يحيي اليوم الشعب الفلسطيني ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي تم على اثره منح وطن قومي لليهود نزولا عند الرغبات الصهيونية العالمية , ولكن هذا العام صادفت هذه الذكرى منح فلسطين مقعدا في منظمة " اليونسكو " . وعد بلفور أو تصريح بلفور المعروف أيضاً بوعد من لا يملك لمن لا يستحق وذلك بناء على المقولة المزيفة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض يطلق على الرسالة التي أرسلها " آرثر جيمس بلفور " إلى " اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد " يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 أصدرت بريطانيا وعدها المشؤوم الذي مثل سابقة في تاريخ العلاقات الدولية، على حساب الشعب العربي الفلسطيني. فقد وجّه وزيرالخارجية البريطاني آنذاك، " آرثر جيمس بلفور " رسالة إلى اللورد " ليونيل وولتر دي روتشيلد " يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، يمتد من رأس الناقورة شمالا وحتى أم الرشراش جنوباً و من البحر الميت شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً . إنه وعد بلفور الذي تم التعبير عنه لاحقاً بالعبارة الشهيرة لقد أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، في غياب صاحب الحق. وهو الوعد الذي جاء إيذاناً بتمكين الحركة الصهيونية من أرض فلسطين والتمهيد للنكبة الفلسطينية بعد ثلاثة عقود من ذلك. و كان واضحاً أنّ الموقف الاستعماري الإنجليري لم يكن بعيداً عن نشأة المنظمة الصهيونية أو أطماعها، وأحد المؤشرات المبكرة على ذلك تمثلت في الصلة بين مؤسس تلك المنظمة تيودور هرتزل والسفارة البريطانية بفيينا النمساوية حيث كان يقيم هرتزل ذاته. ومع ذلك؛ فإنّ وعد بلفور جاء منعطفاً تاريخياً، وتتويجاً لسياسة بريطانية عنوانها الهجمة على فلسطين والتمكين للصهاينة فيها. من هو بلفور؟ وللتعريف بتلك الشخصية الكريهة في الوعي الفلسطيني، " آرثر جيمس بلفور "، فهو وزير الخارجية البريطانية سابقاً، وهو من اشتهر بإعطاء وعد بلفور الذي نص على دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وُلد آرثر جيمس بلفور سنة 1848 في ويتنغهام، التي أصبحت تعرف اليوم باسم لوثيان وتقع في أسكتلندا ضمن مملكة بريطانيا. وبعد أن أنهى دراسته الأولية التي درس فيها التعاليم التوراتية العهد القديم، أكمل دراساته العليا في كلية إيتون وجامعة " امبردج " بإنجلترا. وقد انتخب بلفور لأوّل مرة في البرلمان سنة 1874، وعمل وزيراً أوّل لأسكتلندا عام 1887 ثم وزيراً رئيساً لشؤون إيرلندا من عام 1887 – 1891 , ثم أول رئيس للخزانة من عام 1895 - 1902, ورئيساً لوزراء بريطانيا من عام 1902 الى 1905. وكان بلفور يعارض الهجرة اليهودية إلى شرق أوروبا خوفاً من انتقالها إلى بريطانيا، وكان يؤمن بأن الأفضل لبريطانيا أن تستغل هؤلاء اليهود في دعم بريطانيا من خارج أوروبا. وقد أُعجب بلفور بشخصية الزعيم الصهيوني " حاييم وايزمان " الذي التقاه عام 1906، فتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع التأثير في السياسة الخارجية الدولية وبالأخص قدرتها على إقناع الرئيس الأمريكي " آنذاك ولسون " للمشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا. وحين تولى بلفور منصب وزارة الخارجية في حكومة لويد جورج في الفترة من 1916 إلى 1919؛ أصدر في الأثناء وعده المعروف ب وعد بلفور سنة 1917 انطلاقا من تلك الرؤية. وكانت أول زيارة لبلفور إلى فلسطين سنة 1925، حينما شارك في افتتاح الجامعة العبرية، وعمّت وقتها المظاهرات معظم الأراضي الفلسطينية احتجاجاً على قراره الذي أصدره عام 1917 والذي اشتهر بوعد بلفور. وعلاوة عن ذلك ؛ فقد تزعّم بلفور حزب المحافظين لأكثر من عشرين عاماً، وشغل منصب رئيس مجلس اللوردات لمدة خمس سنوات من 1924 الى 1929، وقد توفي عن عمر يناهز ال 82 عاماً تاركاً وزراً ثقيلاً من ورائه أثقل كاهل الشعب الفلسطيني . ماذا بعد الوعد؟ رغم أهميته التاريخية ؛ يبقى وعد بلفور مجرد تعهّد، وخطوة كبيرة في التمكين للصهيونية في فلسطين. إلاّ أنّ الممارسة العملية البريطانية والغربية جاءت تأكيداً لهذا الوعد، لتنشئ الحقائق الجسيمة على الأرض، على حساب فلسطين وتاريخها وشعبها وحقوقه. كان يمكن، نظرياً، أن تتراجع بريطانيا عن وعدها بعد أن استعمرت فلسطين في اطار ما يسمى بالانتداب 1918 – 1948 ، لكنها تمسكت به وأكدت العمل بمقتضاه في وثائق حكومية وبرلمانية لاحقة صدرت في عشرينيات القرن العشرين. وطوال الاحتلال البريطاني لفلسطين؛ مكّنت السلطات المحتلة للعصابات الصهيونية، و كان الجلاء البريطاني عن أرض فلسطين العربية الإسلامية إيذاناً بابتلاع الصهيونية لتلك الأرض لقمة سائغة. أمّا الشعب الفلسطيني؛ فلم يستسلم للوعود والقرارات والوقائع العملية، بل خاض جهاده ومقاومته وانتفاضاته المتلاحقة ( من أولاها انتفاضة البراق عام 1929 )، بينما استمرت التحركات المناهضة لحقوقه بلا هوادة .