تونس تدعو دول منظمة التعاون الاسلامي إلى إقامة شراكة متضامنة ومستدامة في مجال البحث العلمي    الجزائر تتهم فرنسا بخرق اتفاق الجوازات الدبلوماسية    صقاقس: افتتاح وحدة جديدة لتصفية الدم مخصصة للأطفال بالمستشفي الجامعي الهادي شاكر    تزوجته عرفيا: تونسية تخفي جثة زوجها بوضع الملح عليه وتفر    الخارجية الجزائرية: سنرد بالمثل على إلغاء فرنسا اتفاق الجوازات    صفاقس: افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تحجز حوالي طُنّ من الدجاج غير الصالح للاستهلاك    قابس: وفرة في عدد الأضاحي مع انخفاض أسعارها مقارنة بالسنة الفارطة (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة)    موسم الحبوب: تخصيص 194 مركز تجميع للصابة بكامل البلاد بطاقة تخزين جملية تناهز 7.2 مليون قنطار    سنة 2024: تونس تعيد استعمال 65 مليون متر مكعب من المياه المعالجة    سوسة: حريق بغرفة محرك القطار    وزارة العدل تؤكد أنها اعتمدت "الشفافية والنزاهة" في ضبط قائمة الناجحين في مناظرة الخبراء العدليين    تأجيل قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد    أمريكا أولا و إسرائيل ثانيا ..شرق أوسط جديد يتشكّل هذه ملامحه ؟ !    تصنيف لاعبات التنس المحترفات - انس جابر تتقدم مرتبة واحدة وتصبح في المركز الخامس والثلاثين    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكؤوس لكرة اليد : الترجي الرياضي يفوز على ريد ستار الايفواري 34-19    رابطة ابطال اسيا 2 : التونسي فراس بلعربي يقود الشارقة الاماراتي للقب    سبل تطوير العلاقات التونسية القطرية في مختلف المجالات أبرز محاور لقاء وزير الخارجية بنظيره القطري في الدوحة    القصرين: حجيج الجهة يتوجّهون اليوم إلى البقاع المقدّسة انطلاقا من مطار المنستير-الحبيب بورقيبة الدولي    الإطاحة ب'الشبح': منحرف خطير اقترف سلسلة سرقات طالت رجال أعمال وأطباء    الصرارفي: "اللباس التقليدي للمهدية والجبة التونسية مرشحان لتصنيف اليونسكو كتراث عالمي غير مادي"    الفيلم التونسي "ميما" يحصد جائزتي أفضل إخراج وأفضل تمثيل نسائي بالمهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة المغربية    سليانة: بمشاركة 26 مندوبية و52 تلميذا: ملتقى فنون الصورة والسينما والفنون التشكيلية بالمدارس الإبتدائية    المدرسة الابتدائية السبالة...تتويج بالجائزة الأولى في الملتقى الجهوي للمسرح    أسبوع المسرح البلدي: 5 عروض على ركح المسرح البلدي بالعاصمة من 20 إلى 25 ماي 2025    أمام وزارة النقل... «التاكسيستية» يتمرّدون    تحويل جزئي للمرور بساحة باردو على مستوى الطريق الوطنية رقم 7 ورقم 5 وشارع بيرم التونسي    نجاح أول عملية قسطرة عبر منصة "نجدة" الرقمية لمرضى القلب في ولاية مدنين    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    من الصحة إلى الطاقة: تونس تطلق سباقًا ضد الزمن لاستكمال المشاريع الوطنية    موعد رصد هلال ذي الحجة    تطور نسبة الأمية في 10 سنوات    الجيش المصري يعلن سقوط طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    صيف 2025 أكثر سخونة من المعتاد في تونس.. #خبر_عاجل    عاجل/ مدنين: احتراق شاحنة ليبية بالكامل    النادي الافريقي: