محمد المحسن الإدارة الجهوية للتعليم بتطاوين ... ايام قلائل تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية بتونس ومع اقتراب هذا الموعد بدأ الرأي العام العربي وبخاصة النخب العربية تنظر اليها بمزيج الامل والاشفاق معا: الأمل في ان تنجح في تجاوز المطبات الراهنة شديدة الخطورة على حاضر العرب ومستقبلهم، والاشفاق من ان تحول التحديات الراهنة بتداعياتها الدراماتيكية بينها وبين القدرة على تجاوز هذه التحديات. والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: هل بإمكان القادة العرب بلورة مجموعة من المهام التي ستوضع امام القمة العربية بحيث تراعي في صياغتها اعتبارات الواقع المحيط بنا دون ان يصل الامر الى حد الاستسلام لما يفرضه هذا الواقع؟ لا نريد ان نصيب القارئ الكريم بالاحباط من ذكر القرارات الكثيرة التي اتخذتها قمم عربية دون ان يشار بحرف واحد الى مآلها في القمم التالية، الا ان ضعف المتابعة لم يعد امرا مقبولا، لاسيما بعد تطوّر القمة العربية الى وضع مؤسسي جعل منها المستوى الأعلى في إدارة شؤون الوطن العربي على نحو منهاجي لا يمكن ان يستقيم دون متابعة، ومن هنا فإن قضايا عديدة يجب متابعتها في قمة تونس لعل من اهمها القرارات المتعلقة بالصراع العربي الاسرائىلي خاصة تلك المرتبطة بالدعم المادي لانتفاضة الأقصى... وكذا الوضع المتفاقم في العراق ومشروع الشرق الأوسط الكبير... وعديد من القرارات الاخرى المتعلقة بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ومحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين، والموضوعات المتعلقة بالتكامل الاقتصادي العربي، وتطوير القدرات العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير الجامعة العربية، وغير ذلك من القضايا ذات الاهتمام المشترك.. ما اريد ان اقول؟ اردت القول اننا الآن .. وهنا.. بتنا في منعرج تاريخي حاسم، حيث يبدو الامر حتى الآن ليس الا اعدادا لتغيير وجه المنطقة واعادتها الى ما قبل مرحلة سايكس بيكو، فما تطلبه واشنطن كل يوم عبر التعليمات المتلفزة لا يختلف كثيرا عن التعليمات والفرامنات السلطانية التي كانت تصدر عن الباب العالي، ومن هنا فإننا جميعا في قارب واحد وما علينا، الا ان نحدد موقفنا بكل وضوح، وان نسوقه كما يجب ان يكون التسويق ناهيك، وان ما نراه اليوم في فلسطين او في العراق، قد لا يكون الا قمة جبل الثلج، فما خفي كان اعظم، ان هذه المنطقة اي الشرق الأوسط، وتحديدا العالم العربي، مقدمة على سنوات خاوية، اذا حكمنا بما نعايش، وامعنا النظر فيما نشهد ونرى، وهذا يعني في مجمله اننا نواجه هجمة شرسة على ثقافتا... فكرنا... تراثنا وعلى الانسان العربي ذاته والذي اصبح مدانا حتى تثبت براءته او حتى تخضع، ارادته وتخضع عزيمته، بل ان النظام القائم في منطقة الشرق الأوسط وجرهره الاغلبية العربية، مطلوب تطويعه او اذابته، ليس حبا في مستقبل افضل له ولكن خدمة لأهداف اخرى يأتي على رأسها تهيئة الجو العام لنظام اقليمي يلعب فيه العرب ادوارا ثانوية تابعة تخدم استراتيجيات كونية خارجية ليس كلها متفقة مع مصالحهم وتقع في اطار مفهوم للعولمة لم تتضح معالمه كلها لنا بعد... وسواء اكان المقصود ايجاد شرق اوسط بالمعنى الاسرائىلي، ام انتاج شرق اوسط مختلف كثيرا او قليلا نتيجة للرغبة الامريكية، فإن كل الاحتمالات التي تريد امريكا فرضها تظل قابلة للتحقق بدرجات عليا من الاحتمال، ويستتبع ذلك القول ان مصير النظام العربي وما يرتبط به من منظمات كالجامعة العربية ستبقى فاقدة لقيمتها ، مشلولة عن ممارسة اي تأثير جدي في الحياة العربية، كما كان عليه الحال دوما حتى عندما كان العرب في احسن احوالهم غير انه الاخطر من كل ذلك هو تعرض المنطقة العربية الى نوع من البلقنة ينتهي بها الى تقسيم الدول القائمة الى دويلات طائفية وعشائرية واثنية، وهو ما قد تقتضيه المصلحة الامريكية. وإذن؟ لم يكن اذن، القول الشائع «على كفّ عفريت» اكثر انطباقا على المنطقة العربية في اي حقبة مما هو عليه اليوم، فلم يعد يبدو ان لدى العالم العربي استراتيجيات ولا خطط ولا مشاريع وطنية او اقليمية ولا مقترحات خارج نطاق التأطير القائم على الصهر المؤلم لجميع الافراد والقوى والاتجاهات في اتون تصوّر يراهن على تعقيم الافراد والمجتمعات ومنعهم من التفكير والتنظيم والمبادرة والعمل والابداع. وما يستولي على المراتب السياسية للاوضاع العربية اليوم هو الشعور المؤلم بانعدام الرؤية، والافتقار الى الإرادة ومن ثم غياب القيادة والاستسلام الى المصير القدري. ولكن.. الامر الذي لا يحتاج الى تأكيد هو ان كل الشعوب العربية ترفض المآل الذي تقاد اليه: مآل الشرق اوسطية، وما قد يستدعيه من تفكيك او دمج او تفريغ او الحاق او احياء لأسر ميتة تقوم بأدوار لا علاقة لها بالمصالح الحيوية للشعوب. ما المطلوب؟ لا يطالب عاقل قمة تونس بالمستحيل، او بسقف عال من القرارات لا يمكن الوصول اليها في ضوء معطيات الواقع العربي الراهن، فإن مثل هذه المطالبة سوف تسهم بالتأكيد في تقويض مصداقية القمة بفرض، امكان الاستجابة اليها، غير اننا لا نتوقع من ناحية اخرى ان تكون قمة تونس قمة مجرد مرآة عاكسة للواقع العربي، فإن ذلك لو حدث سوف، يمثل تقويضا اكبر لتلك المصداقية وانما يتعين على قمة تونس ان تحاول بأقصى قدر ممكن من الحسابات الرشيدة السير بخطى واثقة على طريق مواجهة المخاطر الراهنة التي تحيط بالنظام العربي، والتي وصلت الى مستويات غير مسبوقة اقليميا وعالميا، وان تكون هذه الخطى المحسوبة الواثقة جزءا من رؤية استراتيجية صائبة لمستقبل عربي افضل، ولسبل الوصول اليه.