* بقلم: المحامي الحنيفي الفريضي من المعروف ان القضاء عامة والقضاء الجزائي منه خاصة يلعب دورا أساسيا في تأصيل المستوى الحضاري والتأسيسي للمجتمع الصالح بمقاومة الانحرافات خاصة في مجال ما يعرف بقضايا الحق العام. وفي هذا الصدد اصدرت محكمة ناحية الدهماني مشكورة برئاسة القاضي الفاضل السيد سمير الزواوي حكما بالغ الأهمية لمقاومة اخطبوط السمسرة وذلك بتاريخ 1362006 تحت عدد 17404 قضى ابتدائيا بسجن المتهمة بالسمسرة مدة 6 أشهر. «قضت المحكمة ابتدائىا حضوريا بسجن المتهمة مدة ستة أشهر وحمل المصاريف القانونية عليها ورفض الدعوى المدنية شكلا». تعود وقائع هذه القضية الى رفع احد المحامين لشكاية ضد امرأة تمارس اسلوب السمسرة المتمثل في استجلاب الحرفاء لبعض المحامين مقابل مبالغ مالية بطريقة غير شرعية. ولقد كانت الاحالة طبق أحكام الامر المؤرخ في 1031942 المعاقب للسمسرة وجلب الحرفاء تحيلا. وقد كان الحكم طبق نص الاحالة بعد ان تأكد من ثبوت الادانة طبق نصه اعلاه معللا ذلك تعليلا قانونيا مدعما بما له اصل ثابت في ملف القضية حسب صريح اقوال المحكمة. «حيث ان في تعمد المتهمة السعي في الاتصال بالمتضررين من حوادث المرور وتجميع الوثائق لديها قصد عرض خدماتها على المحامين المذكورين بمحضر الابحاث مقابل ان تسلّم المتهمة كواسطة بين ذلكم المتضررين وذلكم المحامين مبلغا ماليا يجعلها مرتكبة لجريمة استجلاب الحرفاء للمحامين تحيلا طبق أحكام الفصل الاول والثاني والثالث من الامر المؤرخ في 1031942 المتعلق بزجر جلب الحرفاء تحيلا واتجهت ادانتها وتسليط عقاب رادع عليها وذلك بتصريحات المتضررين من حوادث المرور المسموعين بمحضر الابحاث وباعتراف المتهمة والوثائق التي تم ضبطها لديها». ان هذا الحكم يعتبر بالغ الأهمية بالنسبة لما اصبح يعرف بأخطبوط السمسرة الذي عجزت هياكل مهنة المحامين عن محاربته والتصدي له بصورة جدية لأن بالملف محامين كانوا يتعاملون مع هذه المتهمة حسب أقوالها وأقوال الشهود المذكورين بمحضر الأبحاث. ان السمسرة قد تعدت مرحلة الظاهرة المرضية الى أساليب عمل منهجية يومية، حيث انك تجد في كل محكمة مجموعة قليلة من المحامين يستحوذون بطرق غير قانونية على الاغلبية الساحقة للقضايا جملة وعلى الهامة منها خاصة دون ان ينالهم عقاب او تردهم اخلاق او مبادئ في حين تبقى الاغلبية الساحقة من المحامين خاصة من لا يمكنهم الحصول على ملفات الشركات والمؤسسات التي لها هي الأخرى سماسرتها المختصين فيها، في خصاصة وحرمان يعجز الكثير منهم عن مواجهة اهم الضروريات الحياتية مثل مصاريف المكتب او مصاريف العلاج وغيرها. ان اهمية هذا الحكم في مقاومة السمسرة تتضاعف لأنه قد صدر في مجال يهم المحاماة التي ظلت بعيدة عن هذه الاحكام لأنها في الاصل كانت تصدر خاصة في ميدان السياحة والتجارة رغم استفحال ظاهرة السمسرة في المحاماة ورغم المناشدات العديدة بضرورة التصدي لها، لأنها صارت من أخطر الأمراض والأوبئة التي تهدد جسم المحاماة، ولعل هذا الحكم يكون بداية انطلاقة جدية لمقاومتها بصورة فعّالة. يعاقب الفصل 33 من المجلة الجنائىة المشارك في الجريمة بما يعاقب به الفاعل الأصلي. الفصل 33: «المشاركون في جريمة يعاقبون في كل الحالات التي لم ينصّ القانون على خلافها بمثل العقاب الذي ينال فاعلها، ما لم تنطبق عليهم أحكام الفصل 53 بحسب مقتضيات الاحوال. واستنادا الى ذلك فإن فرع المحامين بتونس يمكنه انطلاقا من هذا الملف اعداد ملفات احالة على مجلس التأديب للمحامين الذين وردت اسماؤهم به وتأييد ذلك بالبينة وعديد القرائن الأخرى مثلما فعلت المحكمة لاتخاذ قرار تأديبي حازم ضد كل من تثبت عليه السمسرة حتى يكون عبرة لمن يعتبر. الا ان الأهم في نظرنا هو احالة هؤلاء كمشاركين في الجريمة الاصلية التي يعاقبها الامر المؤرخ في 1031942 بناء على أحكام الفصل 33 من القانون الجنائي المذكور على القضاء لينالوا جزاء اعمالهم الاجرامية لأن لا احد يمكنه ان يكون فوق القانون. ان السمسرة في المحاماة لم تعد ظاهرة عرضية، بل صارت مرضا وبائيا خطيرا لا تقل آثاره السلبية عن آثار ترسانة القوانين التي ضيقت من مجال تدخل المحامي وحاصرته الى درجة التجويع. اذ اباطرة السمسرة من المحامين والمحاماة في الاصل منهم براء كما صار ينعتهم الأعلام بالحيتان الكبيرة وكما صاروا يعرفون بين المحامين المتضررين من أفعالهم الشنيعة بالظواهر الطبيعية الكارثية التي اجتاحت آسيا وأمريكا في السنوات الاخيرة نظرا لشدة خطورة أفعالهم ونظرا لشدة تأثيرها على جمهور المحامين، ونظرا كذلك لعدم التصدي لهم بالطرق الردعية الناجعة لانهم لا يحترمون القانون ويدوسون اخلاق المهنة ولا يمنعهم شيء من أحكام القبضة على رزق المحامين. ولذلك فإننا وأمثالنا من الاغلبية الساحقة للمحامين ندعو هياكل المهنة والقضاء وكذلك المحامين المتضررين لكي تتظافر الجهود بصورة جدية وناجعة للتقليل من آثار هذا الوباء الذي ينخر جسم المحاماة وإراحة البلاد والعباد من سمومه.