حمزة بن عبدة يخضع لتدخل جراحي    عاجل/ فرنسا وبريطانيا وكندا يهدّدون باتّخاذ إجراءات ملموسة ضد الإحتلال    تصريح مؤثّر من والد رحمة لحمر بعد الأحكام الأخيرة في القضية.. #خبر_عاجل    عاجل/ بلاغ هام من رئاسة الحكومة بخصوص تسوية وضعية هؤلاء العملة    احتقان الأنف عند الأطفال: الأسباب والعلاج    إصدارات.. الحكاية الشعبية لتنشيط الشباب واليافعين    لطيفة تستعد لألبوم صيف 2025 وتدعو جمهورها لاختيار العنوان    الكاف: تأخّر منتظر في موعد انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ بعد حصار لأكثر من شهرين: شاحنات مساعدات تدخل غزّة وهذا ما تحمله    النادي الإفريقي.. بلاغ عن لجنة الإشراف على الجلسات العامة والمنخرطين    عاجل/ الكشف عن موعد انطلاق بطولة الموسم القادم والسوبر    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    لهذا السبب فلاحوا تطاوين يعترضون على التسعيرة الرسمية لبيع الأضاحي بالميزان    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    الصحة العالمية: مليونا شخص يتضورون جوعاً في غزة    الحج 2025 الخطوط التونسية رحلات مخصصة وامتيازات استثنائية في نقل الأمتعة    هام/ غدا: جلسة عامة بالبرلمان للنظر في هذا القانون..    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    فياريال يصدم برشلونة في يوم احتفاله بلقب الليغا    كرة سلة: تونس تحتضن البطولة العربية لمنتخبات الأكابر من 25 جويلية الى 2 اوت القادمين    ترامب يعرب عن "حزنه" إزاء إصابة بايدن بالسرطان    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    









تونس دور مطلوب في مشروع الإصلاح العربي: الحوار مع الذات قبل الحوار مع الآخر
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

احتد النقاش في الأشهر الأخيرة حول موضوع الإصلاح الداخلي للمجتمعات العربية في ظل أوضاع دولية غير مسبوقة تنطوي على توقعات يصعب التكهن بها فالعالم يمر بفوضى حقيقية في العلاقات الدولية والرجوع الى عصر الهيمنة الفردية من طرف الولايات المتحدة التي تسعى الى إعادة ترتيب الأوضاع في كافة أرجاء المعمورة حسب تصوراتها .
كنا نظن أننا تجاوزنا هذه الأوضاع منذ عقود واعتقدنا ان العالم دخل بلا رجوع في مرحلة من تنظيم في العلاقات الدولية مع توازن في المصالح لكن النظرة للواقع الدولي اليوم تؤكد غير ذلك تماما فالصراعات تتوالى والأزمات تستفحل خاصة في العالم العربي والإسلامي الممتد من المحيط إلى باكستان وهوالفضاء الذي أطلقت عليه الولايات المتحدة تسمية الشرق الأوسط الكبير وفي غمار ذلك يطرح حديث طويل حول أهمية الإصلاح السياسي والاقتصادي بل الثقافي والاجتماعي .
البعض يرى أن دعوى الإصلاح التي تبنتها الولايات المتحدة كانت نتيجة للأحداث التي جدت يوم 11 سبتمبر 2001 فالأمريكيون يعتقدون أن هذه الأحداث وإن لم تكن مدعمة من أي بلد عربي أوإسلامي فان الاحتقان الذي تعيشه مجتمعات الشرق الأوسط الكبير وانعدام الديمقراطية وتفشي الفقر والخصاصة واعتماد نظم تعليمية متخلفة هي من العوامل التي ساعدت على تفشي ظاهرة العنف في صفوف شباب هذه البلدان وكان ذلك سببا في الأحداث التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية .
