بين القمتين... قمة بيروت الأخيرة وقمة تونس مسافات مثخنة بجراحات الوطن ومكبلة بضمائد الانشاء... فهل تفك قرطاجة حصارات بيروت... هل ترمم انكسارات بغداد... وهل تلملم حزن المدائن المستباحة؟ بين فلسطينوتونس روابط ووشائج من شذى الزعتر وروائح أغنيات فينقية لا تعرف شارة للوقوف. بين الأرض هناك والأرض هنا حبل سري قديم من نسل الأساطير... لما انكسر جناح الطائر البري في بيروت (1982) تلقفته يدا عليسة بلسما ضمدته من أشرعة الحلم المخضب بحناء أعراس الأرض القادمة من أفق الحرية وأطلقته... بيروت المتعبة بسفر الخروج من وحل الاقتتال الأخوي، نسيت على شرفتها طائرها الحبيس. أو ظنت أنها قد دربت فرخها على السير فوق عواصف الغابات.... يا أيها النسر الفلسطيني المحاصر بالعداوة والصداقة واللباقة... منذ بضع الوقت لم تبق وحيدا في معاشرة الدسائس وخرائط التقسيم. فقد اهتدى الكرم العربي الى وصفة إهداء السقيم كليما!.. بالأمس جليلي واليوم بابليّ... وموسم انتهاء الصيد لا زال مقيما؟ لا تسألني على عهدي بك، معك أو لك فقد أصبحت مواثيقي تقاس بالقدر الذي أحتفي به بأصدقاء حريتي في اختيار الموت أميرا بحاشيتي أو الموت أسيرا لدى اخوتي الألداء لي... أنا لا أرى! وهل يرى «من وضع مكان عينه لؤلؤة»... (أمل دنقل). أنا لا أرى من هو أدرى من عمار بن ياسر بشعاب القدس؟! ولا أحد غير الذين هم معك وضدك لأنهم حولك أهلا أو أنصارا. وقد أشاحوا بأنظارهم عن الفتنة القاتلة... حاصر حصارك ولا تأبه لحماقاتنا. فقد عربنا الجدل البيزنطي وسبق السيف العذل. كم طعنت بنا أيها «الكنعاني المغدور» (عبد الحفيظ المحتومي) متفردا فشددنا أزر يتم الزيتونة بيتم النخيل... بيروت «النجمة».. سلمتك يا تونس مهجتها بذرتها حِمْلَ أعشاشها المتبقية... فكوني يا تونس كما عهدناكِ جبلا أشما ترقى إلى قمته عذاباتنا... كوني فينيقا أيتها الفينقية التي أتعبت روما... تجاوزي عن فرقتنا النمطية وتعالي عن عقوق غفلتنا... فأرواح الشهداء لا تزال تبحث عن أرض محررة نأوي اليها من بغداد الى حمائم الشاطىء ونورسه... والجليل...