عاجل/ قضية التآمر على امن الدولة 2..تطورات جديدة..    رئيس الجمهورية في الذكرى 69 لانبعاث الجيش...لنرفع رؤوسنا عاليا فخرا بجيشنا الوطني    خلال ندوة بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للمرأة في العمل الديبلوماسي: ٪30 من المناصب في ديبلوماسيتنا تشغلها نساء    توسيع ديوان رجيم معتوق    صابة الحبوب: تجميع 6.109 مليون قنطار...التفاصيل    توقيع مذكّرة تفاهم بين تونس وفرنسا في قطاع الطيران.. #خبر_عاجل    تعزيز الربط الجوّي مع دول عربية    المنستير: الإدارة الجهوية للهيئة الوطنية للسلامة الغذائية تدعو المواطنين لعدم شراء أسماك من خارج المحلات المراقبة حفاظا على سلامتهم الصحية    محلّلون صهاينة ...العرب سيدفعون الجزية لإسرائيل الآن    كأس العالم للأندية : بنفيكا يواجه الترجي الرياضي أو تشيلسي الإنقليزي في الدور القادم    المغرب يبدي رغبته في تنظيم مونديال الأندية 2029    عطلة رأس السنة الهجرية    للمتفوقين في الباكالوريا.. التوجيه الجامعي من 3 إلى 6 جويلية…    وزارة الشؤون الخارجية تعين الوزير المفوض خارج الرتبة صلاح الصالحي رئيسا لبرنامج العمل القنصلي وتفتح 17 مناظرة داخلية بالملفات    الإذاعة التونسيّة تنعى الإعلامي وليد التليلي    وزير الصحة يلتقي بالقاهرة برئيس هيئة الدواء المصرية    بورصة تونس توافق على إدراج أسهم'الترجي هولدينغ'في السوق الرئيسية    عاجل/ كمين غزّة: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الاحتلال وآخرين مفقودين    التشكيلة المحتملة للترجي في مواجهة تشيلسي.. #خبر_عاجل    المنتخب التونسي للكرة الطائرة فتيات دون 19 سنة يتحول يوم 30 جوان الى صربيا للمشاركة في بطولة العالم 2025    المنتخب التونسي لكرة السلة: قائمة اللاعبين المدعوين للتربص الاعدادي القادم    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي وليد التليلي    عاجل/ ترامب يحسمها بخصوص تغيير النظام في إيران    عاجل: فضيحة تأشيرات مزوّرة تهزّ المنطقة المغاربية.. وهؤلاء هم المتورطون!    الليلة: السماء قليلة السّحب والبحر هادئ    وزير التربية يزور مركز اصلاح امتحانات شهادة ختم التعليم الاساسي ويدعو ال ضمان مبدأ تكافؤ الفرص    إعلان طلب ترشحات لتطويع كتاب الرياضيات للسنة الثالثة اقتصاد وتصرف إلى صيغة ''البراي''    توزر: تقدّم هامّ في أشغال إعادة تهيئة وحدتين سياحيتين مغلقتين بتوزر وتمغزة وتوقّعات بافتتاحهما مع بداية الموسم الشتوي    افتتاح معرض "الأسبو" للتكنولوجيا والتجهيزات وسوق البرامج على هامش الدورة 25 لمهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية    الأمين السعيدي روائي ام فيلسوف؟    بدّل طريقة تفكيرك.. تتبدّل حياتك! كيفاش يكون التفكير الإيجابي سرّ نجاحك؟    عاجل/ ولاية تونس: على المُنتصبين عشوائيا الالتحاق بهذه المواقع غدا    تحذير صحي: لماذا يجب التوقف فورًا عن استخدام الهاتف في هذا الوضع اليومي؟    هذا ما سيحدث لجسمك إذا توقفت عن التدخين لمدة 7 أيام فقط!    3 أطعمة لا يجب تناولها على معدة فارغة... خطر على الصحة    اختتام المرحلة الأولى من مشروع "البحر الأزرق هود" وإطلاق المرحلة الثانية بإنشاء مساحات خضراء    المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون: افتتاح معرض للتكنولوجيا والتجهيزات وسوق البرامج    الرابطة الدولية للنشر المستقل تعلن من تونس عن "خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي"    نبيل الكوكي مدربا جديدا للمصري البورسعيدي    هذا ما يفعله تخطّي وجبة الإفطار لاجسامنا..    موقف تونس الديبلوماسي مبدئي و يدين كل الاعتداءات التي تطال البلدان الإسلامية (النفطي)    العراق يفتح الأجواء أمام حركة الملاحة الجوية الدولية    إيران: اعتقال 6 جواسيس في همدان    " ماهر الكنزاري: مباراة تشيلسي تاريخية للترجي ونراهن على التأهل    9 آلاف لدغة عقرب في تونس خلال سنة فقط: أحمي روحك ودارك قبل فوات الأوان!    نوفل الورتاني يعود إلى موزاييك أف أم مديرًا للبرمجة ويطلق برنامجًا جديدًا    بلاغ هام لوزارة المالية..#خبر_عاجل    غدا.. تحرّي هلال شهر محرم…    ناجي غندري يكشف عن استراتيجية بنك الأمان لمرافقة الشركات التونسية نحو انتقال طاقي مستدام    ''الكونترول'':كيف تعرف المواد التي يجب عليك إعادتها في دورة المراقبة؟    حريق يأتي على 5 هكتارات بمنطقة جرادو بزغوان..وهذه حصيلة الأضرار..    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء والنقل التلفزي    بداية من اليوم: الانطلاق في رش المبيدات بالطائرة بهذه المناطق في ولاية تونس    جلسة عمل بولاية اريانة حول تقدم أشغال مشروع تهيئة و حماية مرفأ الصيد البحري بقلعة الأندلس    في الصّميم .. تونس.. الترجي وأمريكا    أولا وأخيرا: «باي باي» أيها العرب    أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذراع الطويلة والذراع القصيرة (2)...إسرائيل ظاهرة أبعد من ذاتها!