هذا الرأي لا يفسر إلا وجها واحدا من أوجه هذه الظاهرة فلورجعنا إلى تحليل الأوضاع الدولية منذ الستينات لتبين لنا أن أمريكا واجهت التيار القومي العربي بالدعوة الإسلامية من خلال تأييدها المطلق لأنظمة سياسية وتنظيمات إسلامية وبعد انتصار الثورة الإيرانية انتهزت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس كارتر الفرصة وبتوجيه من مستشاره للأمن القومي بريجينسكي لتحريض بعض الدول الإسلامية للمشاركة في مشروع الجهاد الاسلامي في أفغانستان وقد كشف بريجينسكي تفاصيل هذا المشروع في حديث له لإحدى المجلات الفرنسية لكي يبين أن الاستراتيجية الأمريكية كانت تقوم على إزعاج السوفيات في جمهورياتهم الجنوبية انطلاقا من قواعد في أفغانستان أما الخطوة الثانية فكانت تتمثل في تصعيد هذا النشاط الى درجة اضطر معها السوفيات الى التدخل العسكري في أفغانستان وأخيرا كانت الخطوة الثالثة هي الاطاحة بالسوفيات في أفغانستان وذلك انتقاما لأمريكا من الهزيمة التي تكبدتها في فيتنام والتي كان السوفيات وراء حصولها.ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تفرق المقاتلون الذين وقع تجميعهم من شتى دول الشرق الأوسط لينشروا الرعب في عديد من البلاد العربية وخاصة مصر والجزائر، وقد كشف الأستاذ حسنين هيكل في الحوار الذي تبثته هذه الأيام قناة الجزيرة عن وجود اتفاقية سرية بين بعض مصالح الاستخبارات العربية ، تم من خلالها الاتفاق على تجميع المقاتلين العرب وتدريبهم وتسليحهم تم توجيههم الى أفغانستان وكل ذلك بتحريض من أمريكا لكن عندما انتهت الحرب في أفغانستان لم يقع التفكير في مآل هؤلاء المقاتلين ومصيرهم فانقلب السحر على الساحر وانطلق المارد الذي اعتقدت الولايات المتحدة أنه سيخدمها إلى الأبد فإذا به يتحول إلى عدولها مما اضطرها لإعلان الحرب عليه بعد أن هدد بشكل مباشر مصالحها في إفريقيا وآسيا .
بدأ منذ ذلك التاريخ الحديث عن عدو جديد للغرب ألا وهوالإسلام وقد ظهرت في الغرب خاصة بعد الغزوالعراقي للكويت وما روج باطلا عن القوة العسكرية للعراق دراسات حول تزايد قوة العالم الإسلامي مما أدى إلى بروز ظاهرة جديدة في الغرب ألا وهي الخوف من الإسلام ( الاسلامفوبيا )
وقد توالت الأحداث خلال العقد الأخير من القرن الماضي لتغذي هذه المواقف مثل حروب البوسنة والهرسك وكوسوفوومقدونيا والشيشان وما رافقها من مواقف تحذر من قيام جيوب أودول إسلامية في قلب الغرب وهوما جاء آنذاك عل لسان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيرون « اننا لا نسمح أبدا بقيام دولة اسلامية في أوروبا « وقد استغلت الدعاية الغربية والصهيونية بعض الأحداث التي لا علاقة لها بالاسلام للتركيز على مظاهر هذه القوة الزاحفة كما هوالشأن عندما تمكنت باكستان من صنع قنبلتها النووية رغم اعتقاد الجميع أن هذه القنبلة قد وقع تصنيعها من أجل إحداث التوازن في شبه الجزيرة الهندية.
في إطار حملة الولايات المتحدة الأمريكية على تنظيم القاعدة جندت أمريكا وسائل الإعلام التي تملكها حتى تطلق العنان لنفسها في هذه الحملة التي تخوضها ضد الإسلام وقد استفادت إسرائيل بدورها من هذا الوضع موجهة ضربات موجعة للفلسطينيين بعد أن حاصرتهم وحاصرت قياداتهم بطريقة لم يسبق لها نظير .
استطاعت الولايات المتحدة بفضل سيطرتها على قطاعات الثقافة والإعلام أن توهم الكثير بأن الصراع القائم بينها وبين حركة طالبان هوصراع بين الغرب والإسلام وجندت العديد من المثقفين في أمريكا للترويج لنظريات تحث على صدام الحضارات ومن بين هؤلاء طالعنا مقولات هنتقنون الذي ذكر أن الإسلام هودين سيف يمجد الفضائل القتالية إضافة إلى أن الانفجار الديمغرافي في المجتمعات الإسلامية هومصدر لعدم الاستقرار في العالم سواء بقيت هذه الأعداد المتزايدة في أرض الإسلام أوغادرتها .
