أقامت المندوبية الجهوية للثقافة والشباب والترفيه بالتعاون مع اللجنة الثقافية الجهوية يومي 6 و7 مارس الجاري الدورة التاسعة لملتقى القلصادي للعلوم الصحيحة. وكان قصر بلدية باجة ميدانا لفاعليات هذه الدورة. والقلصادي هو أبو الحسن الشهير بالقلصادي البسطي من مواليد 815ه بسطة BAZA هو علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي وهو من أصحاب الرحلة والنشاط العلمي تنقل بين العديد من المراكز العلمية بالمغرب والمشرق بداية بتلمسان فتونس فالقاهرة فالبقاع المقدسة واستغرقت رحلته من 840 إلى 855 هجري وأثمرت مجموعة من التآليف في العلوم والفقه والنحو والعروض والقراءات والحديث والتراجم واستقر بباجة سنة 888 هجري حيث كانت لهذه المدينة سوق نافذة في العلوم والآداب آنذاك وبها توفي سنة 891 هجري ومن آثاره اضافاته لبعض القيم التقريبية الجديدة للجذر التربيعي استعملها طارطاقليا في القرن 16م وكانت منطلقا في الرياضيات للكسور المتواصلة وهو من صنف الكسور واستقرأ أنواعها وفرع أساليب الحساب فيها مع تطبيق أعمال الكسور لأول مرة على حساب الفرائض وكان له فضل في تجديد الخطاب الرياضياتي وتبسيط المسائل واجلالا وإكبارا لهذا العلامة ولحبه لمدينة باجة ترد هذه المدينة الجميل بإقامة ملتقى للعلوم الصحيحة دوري كل سنتين ويحمل اسمه طيلة العقدين الأخيرين ولو أن شيئا من التذبذب لحق هذه الاقامة من حيث الآماد الفاصلة بين الدورة والأخرى في سنوات ماضية. الدورة الأخيرة موفقة وجاءت الدورة التاسعة الأخيرة مميزة محتوى وتنظيما ودسامة معارف والاقبال النسبي للمتعطشين للمعارف العلمية وهي نسبة مردها إلى أن هذا الملتقى نخبوي بالدرجة الأولى ولكن هذه الصفة ولئن كانت ثابتة فإنها لا تنفي أن هذه التظاهرة في حد ذاتها هي مسعى إلى نشر المعارف في أوساط متلقيها وأعني بالدرجة الأولى رجالات التربية ورواد المؤسسات التعليمية الذين سجلوا غيابهم في هذه الدورة التي حملت عنوان: «علم الفلك عند العرب ماضيا وحاضرا» ودارت في هذا الفلك لمدة يومين، وأعطى الأستاذ سالم الجريبي والي الجهة إشارة الانطلاق للترحال في الفلك من خلال مداخلته الافتتاحية التي تحدث فيها بحنكة ودراية عن تطور علم الفلك عند العرب والمسلمين عموما وابرز آثارهم العلمية والاكتشافية واثرائهم لهذا العلم وتضلعهم فيه فيما توقف الدكتور كمال عمران عند شخصية القلصادي متسائلا عن بروز هذا العلامة في زمن متسم بالركود ليستقر في النهاية أن بروزه لا يخلو من اثباتات على أن سوق العلم والمعارف كانت مزدهرة في باجة في تلك الحقبة وجاءت مداخلة الدكتور جمعة شيخة طارحة لسؤال يقول هل كان للأندلسيين دور في تطور علم الفلك؟ كما بحث الدكتور ابراهيم بن مراد المرحلة اللغوية في علم الفلك عند العرب وحدد الدكتور فرحات الادريسي منزلة علم الفلك ووظائفه في الثقافة العربية الاسلامية وكشف الدكتور عبد الرزاق بالنور الأصول اللغوية للمصطلحات اللغوية فيما بحث الأستاذ محمد مقنم في الأساس العلمي للأبراج الفلكية وكشف المهندس سمير بن عبد اللّه عما يقوم به المعهد الوطني للرصد الجوي في علم الفلك وأنهى المهندس هشام بن يحيى الدورة بالحديث عن مكانة الفلك السيار في مدينة العلوم وجاءت النقاشات معتمدة كلها على المنطق العلمي وكانت نتائج الدورة مفيدة جدا على المستوى المعرفي الشخصي ولكن بإمكان هذا الملتقى أن يوسع من دائرة الاستفادة في المستقبل بثنيه لمواضيع علمية تفيد المتلقي في حاضره ومستقبله وتثري الموارد في الجهة كطرح التجارب العلمية الناجحة في الزراعة والغراسات وتربية الماشية والدواجن والارتقاء بالسلالات فيها وتثمين الموارد الطبيعية والخروج بهذا الملتقى من ضيق دائرة النخبة إلى الثقافة الجماهيرية العلمية. كلمة أخيرة إن باجة التي أحبها القلصادي وأحبته ترفض ألا يكون لهذا العلامة مقاما يليق به وترفض الاعتباط في تسمية ذلك «الحانوت» الصغير الموجود خارج المدينة العتيقة بأنه هو المكان الذي أقام القلصادي فيه هكذا تقول يافطة على واجهة الحانوت ذي البناء الجديد فكيف أقام القلصادي في ذلك المكان والحال أنه لم يكن هنالك سكن في القرن التاسع للهجرة في ذلك المكان؟