خائنٌ، صفة قذرة كانت تلتصق بكل فلسطيني يبش في وجه أعدائه. خائنٌ، لفظة أطلقها الفلسطينيون على كل من يلتقي سرا أو علانية مع رجل الأمن إسرائيلي، وأطلقوا عليه النار بلا رحمة، حتى صار خائناً لدم الشهداء كل فلسطيني لا يحقد على مغتصب وطنه! فكيف لو صار هذا الفلسطيني صديقاً لليهودي الذي لما يزل يقتل الفلسطينيين؟ ماذا تقولون بالفلسطيني الذي يتصل باليهودي كل يوم، ويرتب معه الاستثمار المالي، ويتبادل معه المنافع، وينسق معه العلاقة الحياتية، ويتبادل معه التهاني والبركات بحلول شهر رمضان المبارك، ويتمنى على الله أن يعيد عيد الأضحى على أمة اليهود بالخير والبركة! يقولون: رأس مال جبان! فمن أين لرأس المال الفلسطيني هذه الشجاعة لكي يستثمر مليارات الدولارات في المستوطنات الإسرائيلية، كما جاء في دراسة الباحث الفلسطيني عيسى سميرات؟ من الذي شجع أصحاب رؤوس الأموال للتعامل مع إسرائيل دون شعور بالخجل؟ ألم يسبق التنسيق الأمني التنسيق الاقتصادي؟ ألم تسبق اللقاءات التفاوضية التنسيق الأمني؟ فكيف تلومون الذي ينسق اقتصادياً، ولا تحاربون الذي ينسق أمنياً؟ كيف تطالبون العرب مقاطعة إسرائيل لتستثمروا أموالكم في بناء المستوطنات؟ وكيف تحضون العالم على مقاطعة منتجات المستوطنات في الوقت الذي تستثمرون فيه أموالكم في تسمين المستوطنات ذاتها؟ غريب أمر السياسيين الفلسطينيين؛ يهاجمون إسرائيل لأنها تبني جدار الفصل العنصري، وفي الوقت نفسه يستوردون الأسمنت المصري لصالح من يبني جدار الفصل! وغريب أمر السياسيين الفلسطينيين الذين ما زالوا يقتنعون أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للتعامل مع إسرائيل، وهم يعرفون أن اليهود قد استثمروا المفاوضات سياسياً، وحققوا منها بغيتهم، واستثمروا المفاوضات أمنياً وحققوا منها بغيتهم، واستثمروا المفاوضات ماليا وإعلامياً وثقافياً وحققوا منها بغيتهم، ليقف السياسي الفلسطيني مدافعاً عن فضيحة الاستثمار المالي الفلسطيني داخل المستوطنات الصهيونية، فإذا بالوزير حسن أبو لبدة يدين السلطة الفلسطينية، ويتهمها بالتبعية لإسرائيل، وأنها بلا إرادة، وإنما تنفذ كل ما يملى عليها من قبل إسرائيل، بل يتجاوز الوزير ذلك وهو يدعو 163 ألف موظف فلسطيني لرفع قضايا فردية في المحاكم الدولية ضد وزير المالية الإسرائيلي؛ بصفته المسئول عن عدم تحويل أموال الضرائب للسلطة، بمعنى آخر، السلطة الفلسطينية بريئة من عدم قدرتها على توفير رواتب الموظفين! منطق الوزير السياسي أبو لبدة يعزز رؤية الإسرائيليين للقضية الفلسطينية، ويؤكد أنها ليست قضية شعب، وليست سياسية، وإنما قضية أفراد تضررت مصالحهم، وعليهم اللجوء للقضاء، وضمن هذا المنطق؛ على كل لاجئ فلسطين أن يرفع قضية في المحافل الدولية على مغتصب أرضه، وعلى كل مواطن في الضفة الغربية أن يرفع قضية على الاحتلال لأنه سجن ابنه، وقتل أخاه، ولأنه يصادر أرضه، وكفى الله باقي الفلسطينيين شر القتال. ضمن هذا المنطق، ما مبرر وجود السلطة الفلسطينية، وما حاجتنا إلى وزير؟!.