هنالك إذن عناصر داخلية وخارجية وراء بروز ظاهرة التطرف الإسلامي داخل بعض المجتمعات العربية الإسلامية فكيف يمكن الحد من هذه الظاهرة وتطويقها ؟
في هذا الإطار طرحت الولايات المتحدة قضية الإصلاح ولكن السؤال هل أن الدول العربية والإسلامية مدعوة للاستجابة لهذه الدعوة بغض النظر عن نواياها وأهدافها أم أن الأمر يحتاج الى مراجعة ؟
الإصلاح هومطلب عام وهومطلب داخلي قبل أن يكون خارجيا وحبذا لوتستفيد الدول العربية والإسلامية من المناخ العالمي لطرق باب الإصلاح بكل جدية وثبات .
كيف يمكن أن يطرق باب الإصلاح ؟
أولا : ان الإصلاح الشامل يقتضي تغيير سياسيات كاملة والمسألة في جوهرها لا تعزى الى استبدال الأشخاص بقدر ما تحتاج الى تغيير في المناهج وطرق التفكير ، وهنا لابد من التأكيد على أهمية الإطار القانوني الذي تعتمده الأنظمة وتكسب منه مشروعية وجودها ، فالإصلاحات الدستورية ضرورية لأنها تمثل المراحل الأساسية التي تقوم عليها دعائم الشرعية
ليس من المقبول أن تستبدل الدساتير دفعة واحدة ولكن حبذا لوتشهد تطورا في توسيع قاعدة المشاركة واعتماد الاستفتاء في القضايا الهامة والاقتراب من نمط الأنظمة البرلمانية وفي هذا الإطار يمكن أن نذكر بالتجربة التونسية التي أدخلت على مراحل متعددة إصلاحات دستورية مكنت المرأة من حقوقها السياسية كاملة وخفضت من السن الدنيا للترشّح للغرف البرلمانية بما يكفل تمثيل أوسع للشباب وبعثت مجلس المستشارين كغرفة ثانية وأقرت الاستفتاء وكلها آليات جديدة من شأنها أن تطور النظام السياسي وتوسع قاعدة المشاركة لإقامة ما اصطلح على تسميته بجمهورية الغد.
ثانيا : أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية لا تتطور وحدها لكن ذلك التطور يأتي من المناخ العام الذي يساعد على ذلك فلا يكفي قيام المؤسسات دون أن يتغير هذا المناخ اذ لابد من وجود رأي عام قوي يعتمد بالدرجة الأولى على الطبقة المتوسطة والمثقفين حتى يقع التعبير بشكل منظم عن ضمير الشعب ووجدانه .
ثالثا : أن الثقافة والتعليم والإعلام تشكل في مجموعها أدوات مؤثرة في تكوين عقلية المجتمع وتشكيل رؤيته وتحديد درجة نضجه وهي عوامل تؤثر في عملية الإصلاح فالذين يتصورون أن الثقافة عنصر تكميلي إنما يسلبون من الشعوب هويتها والذين لا يدركون أن التعليم هو بوابة العصر إنما لا يدركون أن تحديث التعليم يعني بالضرورة تحديث العقل .
انه قضية القضايا ومفتاح كل الأبواب المغلقة فضلا عن تأثيره في عنصري الثقافة والبحث العلمي .
وقد أكد على هذا الموضوع رئيس الدولة السيد زين العابدين بن علي في خطابه بمناسبة عيد العلم حين قال « ان وظيفة المدرسة لا تقتصر على التعليم وتلقي المعارف بل هي بالإضافة إلى ذلك فضاء للتربية وترسيخ روح المواطنة ينشأ التلاميذ في رحابها على القيم الأخلاقية والاجتماعية والمدنية فلا سبيل لكسب رهانات العصر ومواجهة تحدياته بغير سلاح العلم والمعرفة».