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


** معرفة الأصل تقلل من أهمية الأصل
نيتشه
لا يمكن أن ننكر أن أحداث الفترة التوراتية هي نفسها التي تهم أي قارىء أمريكي أو انقليزي عادي، ولذلك يبدو هذا موضوعا مناسبا لنبدأ به القصة...
بالي د. جغرافيا (الكتاب المقدس) 1974 م
يقول هيرمان في كتابه حول تاريخ اسرائيل الصادر سنة 1975 م «إن إسرائيل الصغيرة، الضعيفة تاريخيا وغير ذات تأثير، قد أطلقت قوى كانت أشد تأثيرا من أي حسابات في السياسة العالمية. وأصبحت اسرائيل هذه ظاهرة أبعد من ذاتها ونموذجا يحتذى، وأثارت السؤال الأساسي المتعلق بطبيعة الوجود التاريخي. أما الاجابة عن هذا السؤال فإنها تستعصي على أي ذهن». هذا كلام لا غبار عليه، وجاهل من يدعي أنه غير صحيح. فإسرائيل كما يعرفها الجميع هي اليوم، صاحبة اليد الطولى بالفعل، أو ما عبرنا عنه بالذراع الطويلة.
غير أن «السؤال الأساسي» الذي بدا محيرا لهذا المؤرخ التوراتي الكبير، لا نعتقد أنه يستعصي على الفهم الى هذه الدرجة. وما سنحاول القيام به هو الاجابة على هذا السؤال الأساسي المحير. إننا على يقين من أن صاحب هذا الكلام يعرف الاجابة ولا يريد الافصاح عنها، بل إن هدفه هو على العكس، اخفاؤها، إمعانا في طمس الحقيقية. ولكن، رغم ذكائه الشديد يبدو أنه كشف عن تلك الحقيقة فيما هو يحرص على لفها وإخفائها.
إن «تاريخ إسرائيل القديم يبدو كلحظة قصيرة في التاريخ الفلسطيني الطويل» اذ لا يزيد عمر مملكة اسرائيل على 75 سنة فما بالك بتاريخ كيانها الحديث الذي لا يزيد عمره على 55 سنة غير أن إسرائيل هذه أصبحت «ظاهرة أبعد من ذاتها» كما وضح هيرمان متباهيا. أجل، اسرائيل ظاهرة أبعد من ذاتها لأنها لو لم تكن كذلك لما كان لها شأن يذكر حتى لمجرد الذكر، فكيف قلبت اسرائيل الصغيرة الموازين وأصبحت ظاهرة أبعد من ذاتها؟ هذا ما سنحاول توضيحه، ولن نذهب بعيدا، لأننا سنكتفي بفك بعض رموز كلام هيرمان نفسه.
لا نظن أن أحد لا يعرف وعد بلفور أو لم يسمع به، لقد درسناه في التاريخ وتدارسناه. كما درسنا وتدارسنا اتفاقات سايكس بيكو وقرأنا الكثير أو سمعنا عن مؤتمر بازل ولكن وعد بلفور الذي يهمنا هنا بالدرجة الأولى باعتباره يعدّ تاريخيا بطاقة ولادة دولة اسرائيل لا نظنه إلا قناعا قذرا يغطي الوجه الأكثر بشاعة من الجريمة العظمى. ذكرنا هذا في مناسبة سابقة ولا نرى بأسا هنا من التذكير بل لعل ذلك واجب.
قد يكون من الغريب لدى البعض أن نقول إن تهجير اليهود إلى فلسطيني هو رغبة بريطانية أكثر مما هو إرادة يهودية، ذلك أن هذه الدولة الاستمعمارية التي تطعمت أكثر من أي دولة استعمارية أخرى في التاريخ الحديث، لذة الاستعمار، وانتشت بامتصاص دماء الشعوب المستضعفة واستنزاف ثروتها الطبيعية وشيدت مدنها ومؤسساتها على جثث أبناء تلك البلاد المستعمرة كان على مهندسي سياساتها، أن يبحثوا عن الطرق التي تضمن لدولتهم الاحتفاظ بنفوذها وهيمنتها على الشعوب المستعمرة من أجل أن يدوم استغلال طاقاتها البشرية وثرواتها الطبيعية ما أمكن له أن يدوم.
