غامبيا..اختتام القمة ال 15 لمنظمة التعاون الإسلامي باعتماد "إعلان بانجول"    كرة اليد: الترجي الرياضي يزيح النجم ويتأهل لنصف نهائي الكأس    سوسة: منفّذ عملية براكاج باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن    الحرس الوطني: إحباط 22 عملية إجتياز للحدود البحرية خلسة    مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    مهدّدة بالانزلاق الأرضي... وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تستعد لتشخيص وضعية هضبة سيدي بوسعيد    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    الكيان الصهيوني يقرر وقف عمل قناة الجزيرة القطرية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة (مرحلة التتويج-الجولة 4): البرنامج    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة الاصلاح الامريكية لا تتمتع بالمصداقية: العرب في حاجة الى المساعدة بدلا من الوصاية والهيمنة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

يقترب هذه الأيام موعد انعقاد القمة العربية لسنة 2004 ولكن لم يعد الرأي العام العربي بصفة عامة يولي اهتماما لمثل هذه المناسبات لأن الجامعة العربية استنفذت كل الفرص وفشلت تقريبا في كل المناسبات.
لكن قمّة تونس المرتقبة تأتي في ظروف استثنائية اي انه يمكن تشبيهها بقمة الخرطوم سنة 1967 التي انعقدت بعد نكسة 1967 أو قمة بغداد 1978 التي التأمت بعد اتفاقية كامب دافيد.
فهي قمة تأتي في مرحلة تاريخية خطيرة بعد احتلال العراق واقامة الجدار الاسرائيلي، وتسرّب معلومات حول وجود مشروع امريكي سيقع فرضه على كل بلدان الشرق الاوسط الكبير وهو ما يعني في المصطلح الامريكي البلدان الواقعة بين المحيط الاطلسي وباكستان.
الرأي العام العربي اصيب بالاحباط، ولم يعد ينتظر أي شيء من الجامعة العربية ومن الندوات والاجتماعات التي تعقدها مشاعر الاحباط هذه ناتجة عن قناعات ترسخت لديه وهذه القناعات تتمثل في ان هامش استقلالية القرار أصبح ضيّقا لدى بعض الأقطار العربية مما يجعل حضور ممثليها أمرا شكليا فلم تعد القمم العربية قادرة على الخروج حتى بالحد الادنى من التنسيق.
لقد ضاق صدر المواطن العربي من هذه الحالة فهو يشاهد ان أمته لم تبخل في ميدان الجهاد والاستشهاد. لكن هذه التضحيات لم يقع توظيفها سياسيا لاحراز أي تقدم في حل القضايا العربية. بل على العكس من ذلك. فقد انضاف اليوم العراق لفلسطين وأصبح الشعبان يرزحان تحت الاحتلال ف يأبشع صوره في ظل صمت عربي مريب. لكن مشاعر الاحباط لا تمنعنا من التنبّه لوجود مخاطر قد تكون عواقبها أسوأ مما حصل لأن هذه المخاطر لم تعد تهدّد قطر دون آخر بل انها تنال من كل بلدان المنطقة بدون استثناء.
الجامعة العربية تبقى أحببنا أم كرهنا هي الاطار الأمثل الذي يمكن للعرب ان يلتقوا فيه لتدارس احوالهم بغية إقرار الحد الادنى من التنسيق.
وتشاء الظروف ان تونس التي حافظت على علاقات متميزة مع كل البلدان العربية، والتي عرفت باتزانها، ومناصرتها لكل القضايا العربية بدون تعصب هي التي ستحتضن هذه القمة، فهل تنجح في اعادة الثقة في الجامعة العربية وتفعيل العمل العربي المشترك؟ نأمل أن يتحقق ذلك لكن لابد من الاقرار بأن هنالك جملة من الحقائق أثرت على الجامعة العربية وشلت حركتها.
وقد حان الوقت للتعامل الجدّي مع هذه الحقائق قصد معالجتها لاصلاح العلاقات العربية الداخلية وتنقيتها من التراكمات السلبية التي أحاطت بها.
أولى هذه الحقائق أن العرب مازالوا يفتقرون الى القدرة على ادارة ائتلافاتهم واختلافاتهم، فالقدرة على ادارة الائتلاف مازالت من القدرات الغائبة فعندما يواجهون تحديات مصيرية تكشف الاحداث عدم قدرتهم على ادارة الائتلاف بينهم وذلك باتخاذ مواقف مشتركة من شأنها ان تخلق نوعا من التوازن مع الطرف الآخر. وكذلك الشأن عند الاختلاف فكثيرا ما يتحول التباين في وجهات النظر الى نزاع وشقاق وقطيعة لم تجني منها المجموعة العربية الا مزيد من الانقسام.
