها بالسيطرة على باص (اسرائيلي) محشو بالركاب وأخذت تطلق النار منه أثناء متابعة سيره على القوات (الاسرائيلية) التي أخذت تطارد المجموعة الفدائية، وقد خسر العدو عشرات القتلى والجرحى بين صفوفه قبل أن تسقط شهيدة فوق تراب فلسطين الذي احتضنه وروته بدمائها ودماء رفاقها الأبطال.
كما ان المرأة الفلسطينية سجلت نموذجا آخر في تقديم التضحيات باستشهاد المناضلة شادية أبو غزالي، شهيدة فلسطين الأولى من النساء لهذه الثورة المعاصرة عندما سقطت شهيدة في بداية احتلال الكيان الصهيوني للضفة والقطاع عام 1967، وقد انتهجت المرأة الفلسطينية ثقافة المقاومة ضد الاحتلال، وكرست هذا النهج من خلال تضحياتها بالنفس والنفيس من أجل أن يحيا الوطن حرا عزيزا مستقلا وقد تجسدت الشهادة من أجل أرض الجدود في الفكر والتراث الفلسطيني.
ومع عودة الثورة بقيادتها وكوادرها عام 1994، إلى أرض الوطن عبر الاتفاقيات المبرمة مع الكيان الصهيوني والتي لا تلبي طموحات هذا الشعب، شاركت المرأة الفلسطينية في إطار السلطة الفلسطينية من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني، وعملت في دوائر الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وشاركت في صنع القرار السياسي من خلال وجودها في المجلسين الوطني والتشريعي والمنظمات الشعبية والنقابية.
وعندما تفجرت انتفاضة الأقصى التي أعقبت انتفاضة عام 1987، نتيجة تعنت الكيان الصهيوني ورفضه للامتثال للجهود الدولية المبذولة لاحلال سلام عادل وشامل في المنطقة بدأ النضال يأخذ منحى جديدا في مواجهة قوات الاحتلال، وأسهمت نساء فلسطين في الانتفاضتين بتقديم التضحيات حيث سقط منهن الشهيدات والجريحات، واعتقل العدو العديد منهن ومن بينهن رولا دحو، التي اعتقلت في الانتفاضة الأولى، حيث قضت داخل السجون الاسرائيلية 9 سنوات، وقد تم الافراج عنها خلال الاتفاق للافراج عن بعض الأسرى عام 1997، ومازال منهن حتى الآن 80 امرأة في سجون العدو الاسرائيلي يعانين ويلات العذاب. ومع تصعيد انتفاضة الأقصى تعاظم دور المرأة في عطائها وأثبتت أنها قادرة على العطاء وأن إرادتها أصلب من صخور الأرض، مع أنها تعرف عندما تتوجه لتنفيذ عملية عسكرية سيكون مصيرها إما الشهادة أو الاعتقال.
وعندما تساوى الموت والحياة عند الشعب الفلسطيني، نتيجة المعاناة والقهر والظلم على يد قوات الاحتلال وحصار المدن والقرى والمخيمات، وهدم المنازل وجرف الأراضي، وقتل واعتقال المواطنين، لم يكن هناك من وسيلة لمواجهة آلة الحرب الصهيونية المدمرة سوى الجود بالنفس، حيث كتبت وفاء ادريس، وهنادي جرادات، وريم رياشي، وآيات الأخرس بدمائهن، من خلال عملياتهن الاستشهادية نموذجا صارخا في التضحية والفداء ردا على مجازر العدو الصهيوني وإرهابه، وهذا ما يؤكد أن للمرأة الفلسطينية دورا هاما وتاريخيا ونشطا في الكفاح المسلح، فهي المقاتلة والممرضة، والمسعفة، التي تقتحم ميادين القتال لانتشال الضحايا واسعاف الجرحى، وإنقاذ المصابين.
إن دور المرأة الفلسطينية لا يقتصر على الانخراط في المقاومة المسلحة وفي الحياة الاجتماعية والتنظيمية. بل ان من مهامها النضالية أيضا تنشئة الأجيال المتعاقبة تنشئة وطنية وأخلاقية، وكذلك تتحمل عملية الانجاب الذي لا يقل أهمية من الناحية الديمغرافية عن حمل السلاح، لأنه يشكل الهاجس الكبير والقلق المخيف للكيان الصهيوني الذي يتحدث عن هذا الخطر الديمغرافي في دوائره السياسية والعسكرية. وفي يوم من الأيام سئلت (جولدا مائير)، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقا عما يقلقها ويحرمها من النوم فقالت: «ميلاد طفل فلسطيني». إذا لقد حاول العدو الصهيوني منذ بداية القرن الماضي وإلى يومنا هذا أن ينفي الوجود الفلسطيني ويعلن عبر دعايته المضللة، أن هذه الأرض «بلا شعب لشعب بلا أرض». لهذا يحاول الكيان الصهيوني انزال أكبر خسائر بشرية بالشعب الفلسطيني، وتنفيذ عملية الترانسفير من الأراضي الفلسطينية، وكان الرد الطبيعي على منطق العدو مزيدا من الصمود والانجاب لتعويض الخسائر البشرية واثبات الوجود والصمود في وجه سياسة العدو. كما ان المرأة الفلسطينية لا يقتصر دورها على ما سبق، إنما يكمن كذلك في دورها الأمومي والتربية الوطنية لأبنائها، والعمل من أجل لقمة العيش من خلال عملها في الحقل والمزرعة والورشة والصناعات المنزلية خاصة أولئك اللواتي فقدن معيلهن بسبب الاستشهاد أو الاعتقال، وذلك لدعم أسرهن والاقتصاد الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.