ان جزءا كبيرا من تحديث التربية ينصب إلى تحديد العلاقة بين الفرد والدين فلابد من الاعتراف أن مساحة الدين في العقل العربي مساحة واسعة فالدين يحتل قدرا كبيرا في التشكيل الثقافي والشخصية الاجتماعية بل قد يتجاوز ذلك إلى البعد الاقتصادي، والإسلام يطبع طقوس حياتنا اليومية من الميلاد إلى الوفاة والميراث مرورا بالزواج والطلاق لذلك فان وضع الدين في مكانه اللائق والتوقف عن توظيف آراء المتشددين الذين يستجلبون حماس البسطاء وغير العارفين ، كل ذلك يضع الإسلام في مكانه الطبيعي ويعطيه قداسته المستحقة وهنا لابد من بلورة فكر قادر على مواجهة الدعاوى المغلوطة باسم الاسلام والعمل على نشرها وبثها بين الأجيال الجديدة حتى تنشأ محبة للحياة نابذة للتطرف .
بالاضافة الى موضوع الدين وطريقة تلقينه للأجيال الجديدة فان نظم التعليم تحتاج الى هزة قوية حتى تتكون نظرة جديدة لا تقف عند حد الكم لأن الأمر أصبح الآن يخرج من نطاق الكم ليصل الى جوهر العملية التعليمية ذاتها ليقع الانتقال من النظم التقليدية للتعليم كأداة لتخرج الإطارات الى نظرة عصرية يكون فيها التعليم والتربية بوابة العصر وينظر اليه من زاوية القدرة على الحصول على المعارف واكتساب المهارات دون الحاجة الى الحشوالتقليدي للمعلومات لأننا في عصر التكنولوجيا وهوما يؤدي في آخر المطاف الى التفاعل بين العلم والصناعة كما أننا نحتاج الى قراءة جديدة لتاريخنا وفهما صحيحا واعتزازا موضوعيا بحضارتنا دون استغراق في الماضي .
كما نحتاج الى عقلية جديدة تدعوالى تقديس العمل والقيام بالواجب والسهر على نظافة المحيط وصيانة الملك العام ونبذ كل أشكال التفرقة والتعصب سواء كان ذلك في البيت أوفي الشارع حتى تتعمق روح التسامح ويحرص كل فرد على حقوق غيره مثل حرصه عل حقوقه .
أما بالنسبة للإعلام فهومدعو أن يؤمن دوره في عملية التحديث فهوالذي يغير ما بالنفوس ويرتب الأولويات ويجدول العقول والاعلام بصفة عامة عند العرب كان يشكوفي العقود الماضية من غيبة المصداقية وافتقاد للشفافية وكلها تستوجب وقفة مراجعة فلا يبدو غريبا حينئذ أن يكون الحديث عن اصلاح المجتمعات هومرتبط بقضايا التعليم والثقافة والاعلام لأنها هي التي تمثل القنوات الطبيعية لتلقين المبادئ الحضارية وحتى الروحية والمهم أن يتصف بالموضوعية وأن يكون يقظا من محاولات الاختراق الخارجية حتى لا تتحول حرية الاعلام الى فوضى عارمة تنخر المجتمعات من الداخل وتهدد الاستقرار وتزرع بذور الشك والتفرقة .
رابعا : ان الأساليب العصرية في ادارة الدولة الحديثة تتطلب ارادة سياسية واعية فلابد من اقتحام التجربة الديمقراطية بكل جدية ولم يعد هذا الموضوع يحتمل أي تأجيل .
نعم لا ينكر أحد أن هنالك من سعى وأن هنالك دول عربية قطعت أشواطا نحوتعصير الدولة وحداثة الادارة والارتقاء بمستوى الفرد وحاصرت جيوب الفقر بمشاريع لم يسبقها اليها أحد وأعني بذلك تونس ، ولكن هذا المجهود يتعين مواصلته حتى تصان هذه المكاسب وصولا الى تحقيق المشاركة السياسية الواعية والديمقراطية الكاملة والاستقلال الكامل للقضاء هوما يعزز المجتمع المدني ويقوي من شأنه ويبعد عنه كل مشاعر الإحباط .