الواقع ان المعالجة تبدأ من هنا من القدرة على ادارة الاختلاف فمن لا يستطيع إدارة اختلافه لن يتوصل الى ادارة إئتلافه.
الاختلاف في المواقف هو أمر طبيعي جدا لعوامل تاريخية وجغرافية فبالنسبة للعنصر التاريخي فانه لا يمكن للبلدان العربية ان تقفز في تاريخها بسرعة من عهود الازدهار العربي في قرون الاسلام الاولى وصولا الى عصر النهضة الحديثة فتختصر بسرعة عصور الانحطاط التي امتدت عشرة قرون.
انه ألف عام من التاريخ غير المريح انفصل خلاله المشرق عن المغرب وضاعت فيه الاندلس وعاشت فيه المنطقة العربية تحت انظمة سياسية واجتماعية متباينة، فأدى ذلك الى تراكمات متعددة / اليوم كشعوب لا ننظر لكثيرمن القضايا من نفس الزاوية.
كذلك هنالك العامل الجغرافي الذي ترك وما يزال يترك بصماته، فبلدان المغرب العربي قد تأثرت بجوارها من أوروبا فارتبطت بها اقتصاديا وأصبحت هنالك مصالح متنوعة قائمة بين بلدان الحوض الجنوبي والشمالي من المتوسط على عكس بلدان الخليج التي حباها الله بثروات نفطية هامة وضعتها امام تحديات خطيرة من نوع آخر.
هذه العوامل تجعل الاختلافات قائمة بين البلدان العربية في كثير من القضايا، وهو أمر طبيعي ومقبول شريطة ان لا يكون ناشئا عن ضغط خارجي تمليه أطراف تريد الايقاع بالعمل العربي المشترك.
كان من المفروض ان يقع القبول منذ البداية بوجود اختلافات بين البلدان العربية، ويقع التدرج في التقليل من هذه الخلافات لكن العكس هو الذي حصل وأصبحت الفروقات أقوى من ذي قبل، وهو ما جعل بعض الخبراء السياسيين يعتقدون ان اقامة وحدة عربية على النمط الاوروبي هو اجراء لم يعد ممكن اليوم لوجود تفاوت كبير بين ا لبلدان الخليجية وبقية البلاد العربية، ويرى هؤلاء أن هذا الحلم في صورة ما اذا كتب له ان يتحقق في يوم من الايام فانه لا يكون الا على الطريقة الامريكية حيث يحافظ كل بلد على الخصوصيات الوطنية ويتم التخطيط للسياسات الدخلية والخارجية بما يكفل الامن القومي العربي.
إذن الاختلاف داخل العالم العربي أصبح هو السمة التي تطبع العلاقات بين الاقطار العربية وقد تحولت الخلافات العربية من خلافات حادة الى خلافات عميقة تنفجر في كل مناسبة، وأدّى ذلك الى اضعاف مفهوم التضامن. ففي الوقت الذي تبحث فيه بعض البلدان العربية على تحالفات قريبة او بعيدة سرية او علنية فانها تتردد في مد الجسور بينها لأنها تخشى من بعضها البعض، ومن الطبيعي ان تنعكس هذه الوضعية على الجامعة العربية وأصبح الجميع يتهم هذه الجامعة بالعجز والفشل متناسين ان الجامعة ليست سوى مرآة تعكس حقيقة المواقف بالنسبة لكل دولة.
هذه الحقيقة تجعل الجامعة أمام خيار كبير وهو تغيير نظام العمل داخلها واتباع الالية الديمقراطية المعتادة في جميع المنظمات الدولية وهي التصويت بالاغلبية عوضا عن النظام الحالي الذي يشترط الاجماع والذي يجعل بمقدور قطر واحد أن يعطّل اتخاذ قرار أقرّته كل الاقطار الاخرى.
أكيد ان اقناع القادة العرب بجدوى هذا القرار ليس بالأمر الهيّن في الوقت الحاضر لأنه سيرتّب لبعض الاقطار التزامات سياسية واقتصادية وعسكرية قد تعجز بعض الاقطار على تحملها. ولكن يمكن في المرحلة الانتقالية الخروج من هذا الاشكال بتقسيم القرارات الى صنفين قرارات تخضع للتصويت وتكون ملزمة اذا صوت عليها ثلثا الاعضاء وقرارات لا تتخذ الا بالاجماع.
