وجدت قناة ال «سي بي أس» شجاعة في ان تبثّ صور تعذيب المعتقلين في سجن «أبو غريب»، من العراقيين الذين يقع الشك في ولائهم للاستعمار. وقد كانت هذه الصور التي كشفت ممارسات لا انسانية في حق المساجين، سواء عبر الاعتداء على اجسادهم، أو من خلال الاعتداء على شرفهم، دليل ادانة جديد لسياسة لا تحتاج، والحق يقال، الى شهادة سوء سلوك اخرى! وقد أثبتت الصور بالدليل القاطع، استهتار قوّات الاحتلال بحقوق الانسان التي تتبجح بها، بل وأيضا تبرّر بها اجتياح العراق. فشاهدنا عورات المعتقلين الامامية والخلفية، واكتشفنا ما أستتر من حرمة اجسادهم، ورأينا حولهم جلاديهم وهم يضحكون ويتمتعون بصنائعهم، ولا يرعوون على أخذ صور تذكارية، وهم يمارسون معهم اقصى درجات العنف والاذلال! وبسبب هذه الصور تمّت اقالة «الجنرال» التي تشرف على المعتقل وهي سيدة مما يعني ان حجم الجريمة والفضيحة لا يمكن تبريره هذه المرّة بانفلات سلوكي فردي صادر عن جندي اصابه الملل في العراق، فراح يتسلّى بتعذيب أهله. وإنما وبالنظر الى رتبة المسؤول المقال، يكون قرار الجريمة قد صدر عن جهات مسؤولة كبيرة قد تكون في اقل الحالات قد غضّت النظر عما يحصل، حتى كشفت قناة ال «سي بي اس» ما كشفت، فجاء قرار الاقالة كبيرا ومن ورائه حجم الجريمة، ومستوى الفضيحة الكبيرين! وكردّ فعل على هذا الذي حصل، لم يجد الجنرال كيميث نائب قائد القوات الامريكية في العراق، الا القول بأن المتهمين من جنوده لا يمثلون الجيش الامريكي! وإذا كانت سيدة في رتبة «جنرال بريقادير» لا تمثل جيشه فمن يا ترى يمثّل هذا الجيش؟ واذا كانت في كل مرّة تصدر في الخفاء قرارات خجولة، تقضي بمعاقبة بعض الجنود لاعتدائهم على عراقيين، فإن القرار الذي طال هذه المرة جنرالا، لا يمكن الا ان يكون الدليل على تورّط الجنرال وعلى تورّط مئات الذين يأتمرون بأوامره! وبالتأكيد فإن جيش الاحتلال الامريكي، يتكوّن في تركيبته من مرضى وشواذ يسمح لهم القانون بالعمل في ا لعسكرية، وقد شاهدنا شذوذهم بأم اعيننا، ورأيناه علي شاشات التلفزيون. وليس هناك مكان أطيب للشواذ من بلد محتلّ وشعب غريب، وقانون غائب، لكي يمارسوا ساديتهم ومازوشيتهم بلا خوف او انتظارحساب. كما ان ممارسات جيش الاحتلال، حتى قبل هذه الحادثة الكبيرة والمدويّة لم تكن بريئة من تهم السرقة والنهب والسطو على مملتكات العراقيين والعراقيات، مما يؤكد على احترام حقيقي لحقوق الانسان، وعلى تبشير لا يرقى اليه دنس بالديمقراطية. وهذا الذي يحدث في سجون العراق الذي اصبح بدوره سجنا كبيرا، يذكّرنا ايضا بتقارير الادارة الامريكية وتباكيها على ما يحدث في سجون البلدان التي تقول عنها انها لا تأبه لحقوق الانسان، وتصنّفها كعدوة للديمقراطية، متناسية ان تلك البلدان لا يمكن ان تبزّ «المعلّم» الكبير ولا يمكن ان تنافس من أنشأ ثقافة الابادة اصلا، وليس ثقافة الاعتداء على حقوق الانسان لوحدها! بقيت الاشارة لاستقالة المسؤولة الامريكية التي عُيّنت على رأس مكتب تجميل صوره امريكا، وهو المكتب الذي تمّ بعثه عند التحضيرات للحرب على العراق. فقد عجزت المسكينة، رغم ما توفّر لها من امكانيات تجميلية ومن مواد زينة، ان تخفي ولو جزءا صغيرا من قبح «الوحش» الذي يزداد كل يوم بشاعة!