خامسا : اذا كانت هذه بعض شروط نجاح الإصلاح الداخلي للمجتمعات العربية فانه على الولايات المتحدة أن لا يغيب عنها أن الأمور لن تتحسن في العالم العربي والاسلامي بشكل واضح الا اذا وقع حل المعضلة المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي والتي قد انضاف اليها منذ سنة مشكل العراق .
اذا كانت أمريكا جادة في مسعاها لتطوير المجتمعات العربية فهي مدعوة أن تغير سياستها ازاء العرب والمسلمين وان تدرك أن الشعب الامريكي ليس مكروها بالبلاد العربية كما أن نموذج الحياة الأمريكية يبدوشديد الجاذبية للأجيال الجديدة لما اطلعت عليه من مشاهد مختلفة لبريق الحياة الأمريكية التي تتوفر فيها امكانيات هائلة تتطلع اليها الأجيال الصاعدة لكن انحياز الولايات المتحدة لاسرائيل وموقفها المعادي للعرب المسلمين والذي ازداد حدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 جعلها تتحول في نظر الكثير من العرب خاصة الذين تتاح لهم الفرصة لزيارتها من دولة ديمقراطية وبلد الحريات الواسعة الى دولة تقترب أحيانا من أنموذج الدولة البوليسية خاصة عند الدخول اليها والخروج منها وهوأمر لا نريده للولايات المتحدة الأمريكية.
الدولة الرائدة يجب أن تقود العالم وترسخ المبادئ السامية والأفكار الراقية ولا أن تسوس العالم بحاملات الطائرات والصواريخ المنطلقة منها.
كل العرب يتمنون للولايات المتحدة أن تعود الى مبادئها الأصلية ولا تبقى أسيرة لفكرة المغامرة في عصر لا أبدية فيه لقوة واحدة .
لوقدر ذلك أن يتحقق فانه سينعكس ايجابيا على المجتمعات العربية لتخرج من أجواء الاحتقان التي تأصلت فيها من جراء الأحداث الأليمة التي تعيشها يوميا منطقة الشرق الأوسط وبدون ذلك فان الديمقراطية في الوقت الحاضر قد تؤول في كثير من البلدان العربية الى عكس ما تتوقعه الولايات المتحدة اذ ستفرز صناديق الاقتراع شخصيات تكون مناهضة لأمريكا نفسها لأن الديمقراطية في البلاد العربية ليست كما يتوقعه الأمريكيون فهي ليست ديمقراطية الأغنياء والأقوياء كما أنها لا تكون ديمقراطية جماعات الضغط بل أن اختيار الناخب في الوقت الحاضر له دوافع أخرى وهوما يدعوالولايات المتحدة الى أن تقرأ ألف حساب الى هذا الموضوع وأن تعدل مواقفها حتى لا تؤول الديمقراطية في العالم العربي الى بروز قيادات متصلبة ازاءها..
كيف يمكن احداث التوافق بين الغرب والاسلام ؟
نادت الكثير من الأصوات في البلاد العربية بموضوع حوار الحضارات لكن هذا الحوار يمثل في الوقت الحاضر اشكالا كبيرا لأنه عن أي حوار يمكن أن نتحدث فالغرب والمسلمون غير متفقين في كثير من القضايا التي تهم الاسلام فعن أي اسلام سيتحدث المحاور مع الغرب؟ عن الاسلام المستنير الذي تنادي به اليوم بعض الدول العربية كتونس وماليزيا وتركيا وغيرها.