أما الحقيقة الثانية التي يجب ان ان نقرّ بها فهو التصنيف الذي كثيرا ما عانت منه الجامعة العربية. فهنالك جبهة الرفض وهنالك الدول المعتدلة وهنالك الدول القريبة من الولايات المتحدة. وقد كان ذلك التصنيف قائما نتيجة التضخم الهائل في الجانب الايديولوجي الذي لم يكسب منه العرب اي شيء.
ان السياسة لم تعد شعارات، بل هي فن الممكن، وهنالك اليوم رغبة لدى كل الجماهير العربية في اقامة الديمقراطية داخل اقطارها بكل ما تعنيه الديمقراطية من شروط.
لم يعد الوقت يسمح بتأجيل هذا الموضوع، وإذا لم نقره بمحض اختيارنا فسيفرض علينا قسرا من الخارج.
الولايات المتحدة بدأت في المدّة الاخيرة في مباحثات مع شركاء اوروبيين لبلورة هذه الخطة التي قد يعلن عنها هذه الصائفة في ثلاث قمم لمجموعة الدول الصناعية الثمانية وحلف الناتو والاتحاد الاوروبي وتتمثل الخطة الامريكية في فرض اصلاحات على بلدان الشرق الاوسط الكبير في الميدان السياسي وذلك بتوخي الاسلوب الديمقراطي في الحكم وفي الميدان الاقتصادي بتبني اقتصاد السوق وفي الميدان الثقافي بتغيير المناهج التعليمية وبالاخص المناهج الدينية.
الادارة الامريكية تبدو مصمّمة على أن الاولوية يجب أن تكون للتغيير السياسي في الدول العربية والاسلامية ثم يأتي بعد ذلك موضوع الصراع العربي الاسرائيلي وهذا ما صرّحت به كوندليزا رايس مستشارة الامن القومي الامريكي التي قالت «ان الاولوية الان لتحويل الشرق الاوسط الى ديمقراطيات على الانموذج الامريكي وأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يمثل مشكلة. الديمقراطية أولا وبعدها يحل ذلك الصراع نفسه».
الحجة التي تستند اليها الولايات المتحدة والاسباب التي من أجلها تطرح مشروع الشرق الاوسط الكبير تتلخص في ان هجمات 11 سبتمبر 2001 وان لم يكن مخططا لها من دول المنطقة الا أن اللذين قاموا بتنفيذها لم يفعلوا ذلك الا بسبب فشل السياسات التي تنفذ في المنطقة العربية سواء فيما يتعلق بالاقتصاد او السياسة او التعليم ومن ثم فانه يجب اصلاح القطاعات الثلاث من اجل امن امريكا ومن اجل حمايتها من الارهابيين اللذين تفرزهم مثل هذه السياسات لكن امريكا تنسى ان هؤلاء العناصر هم صناعة امريكية في الاصل، أمريكا هي التي صنعتهم وأطلقت عليهم اسم المجاهدين وقد استقبل الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغن بعض هؤلاء المجاهدين في البيت الابيض.
المهم ان امريكا تريد اعادة التجربة التي قامت بها في اوروبا الشرقية وذلك بفرض خطة اصلاح من الخارج يقع تنفيذها من طرف كل الدول بالمنطقة، وهي دول تبدو متفاوتة في النضج السياسي مما يجعل استنبات الديمقراطية داخلها عن طريق هذا الاجراء القصري أمرا محفوفا بالمخاطر قد يعقد المشكلة وذلك بظهور انظمة أصولية ستكون معادية للنمط الغربي الي تسعى امريكا لتحقيقه.
هذا الموقف الامريكي الذي يعيش حاليا فترة المخاض الاخيرة يثير ردود فعل متباينة لدى الاوساط العربية فهنالك من يرحب به لأنه يهدف الى تحقيق الديمقراطية ولا مانع ان يتم ذلك على أيدي الامريكيين، لكن اغلبية الرأي العام العربي يرى ان هذه المبادرة ستعطي الحق لامريكا وحتى الدول الاوروبية في درجة ثانية في التدخل المباشر لاحداث التغيير الثقافي في العالم العربي بحجة اصلاح التعليم ومحو الامية، بينما النية الحقيقية هي طمس الهوية وازالة بصمة الاغلبية العربية والثقافة الدينية الموجودة حاليا في كل مكان بالشرق الاوسط واستئصال فكرة القومية العربية من العقل العربي حتى يسهل تمرير المشروع الشرق اوسطي الكبير التي تكون اسرائيل جزءا منه والذي سيكون بأكمله حليفا استراتيجيا لامريكا.
