لم تنخفض نسبة التداين في تونس منذ أكثر من 30 سنة دون ال40 بالمائة، كما حافظ الميزان التجاري على عجز متواصل، ولم تتجاوز نسبة تغطية ال76 بالمائة. تلك أهم الاستنتاجات التي خلص إليها أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتصرف بتونس علي الشابي في دراسة أعدها في إطار "مبادرة أفكار التونسية"، حول "التوازنات العامة للاقتصاد والتحكم في الدين الخارجي" . ووقف الخبير على محدودية الأنموذج التنموي الذي اعتمدته تونس طيلة العشريتين الأخيرتين باعتباره ساهم في ارتفاع مستوى التداين العمومي (ولا سيما الدين الخارجي) الذي يعد "إجابة طبيعية لانخرام التوازنات الكلية للاقتصاد الوطني". وأشار إلى عدم قدرة الاقتصاد التونسي على الارتقاء إلى مستويات أعلى من النمو بسبب التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات اللازمة وغياب فاعلية الإجراءات الظرفية التي تم اتخاذها فضلا عن ضعف تنافسية مناخ الأعمال في تونس". كما تعرض إلى التناقضات التي يتسم بها جهاز الإنتاج من ذلك "تحقيق نمو مطرد لم يوفر مواطن شغل كافية فضلا عن ارتفاع معدلات بطالة الفئات المتعلمة وتدهور قيمة العملة المحلية رغم الإجراءات التي تم اتخاذها..". نمو مستقر وعجر في الميزان التجاري ويرى الشابي "أن نسبة النمو في تونس التي تظل مستقرة قد تم تحقيقها بالاعتماد على الطلب النهائي (الخاص والعمومي) مثل المواد الغذائية والسكن وذلك رغم التفاقم الهيكلي لعجز الميزان التجاري". في المقابل فان الاستثمار الذي يعد المكون الأساسي لمعاضدة النمو فقد كانت مساهمته ضعيفة ونما بنسب ضئيلة. وأكد الخبير أن الاستثمار لم يشهد أي انتعاشة بعد كل تخفيض أو ترفيع في نسبة الفائدة خاصة على المدى القصير بل على العكس فقد ساهم ذلك في تنشيط القروض قصير المدى وحفز الاستهلاك. كما كان للزيادة الآلية للأجور دون أي تشخيص لسوق الشغل أو الأخذ في الاعتبار مستوى التضخم الأثر في دفع الطلب الداخلي. وفي مستوى العرض فقد ارتكز النمو منذ التسعينات على الأنشطة التجارية وغير التجارية العمومية وقطاع الصناعات المعملية وذلك دون مساهمة القطاعات الحيوية على غرار الفلاحة التي لم تحظى باستراتيجيات تنموية واقتصادية واجتماعية ملائمة. وقد أدى هذا الوضع إلى "تفاقم التفاوت الجهوي" وتسارع نسق الهجرة الداخلية وتوسع الوسط الحضري العشوائي حول ابرز المدن الساحلية. وقد طبع التفاوت بين الجهات منوال التنمية الذي أصبح غير متوازن. فالنمو الذي كان مطردا منذ أكثر من 30 سنة لم يكن قادرا على خلق مواطن الشغل الضرورية باعتباره لم يرتق إلى مستويات أعلى مقارنة باقتصاديات متشابهة أخرى لها نفس المزايا التي تتمتع بها تونس من نمو ديمغرافي وموقع جغرافي وغيرها... وقد قام الباحث علي الشابي في هذا الصدد بدراسة مقارنة بين تطور نسق النمو في تونس مع أهم شركائها الأوروبيين أبرزت وجود علاقة سببية بين الاقتصاد الفرنسي والاقتصاد التونسي من خلال تدفق التجارة الخارجية. وانتقد الشابي إجراءات التعديل التي تم اتخاذها لمواجهة تقلبات التوازنات العامة للاقتصاد إذ لم يتم التحكم في التضخم والمحافظة على استقرار النمو دون أن يكون لذلك انعكاسات على تراجع قيمة الدينار وتراجع قيمة الصادرات التونسية وبالتالي تفاقم العجز التجاري بصفة هيكلية. كما لم يكن لسياسة الصرف التي اعتمدتها تونس وإجراءات المواكبة أي مفعول بل كانت غير ناجعة على المدى الطويل باعتبار أن هذا التمشي لم يمكن من امتصاص الفوارق الاجتماعية والفقر سيما أن النمو كان هشا تجاه الصدمات الخارجية. وفي ما يتعلق بعدم التوازن الهيكلي أشار الشابي إلى أن العجز التجاري سيكون أكثر عمقا دون اعتبار المداخيل السياحية ويظل مرتبطا بالعوامل الخارجية. كما تعرض إلى المديونية العمومية التي قال انها لم تكن ثابتة خاصة في فترة الأزمات الاقتصادية في تونس سنة 1986 وفي أوروبا (2008-2009) أو خلال الصدمات الخارجية إبان تقلبات أسعار النفط (1991-2008) مبينا أن التحكم في المديونية لم يتحقق إلا في السنوات التي ارتفعت فيها الضغوطات التضخمية ومواسم سياحية جيدة. وفي ما يتعلق بالتوصيات ابرز الباحث أن تحسين القدرات الإنتاجية والتصرف في التوازنات العامة للاقتصاد أصبحت ضرورية لتثبيت المديونية العمومية. واقترح نموذجا تنمويا جديدا تتولى فيه الدولة التدخل لتعديل سير السوق. تحسين الطاقات الإنتاجية والتصرف في الاقتصاد الجملي ودعا الباحث إلى استهداف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية وتطوير الاستثمار الخاص باعتباره إجراء ضروريا لحفز الاستثمار الخاص في المناطق الداخلية. وبين أن الأمر يتعلق بوضع حوافز جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للمشاريع الكبرى في مجالات البنية الأساسية والتكنولوجيات الحديثة للاتصال والشراكة مع القطاع الخاص الوطني. ودعا أيضا إلى تعصير جهاز الإنتاج لتمكينه من مرونة اكبر تجعله قادرا على استيعاب الصدمات الخارجية وتنويع التجارة الخارجية. وبين أن إعادة هيكلة النظام التربوي تظل محور الإصلاحات للرفع من تشغيلية خريجي المنظومة التربوية في تونس ووضع سياسة أجور تأخذ بعين الاعتبار مستوى الإنتاجية.