أم الاسلام السلفي الذي يريد الكثير من المسلمين اشاعته بين الناس ومن هم الأشخاص المؤهلين للقيام بهذا الحوار هل هم العلماء أم رجال الدين أم رجال الفكر أم رجال السياسة ثم لابد من البحث عن الأساليب المتبعة لانجاح هذا الحوار أنكتفي بالندوات أوبمراكز الدراسة أوالجامعات أم الأفضل استخدام الوسائل العصرية ( انترنات وغيرها )
لنبدأ اذن بحوار مع الذات أي بحوار عربي عربي وحوار اسلامي اسلامي من أجل الوصول الى صيغة مقبولة من الجميع ثم لابد من ايجاد حلول مشتركة لقضية المرأة بما فيه موضوع اللباس وقضية الفائض والارث وقوانين العائلة وعندما نتفق بعض الشيء عن هذه المواضيع يمكن أن نتصور حوارا مع الحضارات الأخرى ولانجاح ذلك الحوار يتعين اعطاء المثل داخل المجتمع العربي نفسه بتغيير وسائل التعامل مع المواطن العربي ومع الاقليات باحترام حقوق الجميع لأن معالجة قضايا الأقليات لا يمكن أن تكون بالعنف والقوة اضف الى ذلك أن مواقف بعض الأقليات ناتجة عن حالة الاحتقان لا أكثر ولا أقل اذ مازلت أتذكر ما قاله أحد المفكرين الجزائريين من أن البربر ليسوا ضد العربية ولكن ضد السلطة وأنهم تمسكوا بموقفهم ضد قرار تعميم العربية كتعبير عن غضهم فالقضية في كثير من البلاد العربية كما يقول المثل الشعبي (القضية ليست رمانة ولكن قلوب مليانة )
فعندما نطالب بأن نبدأ فورا بالحوار مع الحضارات الأخرى هل نعرف بماذا نطالب وما هي البضاعة التي سنعرضها على الآخر خلال هذا الحوار .
لنبدأ من هنا في الاستعداد لهذا الحوار وأن نتصدى للمحاولات التي يقوم بها بعض العرب والمسلمين لتقديم خدمات مجانية للاعلام المعادي للاسلام .
فهنالك من يطلق على تجمع أوحزب أومنظمة أسماء اسلامية لاضافة قدسية على سياسته فيلتقط الاعلام المعادي الهدية ويستخدمها للاساءة للاسلام بالاضافة الى ذلك فان الجاليات العربية في الخارج كثيرا ما تتبنى مواقف تعود بالمضرة على العرب والمسلمين وقد شاهدنا في المدة الأخيرة ردود فعل محرجة عندما وقعت المصادقة من طرف الجمعية العامة بفرنسا على القانون الذي يمنع التلامذة من حمل علامات دينية بارزة بالمدرسة الفرنسية التي هي مدرسة لائكية .
هذه المواقف يفسرها الغرب عن خطأ بأنها مواقف اسلامية ولم يعد يفرق بين أصحابها وبين الاسلام المتسامح الذي نحرص على ترويجه وقد تناولت هذا الموضوع تقريبا الأستاذة نوال السعداوي التي تتبنى مواقف متقدمة في قضية المرأة بمصر فتوجهت لمخاطبيها في محاضرات ألقتها باحدى الجامعات الأمريكية قائلة « أنتم تريدون الحداثة في العالم العربي لكن هل أثرت الحداثة على الاسرائليين الذين يقتلون الأطفال يوما بعد يوم ويهدمون البيوت على سكانها وهل أثرت الحداثة على الجنود الأمريكيين الذين يقتلون المدنيين الأفغان وينكلون بالأسرى العراقيين» فأجابها مخاطبها الأمريكي هنالك فرق بين اسرائيل واليهودية وبين الولايات المتحدة والمسيحية فردت بأن هناك فرقا أيضا بين الاسلام وما يقترف باسمه من طرف بعض الأطراف المتحجرة.
انه من الخطأ أن نضع المسلمين في سلة واحدة فالمسلم الحقيقي هومتعلق بالحياة لا يريد الموت .
الى من يمكن أن نتوجه بمثل هذا الكلام ؟
أعتقد أن هذا الكلام يمكن التوجه به الى جماعات الضغط ودوائر التأثير في القرار الأمريكي المتصل بالشرق الأوسط خاصة أن العرب هم غائبون الى حد كبير عن تلك الساحة فلقد صرح أحد الأمريكيين مخاطبا بعض المثقفين العرب « أننا لا نعرفكم جيدا كما أن صورتكم منقولة لنا عبر ما يريده الاعلام الأمريكي « فليكن للعرب وجود لا كبرلمانيين أوسياسيين فقط بل كمفكرين وأدباء وفنانين حتى تزول الجفوة وتمتلئ الفجوة .