اذن هنالك تحدي جديد أصبح قائما في حق كل الاقطار العربية فاذا لم نسارع باتخاذ موقف موحّد فاننا سنكون عرضة لمخاطر جديدة، ثم كيف يقع تطبيق الديمقراطية داخل الاقطار العربية بنفس الطريقة والحال ان الوضعية تختلف من قطر الى آخر فهنالك دول اصبحت ناضجة للديمقراطية أكثر من غيرها كتونس ومصر التي قطعت اشواطا كبرى على طريق التنمية الاقتصادية وعاشت استقرارا سياسيا وهو ما يؤهلها ان تخطو خطوات جديدة على طريق البناء الديمقراطي. وهنالك دول اخرى مازالت في بداية الطريق سواء لطبيعة مؤسساتها او لتدني مستوى العيش داخلها او لحالات الاضطراب التي تعيشها.
الديمقراطية ليست ثمرة يمكن استيرادها، بل هي شجرة تنمو وترعرع في تربة خاصة بها، وبالتالي فانه لا مجال لتطبيق وصفة ديمقراطية لكلّ الاقطار.
هنالك بلدان عربية هي مؤهلة للتجربة الديمقراطية وهنالك بلدان اخرى مازالت غير جاهزة فهنالك اولويات قبل الديمقراطية.
هذا الرأي يثير تعليقا لدي الغربيين مفاده ان الديمقراطية يمكن ان تنجح حتى في أشد البلدان فقرا ويسوقون كمثال على ذلك تجربة الهند.
ان السر في نجاح الديمقراطية في الهند يعود الى جذور فلسفة اللاعنف الضاربة بعمق في صميم التراث الهندي والتي احياها غاندي في ثوب سياسي جديد مع حركة التحرر الوطني في اطار حزب المؤتمر.
لقد تجنب الهند اللاعنف فلم تحدث فيه انقلابات او ثورات التي من شأنها ان تدمّر الطريق الى الديمقراطية، لكن اكثر تهديد للديمقراطية في الهند سيكون انحراف الطوائف الهندية المتعايشة الى حد الان الى العنف الطائفي الذي بدأ يظهر في السنوات الاخيرة بين المسيح والمسلمين والهندوس.
المهم أن العالم العربي هو في حاجة الى الاصلاح، وينقصه فعلا الديمقراطية، لكن لكل قطر خصوصياته وهو ما يحتم مراعاة هذه الخصوصيات مع الحرص ان تأتي الاصلاحات من داخل القطر نفسه بما يتناسب مع تقاليده وثقافته السياسية.
الوقت مازال سانحا الى الان، لكن ربما تكون هذه الفرصة هي الاخيرة لدعوة المجموعة العربية الى وضع خطة للاصلاح الديمقراطي تنبع من حاجياتنا الوطنية مع الاستفادة في الوقت نفسه من المناخ الدولي الدافع لرياح الديمقراطية بالاقناع وليس بالفرض او الردع او الاكراه، لأن مثل هذا السلوك لا يؤدي الا الى نتائج عكسية.
اذا ملف الاصلاح الديمقراطي هو ملف هام للغاية وتشاء الظروف ان يقع تناوله في مؤتمر تونس التي تحرص منذ سنوات على تجذير هذا الخيار في السياسة التونسية، ومن المؤكد ان ا لسمعة الطيبة التي تحظى بها تونس ورئيسها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي ستساعد على ضمان حضور متميّز لكل البلدان العربية وهو ما سيساعد على تعميق النقاش في خصوص الاصلاحات الديمقراطية المنتظرة حتى تأتي هذه الاصلاحات من الداخل ويقع تجنب الاثار السلبية على الرأي العربي الذي لا يرضى اطلاقا ان تأتي هذه الاصلاحات من الخارج.
وإذا ما كتب لهذه الاصلاحات ان تترجم في مستوى التطبيق فان ذلك سيؤدي الى حد كبير في تغيير المواقف الرسمية لكثير من الاقطار العربيةالتي ستضطر بحكم العملية الديمقراطية الى اتخاذ مواقف مسايرة لشعوبها فينتعش من جديد العمل العربي المشترك وهو ما يعود بالنفع الكبير على الجامعة العربية.
المهم ان العالم العربي بدرجات متفاوتة اصبح مهيأ لحياة ديمقراطية التي لا تحصل الا بالتسليم بوجود معارضة مع الاستعداد لاعطائها قدر من الشرعية وعندما يقع الحديث عن المعارضة فهي المعارضة السلمية الملتزمة بشروط العملية الديمقراطية واذا كانت كلمة المعارضة تقلق السلطات العربية فلنسميها التعددية، وإذا لم يفتح الطريق لمثل هذه التعددية مع توفير الفرص لها في المشاركة فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية.
