بسم الله الرحمان الرحيم هناك... في أدنى الأرض، فيها صخر يبكي لفراق أرض مشى فيها حبيب الله، هناك.. حيث كل شيء ينتهي إلى لاشيء... حيث تتحول كل الأشياء إلى عبثية، أين الحقد والكراهية يملآن مابين البحران... هناك... الشمس ساطعة ولكن لا نور ولا ضوء ولا حرارة... هناك ثمة ما كان ولم يكن... هناك.. على شاطئِ الحياة المتضمخِ بدماء الشهداء، رجالا ونساء، أطفالا وبناتِ، والمغسول بحبات الدمع الندية الطاهرة، وفي لحظات الفرح، ووقت التطلع بشوق إلى المستقبل، واجب علينا أن نرسم البسمة أو أمل النجاة على الموجة العاتية، رغم أنها ربما تهدم قلاع النشوة الرملية. المبنية بأيدي الطفولة، وبفنون هندسة الأحلام المعمارية، وعلى نظام البراءة والعفوية، وتبددها لتخط خرابات الخوف. بجدران الموت المغروس في الأجساد الهشّة، خاطفاً عيون المستقبل الموعود، و مدمراً أمل الإزدهار المأمول، الذي كاد أن يرمى عن الكواهل المثخنة التي تباطئت في المسير بعد تعب طويل، ليكتمل المسير بجري تلك الآمال التي لوحت للمستقبل بأيدي الظلم مودعة أحلامها الوردية الملطخة بالقتل، والمسروقة من اللصوص وقطّاع الطريق المرتزقة. ليس هذا وحسب، بل واجب أن نتصور لوحة الحياة بألوان زاهية، رغم خلفيتها القاتمة التي خلفها الظلم والتجبر على من فقدنا جراء المعاناة المرة، التي تجرعت منها الإنسانية حتى ثملت، لأنه ومهما لوناها بزرقة المياه النقية العذبة الوافرة، وبخضرة الحبوب الغضة أول الربيع، وبشفافية البناء الشاهق المشيد، وأضأناها بأشعة التركيز الحديثة، و نفخنا فيها برياح التسامح شبه المجمدة، تبقى تلك الخلفية المظلمة كجرحٍ في الجبين ذي الأثر الواضح، والدال على حوادث الحياة المؤلمة.. ومن هنا نصل إلى أن الطريقة المثلى لرسم لوحتنا المنظورة، المحتضنة لآمال المستقبل الزاهر، وبخلفية خضراء، ويكون ذلك بحب الحياة الجاري، وصخبها كأنه صوت شلاّل منساب من عَلي، متواصل النزول، غني بالرذاذ والقطرات كالأمل نفسه.. تلك القطرات المشابهة للإرادة الخافقة في فسحة الرجاء، التي تلتقي في النهاية وتكوّن شلال.. نهر.. بحر.. محيط.. من المشاعر الجميلة. عندما أرى البحر في هيجانه تدفعه الرياح، أرى من خلاله قوة الفكرة ومايمكن أن تفعله حين تتجه إلى المستقبل الآمل الواعد، وتكون سيفا مسلولا على الحاضر المعقد القاتم، ذاك المستقبل المتكون من الأفكار المبسطة، ورياح الإرادة، التي تسمح لك بتلوين لوحة الحياة بريشة مستقبلية، ترويها الأيام للأجيال القادمة. هي تماما ذاك الرسم بريشة طاهرة تغمس بمياه الإنسانية، ثم تغطس في ألوان المسؤولية والمحبة، بعدها تمسك بيد المشاركة والوفاق العالمي دون النظر إلى اللون أو الدين أو العرق. وبالتأكيد ستخرج للناظر لوحة فنية مبتكرة تبهر كل من ينظر إليها، راسمة زهو الأمل في مخيلته، وباسطة بسمة الأمان على شفتيه. أما بالنسبة للشاطئ ذي الأمواج العاتية، فوسيلة النجاة بسيطة، إنها قارب يمسكه أصحاب الضمير والإنسانية، لا من اعتاد على التلاعب بالدوامات البحرية، وتحريك الأمواج العاتية التي طالما خلقت بحوراً لا شواطئ لها.. وهكذا... تظل الأرض لأصحابها مهما غيرنا الزمن بغباره وترهاته... ولن يرحل أو يختبيء أحد... ولن يمد أحد هناك يده لأحد لينتشله من ذاك المكان و يغرقه في مستنقع الغربة... وتختبيء أحلامنا وراءه فشلنا المدقع...