ولابد أن نخاطب الأمريكيين بلغتهم وعقليتهم بدل من الاكتفاء بشجب المؤامرات اللعينة أوالاستسلام للتفسير الثأري للتاريخ.
وفي انتظار أن يحصل ذلك في يوم من الأيام يكون من الأوكد أن ينطلق الاصلاح من ذاتيتنا وهي مرحلة ضرورية لا مناص منها بعد أن سقطت أسوار العزلة ولم يعد ممكنا اخفاء الحقائق فلوأخذنا اسرائيل كمثال فيجب علينا أن نقر أنها أبدعت في تقديم صورة مبالغ فيها للديمقراطية والحياة السياسية بداخلها ، فلم تتوان عن استخدام الديمقراطية الاسرائيلية في خدمة السياسة الخارجية فهم يجعلون من قرارات الكنيست ونوعية الائتلاف الحكومي أدوات دائمة للتفاوض بل والضغط أحيانا .
وكذلك نرى تركيا ، استعملت الديمقراطية للتخلص من الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية عليها عندما رفض البرلمان التركي دخول الجيوش الأمريكية للعراق انطلاقا من تركيا لكن العرب لا يمكنهم القيام بهذه المناورات لأنهم متهمون بغياب الديمقراطية وفردية القرار .
ختاما اذا كانت أمريكا ترغب فعلا في إنجاح عملية الاصلاح في العالم العربي والاسلامي فانه بامكانها أن تساعد على ذلك بالاسراع بايجاد الحل المناسب للقضية الفلسطينية والتخلص من المستنقع الذي وجدت نفسها فيه في العراق مع التفكير في وضع برنامج تنموي شبيه بالنيوديل الذي طبقته في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لتنمية المنطقة العربية الاسلامية ولتحسين الأوضاع المعيشية فيها والقضاء على بؤر الفقر والخصاصة.
أما اذا كانت تعتقد أنها وضعت العرب في جيبها بعد احتلال العراق وأن مصالحها أصبحت آمنة وأنها اطمأنت على اسرائيل بعد تدمير العراق فان سيطرتها ستبقى محدودة على المدى البعيد وقد ينقلب الموقف الى سلسلة هزائم اذا استمرت في عنجهيتها لأن العنف سيزداد انتشارا .
قضية الاصلاح يجب أن يشترك فيها الجميع فلا تقوم بها دولة عربية نيابة عن أخرى ولا تسعى اليها جماعة من أجل غيرها ولكن هنالك بلدان تأهلت أكثر من غيرها وبإمكانها أن تشكل انموذجا يقع الاقتداء به . فلتكن تونس قاطرة هذا الاصلاح الذي بدأت فيه منذ عقود طويلة سواء على المستوى الاجتماعي أوالسياسي أوالاقتصادي وهواصلاح يتعزز يوما بعد يوم ورغم أن الوضع لا يسمح باستعراض هذه الإصلاحات المتتالية فانه يجدر أن نشير بكل اعتزاز لمشروع التأمين على المرض الذي عرض على المصادقة من طرف مجلس النواب وسيكون مكسبا بالغ الأهمية لكل مواطن لأنه يمنحه الحق في العلاج بالقطاع الخاص أوالعمومي مع توفير أرقى الخدمات والعناية وفي اطار تغطية اجتماعية لم تتوفر حتى في بعض البلاد الأوروبية
كما نشير الى مشروع الاصلاح الاداري الذي سيفضي الى الادارة الاتصالية وحتى الحكومة الالكترونية بمعنى أن كل الخدمات يمكن أن تصبح ممكنة عن طريق الانترنات وهومشروع سيمكن تونس من أن تحتضن قمة المعلومات في ظروف تجعل منها قدوة لغيرها في هذا المجال التقني .
الإصلاحات اذن هي متواصلة على أكثر من واجهة وهي بالأكيد إصلاحات باهظة الكلفة يعسر على الميزانية الوطنية أن تتحمل أعباءها بمفردها وبالتالي فهي تحتاج الى مجهود داخلي ومجهود دولي حتى تكسب تونس رهانات الحداثة والرقي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.