كما ان الديمقراطية تقتضي الوصول الى طريقة يتم فيها التداول على السلطة في ظل ثبات الرمز الدستوري فيقع التغيير والتعديل في آليات السلطة وذلك بفتح المجال لكل قوى المجتمع لتحقيق حد معقول من المشاركة في ادارة السلطة.
ان التداول على السلطة في المرحلة الراهنة لا يمس بالضرورة أعلى الهرم السياسي لانه من صالح الديمقراطية في العالم العربي وجود قيادات سياسية قوية ومستمرة يقع الاحتكام اليها من طرف العائلات السياسية لتكون المرجع والحكم.
نصل الآن الى الحقيقة الثالثة والاخيرة وهي ضرورة التخلص من التنازع الدرامي بين الفكر الوحدوي والفكر الانفصالي ذلك انه كلما استمعنا للعرب على مستوى الدولة والافراد وجدناهم على الصعيد الذهني والشعوري وحدويون يومّنون بوجود أمّة عربية واحدة كما يعبرون عن ذلك في دساتيرهم وكتاباتهم واشعارهم وقلّما جاهر عربي بخطاب انفصالي الا اذا خرج توّا من تجربة مريرة، اما اذا طالبت العربي بالشروع في تحقيق الوحدة عمليا حتى مع جاره اللصيق وليس مع الأمة العربية فانه يبدو كائنا من نوع آخر.
ولا يقتصر هذا الموقف على مشروعات الوحدة بل يتمثل في ابسط برامج التعاون والتنسيق فكيف نفسّر هذه الظاهرة بين مواقف وحدوية فياضة ومواقف انفصالية؟
الأكيد أن هنالك ظاهرة أعم في الحياة العربية ربما كانت سببا في ذلك وهي ظاهرة الانشطار بين القول والفعل، ولكن الاعمق من ذلك ان هذا التنازع بين ا لشعور العربي والسلوك الانفصالي مردّه بالدرجة الاولى الى قوّة الروابط المعنوية التي تشدّ العرب الى بعضهم مع ضعف الروابط المادية والموضوعية التي يمكن للعرب أن يقيموا على أساسها وجودهم وعملهم المشترك.
وما لم يسارع العرب باعادة تأسس الروابط المادية فإن الخطاب الوحدوي سيظل حديثا غير واقعي وتبقى حالة الانشطار او الانفصام التي أشرنا اليها قائمة.
ان الأمة العربية وللمفارقة المدهشة تفتقده أبسط الروابط المادية التي يمكن ان تربط بين ا قطارها فكم من خط للسكك الحديدية بين هذه الاقطار وكم مثله للنقل البري او النقل البحري وما هو حال التجارة العربية الداخلية؟
هذا حتّى لا نتحدّث عن المنظمات العربية المشتركة ولا عن مصير الاتحادات الاقليمية كالاتحاد المغاربي.
اذا كانت ابسط الروابط المادية لم تنشأ وتعمل بفاعلية بين البلاد العربية فكيف نقفز للحديث عن الوحدة؟
أية وحدة في العصر الحديث تتحقق من فراغ دون اتصالات وروابط اقتصادية ودون حرية انتقال للاشخاص والبضائع والأفكار؟
لذلك فان العرب في حاجة اليوم الى التأكيد انه لا خيار عن النظام الاقليمي العربي ومرجعيته القومية مهما كان الوهن الذي اعترى هذه المرجعية.
واذا كان من التغني الاجوف مطالبة القمة القادمة باعادة الحماس للعمل العربي المشترك بقرارات مصيرية فإن الفرصة متاحة الى اقامة مصالحة عربية شاملة مع اعادة تفعيل الاتفاقيات العربية المشتركة المعطّلة طالما لم يعد هنالك مبرر لذلك كما يكون من الصالح تنمية العلاقات مع بلاد الجورة ونعني بذلك تركيا وايران والسعي الى ربط علاقات ممتازة معهما. فهذه الدول تشكل بالاساس حلقة الربط بين العالم العربي والدول الاسلامية في آسيا ويكون من الصالح تشريك هذه البلدان بصورة من الصور في أنشطة الجامعة العربية.
ليبدأ القادة العرب باقرار التعاون الحقيقي في مجالات الاقتصاد وتأسيس البنية التحتية وتطوير العلاقات الثقافية والتعاون التربوي والصحي والبحث العلمي. وليأجلوا الشؤون السياسية التي صدّعت العلاقات بين دول المنطقة في الماضي الا بالقدر الذي يرتضيه الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.