الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ سقط الجبابرة والطغاة الواحد تلو الآخر، فذاك فرّ هاربا من بلده وهذا زجّ به في غياهب السجون وذاك قتل ونكّل به تنكيلا على أيدي ثوار ذاقوا الأمرّين طيلة حكمه وآخر نجا من الموت المحقق بعد أن أطلق عليه منشق وابل من الرصاص. بات من تحصيل الحاصل أن كلّ جبار يقصمه الله ولو بعد حين، فحركة النهضة التي كانت محظورة إبّان حكم بن علي صارت بعد سقوطه بيدها الحل والعقد على الساحة السياسية في تونس. والناشطون في هذه الحركة كانوا يعذّبون لسنين طويلة ويسامون سوء العذاب أصبحوا يعتلون أهمّ المناصب في هياكل الدولة. فالحياة سجال كما قال أبو سفيان ابن حرب في غزوة أحد "يوم نُساء ويوم نُصرّ" فدوام الحال من المحال وتلك مشيئة الله، عسر بين يسرين. إن ما حدث للإسلاميين سواء في تونس أو في المغرب أو مصر أو في باقي الدول العربية لشبيه بما حدث لنبي الله يوسف عليه السلام بعد أن قضى سنوات في السجن أصبح بعد ذلك عزيز مصر يتبوأ منها حيث يشاء. "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ" سورة القصص الآية 5 سنّة الله في خلقه لا تتبدل ولا تتغير في كل زمان ولا مكان إن الأرض لله يورثها من يشاء والبقاء للأصلح. "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ" سورة يوسف الآيتين 56 - 57 ولكن نبي الله يوسف عليه السلام حين آتاه الله الملك والتمكين لم ينسب ما حصل له من هذه النعمة إلى ذكائه الخارق أو كفاءته أو حسن تدبيره وتصرفه بل نسب ذلك كله لله عز وجل وختم بالتضرّع إلى خالق الأسباب والمسبّبات والحكيم في حكمه والمدبر في أمره، لا يتحرك متحرك في هذا الكون ولا يسكن ساكن إلا بأمره وتحت تدبيره وتصرّفه بأن يوفّقه في دنياه وآخرته ويتوفاه على دين الإسلام ويلحقه بالصالحين، فيوسف النبي رغم أنه أعطي الحكم والنبوءة إلا أنه طلب المزيد وهو أن يجعله الله ضمن الزمرة الناجية يوم القيامة وهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فنعم أجر العاملين. رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ سورة "يوسف" الآية 101 والديمقراطية التي فُرضت على دول العالم الإسلامي لا شك وأنها ستزول يوما ويعود الحكم كما بدأ لله الواحد القهار أي لشرعه القويم الذي فرضه على عباده والذي قال فيه : "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" سورة "الشورى" الآية 13 كما حذّرنا من مغبّة الاحتكام لغير شرع الله فقال : "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب". سورة "ص" الآية 49 كيف يتصرّف الإسلاميون اليوم بعد أن تم انتخابهم من قبل الشعوب العربية في كل من تونس والمغرب ومصر والأردن وغيرها من الدول؟ ووصولهم إلى سدة الحكم مع تقلدهم أهم المناصب البارزة في هياكل الدول ومؤسساتها؟ يجب أن يعلم الإسلاميون أولا وأخيرا أن الله هو من قدّمهم على غيرهم وأنه هو الذي أعزّهم بعد ذلة فقد وفّر الله عز وجلّ لهم الأرضية المناسبة ومهّد لهم الطريق نحو التمكين ومن أسبابها، العملية الانتخابية التي تقوم بها الشعوب لانتخاب ساستها. وللتمكين شروط منها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ سورةالحج الآية 41 فيصل البوكاري تونس