وتحقيقا لإشباع هذه الشهوة اللامحدودة في استعباد بني آدم، وتنفيذا لهذه السياسة الإمبريالية شكّل كامبل بانرمن (Sir Henry Campbelle - Bannerman) رئيس وزراء بريطانيا في مطلع القرن الماضي (1905 1908 م) لجنة من خبراء في التاريخ والقانون والسياسة، أطلق عليها اسم لجنة الاستعمار البريطاني لكي تقوم ب»دراسة أفضل الطرق التي يجب الأخذ بها في المناطق الخاصة من آسيا وافريقيا لترسيخ قدم الاستعمار فيها» وتمخضت أعمال هذه اللجنة بعد سنة من البحث والتفكير والنقاش عن تقرير سري سمي تقرير كامبل بانرمن وضع في النهاية بين يدي وزارة الاستعمار البريطانية لكي تعمل على تنفيذ ما تضمنه من اقتراحات ووصايا، ويهمنا أن ننقل هنا الوصية الذهبية التالية، وهي :
«ضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، وتقترح اللجنة لذلك اقامة حاجز بشري، قوي، وغريب يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بافريقيا بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة».
ولا يمكن أن يخطىء المرء المعنى المقصود بالحاجز البشري القوي الغريب الذي سيشكل في الجسر البري (بعبارة أوضح في فلسطين) قوة صديقه للاستعمار عدوة لسكان المنطقة، وإذا أردنا مزيدا من التوضيح لنستمع إلى تصريح لأحد كبار خلفاء بانرمن وبلفور، في رئاسة وزراء بريطانيا وهو ونستن تشرشل، لا يترك أي مجال للشك في المعنى المقصود بالحاجز البشري. يقول :
«إذ أتيح لنا في حياتنا وهو ما سيقع حتما، أن نشهد مولد دولة يهودية، لا في فلسطين وحدها بل على ضفتي الأردن معا، تقوم تحت حماية التاج البريطاني، وتضم نحوا من ثلاثة أو أربعة ملايين من اليهود، فإننا سنشهد وقوع حادث يتفق تماما الاتفاق مع المصالح الحيوية للامبراطورية». ولا غرابة في أن يتحدث تشرشل في تصريحه بهذه الصراحة البالغة فهو الذي بلغة المتحضر اللبق : «إن العربي كالكلب إذا ضربته سارع إلى لحس حذائك»!
تلك إذن هي إسرائيل، ولا شيء غير ذلك، حاجز بشري يقف بين العرب والمسلمين من جهة (وان كان الإسلام في الواقع لا حدود له وقد أثبت ذلك منذ مراحل انتشاره الأولى مثله مثل بقية الأديان حتى غير السماوية) وبين بريطانيا وبمعنى أعم بينهم وبين الغرب من جهة أخرى، كمحطة إنذار مبكر أو قاعدة عسكرية متقدمة تحمي مصالح الغرب وتدفع عنها طمع المتطفلين وشر المتسللين المعتدين!
وما وعد بلفور اذن سوى تحقيق سياسي لما أوصت به لجنة الاستعمار البريطانية، في غمرة انتصار الانقليز على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. ثم جاء تحقيق تلك الوصية على الأرض وكأنه ظاهريا مجرد تطبيق لذلك الوعد على اثر انتصار الحلفاء على دول المحور.
لقد فشلت جميع الحملات الصليبية السابقة في القضاء على الأمة العربية والاسلام بما فيها الاستعمار الغربي لمعظم الأقطار العربية في القرنين الماضيين، فكان لا بد لهذا الغرب من أفكار أكثر صرامة ونجاعة، فكانت اسرائيل، تحقيقا لحلم مسيحي غربي قديم أشرف في يوم ما على اليأس.
إن إقامة دولة يهودية في فلسطين لم تكن مجرد إرادة صهيونية وانما هي بالدرجة الأولى خطة جهنمية انقليزية غربية تكريسا للنفوذ الغربي وترسيخا لأقدام الاستعمار بأشكاله وألوانه في البلاد العربية وخاصة الأطماع البريطانية. بعبارة أخرى لم يكن هذا الاختيار اختيارا يهوديا محضا بقدر ما كان إلى حد كبير تحقيقا لمؤامرة بريطانية أساسا، مسيحية غريبة عموما، ركبت بريطانيا من أجل احكام تنفيذها موجة الحركة الصهيونية التي انعقد أول مؤتمر سري لها بمدينة بازل بسويسرا سنة 1897م وبناء على ذلك يحق لهيرمان أن يصفها بأن إسرائيل على صغرها وضعفها، أشد تأثيرا من أي حسابات في السياسة العالمية وانها بالتالي ظاهرة أبعد من ذاتها، ذلك أنها تستمد حجمها المنتفخ وقوتها المفتعلة، من قوى عظمى انتدبتها دون أن تعلم لخدمتها ووضعتها على خط النار، في فوهة المدفع، هذا الرأي قد يكون مثيرا للدهشة ولكن تكفي العودة الى بعض المؤشرات التاريخية وإن كنت لست مؤرخا، للبرهنة على صحته، وللحديث بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.